السبت، يناير 14، 2012

تدريس الأمازيغية أحد مداخل تعليم فعال

بودريس بلعيد
بقلم : بودريس بلعيد
( نقلا عن جريدة التجديد بتاريخ 10 يناير 2012 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شكل إدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة التعليمية في المغرب حدثا فاصلا بين مفهومين للوطنية و للتعليم على حد سواء .
فعلى المستوى الوطنين قطع المغرب مع الإرث الواحدي الذي تأسس تكتيكيا ، في غمرة مواجهة شراسة الاستعمار التي كانت تعمل على إماتة مكونات المغرب اللغوية و الثقافية ، و الذي تحول بعد الحصول على الاستقلال ،
موضوعيا ، إلى فعل إقصائي يخدم الإبادة بدل التنمية . و أسس لمفهوم تدبير المتعدد و المتنوع و المختلف وفق مبادئ الحياة و التطور في مقابل إجراءات القتل و الإماتة .
و على مستوى البيداغوجيات الحديثة ( بالجمع و دون استثناء ) شكل حدث إدماج الأمازيغية تفعيلا ممكنا لتمحور العملية التعليمية حول المدرس من خلال الاعتراف به و الانطلاق من مكتسباته السابقة نحو تطوير شخصيته دون حاجة إلى ترهيبه بنموذج برّاني يسحق كل إمكانية للوجود الطبيعي و للتطور المتناغم لشخصيته . و معلوم أن هذا الاعتراف هو الشرط الضروري للمساهمة الإيجابية للتلميذ في العملية التعليمية التعلمية . ناهيكم عن كل النظريات المعرفية التي تتحدث عن ضرورة إدماج المعارف اللاحقة في الإطار المعرفي السابق ، من أجل بناء إنسان يجيد التفكير المنظم و المركب كما يتجلى في حل المشكلات و اتخاذ القرارات المناسبة و التفكير النقدي و الإبداعي . حيث تشكل اللغة الأم المعبر الأساس لتحقيق هذا المستوى المعاصر ( المؤسس علميا و المساهم في بناء الديمقراطية سياسيا ) من الأهداف البيداغوجية .
و على المستوى الثقافي ، تجاوز المغرب مراودات النقص و التبعية من خلال احتلال تيفيناغ للمكانة التي تمتد من الحرف ( باعتباره إبداعا تقنيا صرفا ) إلى كل الأعماق الثقافية و التداولية بدءا من المعمار دون الانتهاء بالوشم و الحناء مرورا بكل المظاهر الجمالية و الإبداعية التي تشكل خلفية الشخصية المغربية و الإفريقية الشمالية على حد سواء .
في هذا الإطار من التلخيص المفرط ، يمكن الحديث عما تحقق في تدريس اللغة الأمازيغية على المستويات التالية :
على المستوى التربوي : مكّن تدريس اللغة الأمازيغية من إدخال البهجة إلى القسم المدرسي في المغرب . إذ أن كل المعاينات ، و دون استثناء ، تؤكد أن درس الأمازيغية كان لحظة تعلم فعال بامتياز . فسواء تعلق الأمر بالتلميذ الناطق بالأمازيغية أو غير الناطق بها ، فقد حققا معا الرقم القياسي في سرعة التعلم و الاكتساب ، و بأكبر نسبة من الفرح و الانخراط .
على المستوى الديداكتيكي : مكن درس اللغة الأمازيغية من فتح الباب العلمي للتداول في ديداكتيك اللغات ، بما في ذلك القيمة النوعية المضافة لديداكتيك العربية . ذلك أن دخول اللغة الأم إلى المدرسة ، لأول مرة ، قد مكن من إعادة الطرح الأكثر نجاعة لمشاكل تدريس اللغات في النسق التعليمي المغربي . و هكذا تم تصحيح ( دون تعميم طبعا ) مفاهيم اللغة الأم و التعلم و الاكتساب و التمكن و النجاعة اللغوية و الفهم و الإنتاج اللغويين و علاقة اللغة بالفكر ، و ما إلى ذلك مما لا يمكن لديداكتيك اللغة أن يستقيم دونه .
على المستوى الثقافي و الاجتماعي : أعيدت الجسور ، التي دكت خطأ ، بين المجتمع المغربي الفعلي و المدرسة . و تم تدشين مسار مساهمة المدرسة في تطوير المجتمع المغربي بدل نسفه و استبداله بالغير دون سبب موضوعي . وصار بالإمكان تفتح المدرسة على المجتمع المغربي و نهاية خوفها منه و إشهارها لعدائها له . و هكذا صار بإمكان التلميذ أن يسأل أبويه و أسرته و جيرانه عن مكونات لغوية معجمية أو تركيبية أو دلالية في تناسق تام مع أهداف المدرسة التنموية في إطار الحق في الكينونة وفق مقتضيات الكرامة الإنسانية .
إن الانتقال من النسق التعليمي التقليدي ، المؤسس على مفارقة المدرسة للمجتمع ، الذي تمثل ، في المقام الذي نحن بصدده ، في إدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة التعليمية ، لم يكن ليمر دون عوائق . لأن استبدال النظر القبل ديمقراطي ( على المستوى السياسي ) و القبل علمي ( على مستوى الوعي البيداغوجي و الديداكتيكي النظري ) بالتدبير المؤسس الإقرار الديمقراطي و الفهم العلمي اصطدم بمقاومة التداعيات القديمة خصوصا منها التمييزية و الإقصائية و القبل علمية . لذلك يمكن اعتبار ما لم يتحقق ، نتيجة ( غير عادية من الناحية السياسية ) لاستمرار تبعات الاستلاب الغرباني أو الشرقاني ؛ أي التفعيل السياسي لوضعية الشعور بالنقص و تكريسها . مع ما يعنيه ذلك من استمرار للمفهوم التقليدي للتربية و التعليم كاستمرار لعدم التمييز بين البناء و الهدم ، بل و إنجاز الهدم تحت يافظة البناء . و في هذا الإطار تندرج كل العراقيل المالية ( عدم تخصيص ميزانية للنهوض بالمشروع ) و الإدارية ( عدم احترام تطبيق المذكرات ) و التربوية ( عرقلة التكوينات و الحد من تعميمها كما و من فعليتها كيفا ) ...
و مع ذلك لا يمكن للإنسان المغربي إلا أن يشعر بالاعتزاز و هو يعاين احتضان المدرسة المغربية ( الممولة بعرق أكتاف المغربيات و المغاربة ) لأحد مكونات المغرب اللغوية و الثقافية و تدشين مسلسل النهضة اللغوية و الثقافية . لأن تدريس اللغة الأمازيغية هو أحد المداخل الرئيسة من أجل تعليم منتج و فعال يمكن من تجسيد فرص نمو الذات المغربية في إطار الانتماء لقيم المساواة و الإنصاف و التطور المتوازن و المتكافئ .
في هذه السيرورة ، يأتي الدستور الجديد ، معترفا بالأمازيغية لغة رسمية ، مكرسا بذلك الإرادة السياسية الصريحة في بناء ممارسات ديمقراطية و منصفة و متجهة نحو الأفضل . تختلف في فلسفات التدبير و مرجعياته و لكنها لا تختلف في الهدف الذي يظل مؤكدا دون التباس و هو : جعل التربية و التعليم أحد المسالك المهمة لتطوير و تنمية الذات القادرة على رفع تحدي المنافسة العالمية من أجل عالم يضمن جميع الحقوق للجميع .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق