الأربعاء، فبراير 29، 2012

عندما تعانقت الأمازيغية و العربية في الشعر و الأدب

بيت شعري يمزج ما بين العربية و الأمازيغية

بقلم : جواد غسال
( نقلا عن هسبريس بتاريخ 27 فبراير 2012 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عندما سئل المختار السوسي على طريقة كتابته للشعر ، و أسلوبه الخاص في الكتابة ، ردّ بطريقة تنم عن الثقة في النفس ، مبررا لجوءه إلى كسر القواعد بأحقيته في الكتابة بالطريقة التي يراها مناسبة للتعبير ، لكن أن تتجاوز الكتابة عند شعراء سوس حد التعبير باللغة الواحدة ، فهذا ما لم تكن تتوقعه البحوث في
مخطوطاته الغزيرة ، و لم تكن تعتقد أن الشعر العربي سيزدان و يتزين باللغة الأمازيغية في البيت الشعري الواحد ، يمتحون في ذاك من فصاحتهم في اللغة العربية و امتلاكهم ناصية اللغة الأم .
فمن يبحر في مخلفات جهابدة سوس ، يتفحص في الطريق مكونين أساسيين ، مخطوطات في العلوم و الثقافة ، و أنواع مختلفة من الشعر، على شاكلة مناظرات على الهواء (سنعود إليها لاحقا) شكلت مجالا لـ"نشر غسيل" الخصومات السياسية ، و المدح و الهجاء بين القبائل و أعيانها... و من المألوف أن الشاعر عندما يصل مستوى متقدما في سبك أغوار القصيد ، و نظم البحور و سجع صدر البيت الشعري و عـَجـُزه ، و إتقان العزف على القوافي ، يبدأ في الإبداع خارج النطاق المعهود ، فكتب العرب أبياتا تقرأ من اليمين و اليسار كقول الشاعر :
مودته تدوم لكل هول و هل كل مودته تدوم
و شاعر ذهبت نباهته حد كتابة قصيدة تقرأ من اليمين فتمدح و تقرأ من اليسار فتذم ، و هو يقول :
ــ من اليمين إلى اليسار ... (مدح)
طلبوا الذي نالوا فما حُرمــــوا رُفعتْ فما حُطتْ لهـــم رُتبُ
وهَبوا و مـا تمّتْ لــهم خُلــــــقُ سلموا فما أودى بهـــم عطَبُ
جلبوا الذي نرضى فما كَسَدوا حُمدتْ لهم شيمُ فــمـــا كَسَبوا
ــ من اليسار إلى اليمين (ذم)
رُتب لهم حُطتْ فمــــا رُفعتْ حُرموا فما نالوا الـــــذي طلبُوا
عَطَب بهم أودى فمــــا سلموا خُلقٌ لهم تمّتْ ومـــــــــا وهبُوا
كَسَبوا فما شيمٌ لــــهم حُمــدتْ كَسَدوا فما نرضى الذي جَلبُوا
تجاوز شعراء آخرون الشعر الذي يقرأ من الجهتين إلى إبداعات أخرى ، كتلك التي تفتقت بها قصيدة منسوبة إلى قارحة الإمام علي رضي الله عنه و هو يردد:
ألــــــــــــوم صديقـــــي و هـــــــــذا محـــــــــــــــــــال
صديقــــــــي أحبــــــــــــه كـــــــــلام يقـــــــــــــــــال
و هـــــــــــذا كــــــــــــــلام بليــــــــــغ الجمـــــــــــــال
محـــــــــــــال يــــــــــــقال الجمـــــــال خيــــــــــــال
و مثل ذلك ما ذهب إليه الشاعر السوسي ، بعد أن صالت قصائده و جالت في المواضيع و المجالات ، و مدحت ما كان يميز الحياة السوسية ، حتى قال المختار السوسي في "تاكلة" أو " العصيدة" ما قاله العرب في الخمرة ، و هو يتغزل في أوصافها ، و يثني على مفاتنها :
لمـــن جفنـة قــد أقبلــت تتألـق تـــلوح بـــلألاء العصيـــدة يبـــرق
مسنمــــــة حتـى كــأن سنامهـا شماريـخ طــود لم يكــد يتسلــــق
وقد فغمت منها الخياشيم نكهة تطيـب بهـا كـل النواحي و تعبــق
أهذا أريج المسـك أن نفـح روضـه أزاهيــرها تــحت الصبــا تتفتــق
حتى قال:
أدام لنـا الله العصيـــدة مـا غــدت مصـــــارين بطن الجائعين تنقــــق
و ما سالت الأريــاق إن عـنّ ذكــرها وطـاف حواليهــا ثنــاء محلّـــق
لم يتوقف شعراء سوس في إبداع الجديد و اللعب بالكلمات و الألفاظ ، في حد قلبها و قراءتها بطريقة المشارقة ، بل تفوقوا بجعل المزج بين اللغتين الأمازيغية و العربية سمة الإبداع في الشعر السوسي ، و مثل ذلك ما ذكره السوسي في مؤلفاته لمجموعة من الشعراء في مزج اللغتين ، كقول الشاعر بن عبد السميع الرسموكي :
اسم الاله في الكلام إيزوار(يسبق) وهو على عون العبيد إيزضار (قادر)
وهو الذي له جميع تولغتين(أمداح) وهو المجير عبده من تومرتين (مشاق)
وفي قصيدة للشاعر المعاصر عبد الله بن إبراهيم البوبكري ، يزداد التحام اللغتين ، في مرحلة تاريخية متقدمة ، بذات الجمالية في قصيدته "الغريب" :
الحمد لله القدير إزوار(سابق) في قصة الغريب غكي نودرار(فوق الجبل)
وما جرى له غوبريد ياكوكني(الطريق البعيد) والوعر والقفار دي إجرفني (ذي الصخور)
و يضيف :
كم ليلة أضاعها في أخربيش (في خربة) حول الرماد أور إديل أور إفريش (بدون غطاء ولا فراش )
وشمعة بقربه أركاتلا (تبكي) في ليلة مظلمة أرد يس يلا (يبكي معها)
لا تشكل هذه القصائد المشار إليها في العديد من الكتابات سوى جزء صغير من تفاعل الشاعر السوسي مع ظاهرة شعرية فريدة من نوعها ، التحمت فيها اللغتان حتى صار فيهما الإبداع في الإيقاع و القواعد الشعرية ، الموسيقى الشعرية لا يكاد يفرق بين المفردات في الشعر ، و إن كان بعضها وفق ما جاء في بعض المخطوطات و نقلتها العديد من الكتابات ، طبعتها لحظات التفاعل مع وقائع بعينها ، جمع فيها الشاعر بين الفكاهة و الإبداع .
و بكلمة ، و دون دراسة معمقة لهذه القصائد ، (اعتبارا لطبيعة المقام و المقال) و دون تعمق في طرحها ، إلا أن هذه الظاهرة جسدت عمق التفاعل بين اللغة و الثقافة الأمازيغتين و بين اللغة العربية ... إنها تمنح صورة متكاملة عن طبيعة العلاقة التاريخية بين مكونات الهوية المغربية ، في مرحلة لم يكن الأدب و الثقافة مطبوعية بجحود يخرجهما عن نطاقيهما .

هناك 3 تعليقات:

  1. المفكر الحر9 مايو 2012 في 12:05 ص

    هذا الشعر يدل على التمازع والالتئام بين الثقافتين العربية والأمازيغية لممئات السنين على عكس ما يرجوه الانفصاليون الناشرون لثقافة العنصرية اللغوية الذين.

    ردحذف
  2. يشكركم الشاعر على التعليق المدكور اعلاه. والله من وراء القصد والحمد لله رب العالمين.والسلام عليكم ورحمة الله تعالــــــى وبركاته.

    ردحذف
  3. naice my uncle

    ردحذف