بقلم : مصطفى الخلفي
( نقلا عن جريدة التجديد بتاريخ 03 ـ 09 ـ 2010 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثمة ثلاث مسارات تحكم تطور الموضوع الأمازيغي بالمغرب، الأول تجسده السياسة العمومية للدولة وخاصة منذ خطاب أجدير لأكتوبر ,2001 وهي سياسة قائمة على الاستيعاب والإدماج وتصحيح اختلالات الماضي وفك الارتباط بين ما هو سياسي وما هو ثقافي، وذلك للحيلولة دون الانزلاق نحو متاهات التسييس والتوتر الإثني مثلما
ثمة ثلاث مسارات تحكم تطور الموضوع الأمازيغي بالمغرب، الأول تجسده السياسة العمومية للدولة وخاصة منذ خطاب أجدير لأكتوبر ,2001 وهي سياسة قائمة على الاستيعاب والإدماج وتصحيح اختلالات الماضي وفك الارتباط بين ما هو سياسي وما هو ثقافي، وذلك للحيلولة دون الانزلاق نحو متاهات التسييس والتوتر الإثني مثلما
هو قائم في الجزائر، ثم مسار ثان يتمثل في الحراك الاجتماعي والثقافي الوطني الأمازيغي، وذلك على اختلاف مكوناته وتباين المقاربات المؤطرة لفعاليتها، مع الإلتقاء على مركزية إعادة الاعتبار للأمازيغية وتشكيل قوة اقتراحية ورقابية إزاء السياسة العمومية للدولة، أما المسار الثالث فهو المسار الخارجي المرتبط بتوجهات دولية متعددة ومتباينة الرهانات، إلا أنها تشترك في أهمية الورقة الأمازيغية في تعزيز النفوذ الأجنبي وخدمة سياسات التدخل والارتباط بتوجهات القوى العالمية وتوابعها.
في السابق، اتسمت هذه المسارات بحالة من التمايز والاستقلالية البينية، إلا أن هذه الحالة أخذت في التقلص التدريجي وتنشأ عوضا عنها حالة من التداخل المركب والتفاعل المعقد، وخاصة مع تبلور آليات دولية مثل لجنة مناهضة مكافحة التمييز العنصري الأممية وغيرها من الهيئات، بحيث تصبح اجتماعاتها بمثابة التقاء واحتكاك مباشر بين المسارات الثلاث. فالمغرب الرسمي يقدم تقريره، والمنظمات غير الحكومية تقدم تقريرها المضاد، واللجنة تعمل على صياغة تقريرها التركيبي، وتقديم توصياتها للهيئات المعنية، فضلا عن أثر انخراط المغرب في علاقات متقدمة مع الخارج في تسريع التدافع بين المسارات الثلاث، والمثال البارز اكتساب صفة الوضع المتقدم مع الاتحاد الأوروبي وما أتاحته لهذا الأخير من قدرة على مسائلة المغرب حول عدد من سياساته وتشريعاته المحلية ومدى حصول تقارب بينها وبين السياسات المتبعة، على مستوى الاتحاد الأوروبي، وخاصة ما يهم التعاطي مع قضايا التنوع الثقافي واللغوي والإثني، وهي وضعية ازدادت حدة من جهة مع سعي مجموعات أمازيغية على استغلال الورقة الأوربية، ومن جهة أخرى مع المأزق الذي تعرفه المقاربات الأوروبية المؤلمة في تدبير هذه القضايا، وفشلها في اعتماد آليات تحفظ الوحدة أثناء معالجة إشكاليات التنوع، والحالة البلجيكية أحدث مثال على هذا الفشل دون أن تغفل تجارب دموية، مثل حالة الصراعات العنيفة في الجمهوريات الناتجة عن تفكك يوغوسلافيا.
الجديد اليوم، هو انكشاف عناصر المشروع الإسرائيلي للدخول طرفا في المعادلة بعد أن كان في السابق مستترا، وهو المشروع الذي جاء في صيغة دراسة أكاديمية حديثة لمعهد موشي ديان بجامعة تل ابيب، تنشر يومية ''التجديد'' عناصر منها، والتي تقدم مرتكزات هذا المشروع وأدوات اشتغاله، وخاصة منها الرهان على دور الخطاب الأمازيغي في مناهضة العمق العربي والإسلامي للمغرب، ووجود فاعلين مدنيين أمازيغيين لهم الاستعداد للانخراط في التطبيع. فهل يمتلك مثل هذا المشروع حظوظا للنجاح؟
لا نريد استباق التطورات، باعتبار أن ظاهرة التطبيع الأمازيغي ظاهرة هامشية وسطحية لا تختلف عن باقي أنواع التطبيع التي تستهدف مختلف بنيات ومكونات المجتمع المغربي، إلا بسبب وجود جرعة من الإثارة الناجمة عن الأمازيغية، أما غير ذلك، فالخطاب الإسرائيلي يقفز على حقائق التاريخ والواقع المغربي كما يعكس جهلا فاضحا بالمواقف الحقيقية للأمازيغيين، وعمل على تسويق وهم القابلية الأمازيغية للتطبيع وكونها بمثابة الحلقة الأضعف التي عبرها سيتم استدراج المغرب إلى التطبيع، والاستناد في ذلك على تصريحات وسلوكات أقلية جد هامشية لا تمتلك شرعية التمثيل أو الخطاب باسم الأمازيغ، والرهان عليها ليس سوى رهان فاشل، لن يعدو في نهاية المطاف أن يكون سوى ورقة في الحرب النفسية الإسرائيلية ضد المنطقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق