السبت، أكتوبر 23، 2010

هل يعيش المغرب ميزا لغويا ـ ثقافيا ؟


شعار الكونغرس الأمازيغي
بقلم : الدكتور فؤاد بوعلي
( نقلا عن هسبريس في 11 أكتوبر 2010 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعيش الساحة السياسية و الاجتماعية في هذه الآونة على إيقاع التوصيات الختامية للجنة الأممية الخاصة باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري التي طالبت المغرب بتقديم جواب حاسم حول الخريطة الإثنية بالمغرب . و ليس خافيا
على المتابعين أن المنطلق الأساس لهذا التقرير و غيره أن الأمازيغ في المغرب يشكلون أقلية تعاني كل أشكال التمييز السياسي و الثقافي و اللغوي . فالاعتقاد الذي عملت بعض الجهات المحسوبة على الحركة الأمازيغية ترسيخه و تقديمه عبر لقاءات و تقارير إلى الأمم المتحدة و باقي الهيئات الدولية هو أن الأمازيغي في المغرب يعيش نفس الوضع الذي تعيشه الأقليات المضطهدة في مجموعة من بلدان العالم كالسود في بعض دول أمركا اللاتينية و الغجر في بعض الدول الأوربية ، و لذلك مظاهر عديدة أحصاها أحد منظريهم في : الدستور ، و القضاء ، و التعليم ، و الإدارة ، و السياسة الخارجية ، و التاريخ ، و السياسة الأمنية ، و السياسة الاقتصادية ، و السياسة الاجتماعية .

و عندما يتأمل القارئ العرضي و الأجنبي في تقارير ما يصطلح عليه بالكونغريس العالمي الأمازيغي و غيره من الهيئات المتناسلة من رحم المساعدات و التوجيهات الخارجية سيخلص إلى أن المغرب يعيش فعلا حربا هوياتية بين فريقين أو إثنيتين : واحدة عربية مسيطرة تاريخيا و جغرافيا و سياسيا تدافع عن مصالحها الطبقية التي منحتها إياها الحركة الوطنية و تجربة الاستقلال باسم العروبة و الإسلام ؛ و أخرى أقلية أمازيغية فاقدة للسلطة و لحقوقها السياسية و الاجتماعية و الثقافية بالرغم من أصالتها و عروقها المتجذرة في أعماق الماضي . بل يصل الأمر إلى تخوين و رفض كل من سولت له نفسه رفض أطروحاتها و لو كان أمازيغيا ... و للمرحوم عابد الجابري معهم قصص طويلة .

إن الرهان على المواثيق الدولية و القرارات الأممية التي لها السبق في تشتيت الأمم و الشعوب سيظل و سيلة مثلى لتفتيت الوطن و تثبيت سياسة شد الأطراف و لكنها لن تستطيع أن تُبَلغ أحدا حقوقه التي يظن أنها مفقودة . فالمغرب حقق قفزات نوعية في التعامل مع الأمازيغية باعتبارها ثقافة و جزءا مكونا من مكونات الهوية المغربية و ليس قضية حقوقية أو سياسية . فالتعدد الإثني و الاجتماعي الذي عاشه المغرب منذ قرون له مظاهر عديدة تسقط أطروحة الميز العنصري التي يتبناها بعض المنتسبين إلى الحركة الأمازيغية إثنيا و تاريخيا و اجتماعيا و دستوريا و سياسيا :

1 ـ إثنيا : في التداخل الإثني المغربي يعسر تحديد حقيقة الانتماء العرقي لكل قبيلة أو شخص . فاللهج بلسان أمازيغي أو عربي لا يثبت في شيء حقيقة الانتماء . و التاريخ يثبت الأمر بجلاء . و نحن نعرف قبائل الشرفاء الأمازيغ في الأطلس و سوس التي تنتمي جذورها البعيدة إلى الدوحة النبوية العربية . كما أن من المتحدثين بالعربية من القبائل الحوزية و الزمورية مَن أصوله القريبة جدا أمازيغية قحة . لذا فالرهان على ضبط لائحة الانتماء الإثني لن تكون مجدية و إن حاول البعض القفز على الحقائق و ربطها فقط بالجانب اللسني دون غيره .

2 ـ تاريخيا : لو تجولت بين القبائل الأمازيغية التي حافظت على مكوناتها اللسنية و الثقافية لن تجد من يحدثك عن هذا التمييز بين العربي و البربري . و حتى في عهد المقاومة لم يكن لهذا الخطاب وجود و الجميع مجند في أفق الدفاع عن الوحدة و مواجهة المحتل . و في طفولتنا الخاصة في حاحا و سوس و زيان لم نكن نواجه من يتكلم العربية أنه خصم إثني أو عرقي بل كانت العلاقات البينية تحدد وفق علاقات التكامل و الصراع الاجتماعيين .

3 ـ اجتماعيا : من الدعاوى التي تلوكها بعض الجمعيات الأمازيغية أن الميز طال المناطق ذات الساكنة الأمازيغية . و الواقع أن هذا الزعم يحتاج إلى مواجهة حقيقية تثبت أن التهميش الذي عانت منه العديد من المناطق ليس خاصا بالمناطق الأمازيغية إن وجد فعلا و ليس لأنها مناطق أمازيغية تتكلم الأمازيغية و إن حاول البعض حبك قصص تاريخية لذلك على لسان بعض قادة الاستقلال ، و لكن التهميش المتحدث عنه عانت منه مناطق عديدة من الوطن نظرا لمشاكل و حسابات أطرت التدبير السياسي في المغرب منذ الاستقلال . و يمكن التدليل على ذلك بأمثلة كثيرة .

4 ـ دستوريا : من المطالبات التي تتكرر هو الحديث عن دسترة الأمازيغية . و نحن نقول دوما بأن الدستور هو اختيار وطني قبل أن يكون اختيارا نظاميا . صحيح أن النص الدستوري ليس نصا مقدسا و يمكن إخضاعه لأشكال عديدة من التعديلات كلما اقتضت الضرورة الاجتماعية و السياسية ذلك ، لكن إدراج لغة في إطار التشكل و التكوين المختبري سيؤدي حتما إلى تشتت اجتماعي و ثقافي ليس أقل من التجزئ السياسي . و سواء وعى هؤلاء الدعاة بالأمر أم لم يعوا فإن منطق التاريخ و السياسة يقر بأن مستقبل هذه الدعوات هي الصراع الإثني و الحروب القبلية و في أحسن الأحوال الانفصال الإقليمي كما هو الحال في التجربة البلجيكية . صحيح أن بعض الأحزاب التي فقدت وجودها الشعبي و التاريخي بدأت تلعب على ورقة الأمازيغية مطالبة بدسترتها و محاولة للاستفادة من الورقة لكن التاريخ لا يرحم و لاينسى .

5 ـ سياسيا : لعل أبرز أمثلة الاندماج نجده في الحقل السياسي حيث التداخل بين الأمازيغي و العربي حاضر في التمثيلية السياسية . و الاختلاف يكون إيديولوجيا و سياسيا و ليس قبليا .

من خلال هذه العناوين يتبين أن الذين يراهنون على المنتظم الأممي ويستنجدون به لينصفهم ، تحت مزاعم الشعوب الأصيلة و الحقوق الثقافية و غيرها ، يراهنون على تجزئ الوطن بدل توحيده . و قراءة البيانات المتتالية مثل البيان الأخير << لـتَامَايْنُوتْ >> سيجد فيه إقرارا بضرورة الضغط على النظام السياسي من قبل الخارج قبل الداخل للوصول إلى مطالبها الخاصة . لأن الواقع أن الحديث عن الميز ضد الأمازيغ أوهام صنعت لتحقيق أغراض تدخل في إطار إعادة بناء الدول في العالم وفق سياسة شد الأطراف . فهل من متعظ ؟
















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق