الأربعاء، ديسمبر 08، 2010

حين تهدد '' المعيرة '' ما تبقى من الأمازيغية !

حروف تيفيناغ كما هي معتمدة رسميا
من طرف مؤسسة المعهد الأمازيغي
بقلم : جواد غسال
( نقلا عم جريدة التجديد بتاريخ 08 دجنبر 2010 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من يعود إلى تاريخ نشأة اللغات الحية في العالم ، خاصة منها اللغة العربية و الفرنسية و الإنجليزية يخرج بخلاصات أساسية أهمها :
أن تشكل اللغات الحية لا يخضع للقسر ، و لا يخضع لتدخل مباشر من قبل اللغويين في تحديد طبيعة المفاهيم و الدوال و مدلولاتها التي يجب استعمالها و التي يجب
تجنبها ، و طبيعة القواعد التي يجب وضعها للغة لتشكل قوالب مسبقة يتم من خلالها قياس مدى صحة اللغة من عدمه ، و عدم وجود ''اللحن'' فيها ، فخلال فترة تقعيد اللغة العربية على وجه التمثيل لا الحصر ، لم يتم وضع قواعد من خارج ما هو متداول في الشعر و القرآن ، و كان مرد التقعيد إلى دخول أمم جديدة لا تتقن العربية فكان له أن سهل عملية تداولها ، و جنبها السقوط في شباك تكاثف اللحن اللغوي .
و تفرض اللهجة التي تنشأ في وسط قوي ثقافيا و سياسيا و اقتصاديا نفسها لتقود بقية اللهجات المتفرعة على نفس الأصل اللغوي ، لتشكل نسقا لغويا موحدا و غنيا ، لا تنفي و لا تقصي معها اللهجات الدائرة في محيطها ، بقدر ما تعمل على إدماجها و تكييفها مع الأصل ، و هي صيغة تشكل اللغة العربية التي فرضت فيها لهجة القبائل القوية نفسها على محيطها ، باعتبارها قبائل قوية تجاريا و سياسيا و عسكريا ، و هي نفسها صيغة تشكل اللغة الفرنسية التي احتفظت بلغة باريس ، المدينة المعروفة حينها بإشعاعها الثقافي و السياسي و العسكري ، لغة رسمية ، فيما ظلت لهجات المحيط تابعة لها ... غير أن من بين الأخطاء التي سقط فيها نحاة و فقهاء اللغة العربية ، لجوءهم إلى عملية ''جمع اللغة العربية'' في القرنين الثاني و الثالث للهجرة ، تقديرا منهم أن عملية الجمع تحمي اللغة من اللحن و بالتالي تحمي القرآن من سوء التأويل ، و هو ما أوقف تطور اللغة تدريجيا ، لينتهي هذا التطور مع العصر العثماني ، و تنتهي معه مرحلة تجدد القواميس اللغوية و البنيات اللغوية بما يواكب التطور العلمي .
و بالنظر إلى هذه الخلاصات و غيرها ، تطرح على طريقة ''تشكل'' اللغة الأمازيغية مجموعة من التحديات يستعصي معها الوصول إلى مرحلة لغة الكتابة و التخاطب و التواصل بين مختلف فروع اللغة المتمثلة في الألسن الأمازيغية ، ليس فقط باعتبارها خالفت السنة اللغوية في النشأة و التطور الطبيعيين باللجوء إلى ما يسميه باحثو المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بـ''المعيرة'' ، بل باعتبار هذه الأخيرة (أي المعيرة) أفضت إلى تشكل قاموس لغوي جديد بمثابة لهجة رابعة ، مقتصرة على نخبة النخبة من باحثي المعهد و ناشطي الحركة الأمازيغية ، ما يعني أن اللغة التي تنشأ من خلال التفاعل في وسط اجتماعي لتدرسها النخبة و تستخرج منها القواعد المشتركة و تدرسها نحويا و لغويا لتكمل المرحلة النهائية من التشكل ، جاءت هذه المرة من أعلى الهرم ، عبر اجتهادات معزولة ، لتقدم في طبق جاهز لقاعدة شعبية لا تعرفها ، و لم تتهيأ بعد لاستقبالها .
و برهان دعاة ''المعيرة'' ضعيف ، بالنظر إلى دعوته إلى اعتماد المشترك بين فروع الأمازيغية الثلاث ، و مثل ذلك في أن ملفوظ ''الرأس'' في اللغة العربية و هو بالفروع الثلاث للأمازيغية ''أكايو'' و''أقرو'' و ''إخف''... ، أخذت فيه المعيارية كلمة ''إخف'' للدلالة على ''الرأس''، و هو صحيح ملفوظ مشترك ، لكنه يشكل ، بالإضافة إلى كلمات أخرى''، جزءا محدودا من القواسم اللفظية المشتركة بين اللهجات ، فيما لجأ المعهد إلى قاموس متداول في منطقة محددة مما تطلق عليه الحركة الأمازيغية ''تامزغا'' بما في ذلك ليبيا و الجزائر، و كذا التي تم تداولها في مراحل سابقة ، و كان الصواب أن يلجأ لغويو المعهد إلى عملية الجمع ، بالرغم من كونه خطأ لجأ إليه نحاة اللغة العربية إلا أنه أخف الضررين، و يقوم على اللجوء إلى السمع و جمع ما تتداوله اللهجات الأمازيغية ليشكل الدال المشترك في اللغة قاطرة و تكون الدوال الأخرى بمثابة ''المرادفات''. و يضاف إلى ذلك اختلاف قواعد استعمال الأمازيغية بين فروعها الثلاث ، و الألسن المتفرعة عن اللهجات ، بحسب المناطق ، ما يعني أن مسار التدقيق في القواعد اللغوية طويل ، ليس بالإستناد للقراءة التاريخية المحصورة في كتابات ما قبل العصر الإسلامي دون غيره ، و ليس بالاستناد إلى التحليل الوصفي للغة في مرحلة تاريخية محددة ، بقدر ما تتطلب دراسة عمودية و أفقية :
عمودية بالوقوف على التحليل و الدراسة التاريخيين ، و ما عرفته اللهجات الأمازيغية من تحولات و تطورات في مختلف مراحل التاريخ ، و التطور الذي عاشته في مرحلة كتابتها بالحرف العربي ، مع ما يتطلبه ذلك من ضرورة الفصل بين مرحلة و أخرى . و أفقية بدراسة المتداول على مستوى اللهجات الأمازيغية في المرحلة الراهنة ، و ما عرفته من تغيرات لسانية ، و ما تعرفه من فروق على المستويين '' الأصواتي و الصواتي'' ، و الإستعمالات النحوية و القواعد المشكلة بطريقة طبيعية .
و يبدو ، من خلال ما سبق ، أن منهج وضع اللغة الأمازيغية ، كان الأجدر أن يبدأ بمرحلة جمع الإنتاجات الأدبية و الفكرية و العلمية التي كتبت بالحرف العربي ، و تحقيق جميع المخطوطات بعد جمعها ، بالإضافة إلى جمع الثقافة الشفوية ، و جعلها المنطلق الرئيس في الاستدلال على القواعد المستعملة في النحو و البلاغة ...، و هو ما سيمنح حينها القوة للهجة التي أنتجت زخما علميا و أدبيا وفكريا أكبر من غيرها ، و سيحدد ما إن كان يصلح كتابة الأمازيغية بالحرف العربي من عدمه ، و هو ما لم يتم باعتبار أن المخطوط الأمازيغي يوجد في ذيل اهتمامات المعهد ، و كذا كون هذا الأخير سيعطي القوة لمنطقة سوس على حساب المناطق الأخرى . و من ناحية أخرى كانت اللغة الأمازيغية ضحية أخطاء أخرى اختلط فيها العلمي بالسياسي و الإيديولوجي ، ما جعلها على شفا الضياع و الاندثار ، يمكن رصدها في :
ــ كتابة الأمازيغية بحرف تفيناغ ، و خضوع الحرف للحسابات الإديولوجية و السياسية خدمة لمشاريع مختلفة ، أدى إلى إضعافها و شكل حجر عثرة أمام تعميمها و تقوية حضورها في جميع المجالات . لقد شكل قرار كتابة اللغة الأمازيغية بحرف ''تيفناغ'' قطيعة فصلت حاضر الثقافة الأمازيغية في العصر الحديث عن التراث الأمازيغي المكتوب باللغة العربية ، و جعل اللغة الجديدة لغة نخبوية ، غريبة في الأوساط التعليمية .
ــ و يتمثل الخطأ الثاني في السرعة المفرطة التي تمت بها عملية إقرار إدخال اللغة الأمازيغية في سلك التعليم ، دون أي استراتيجية واقعية ، فدخلت التعليم كإجابة سياسية بالرغم مما تعانيه من فقر نظري للشقين البيداغوجي و الديداكتيكي ، و في ظل نقص حاد في الموارد البشرية المؤهلة ، ما جعلها تواجه الفشل في أول خطواتها ...
ــ ويتمثل الخطأ الثالث في إدخال اللغة الأمازيغية في صراع مصطنع مع اللغة العربية ، ما جعل الجدل السياسي و الإيديولوجي يؤدي إلى قرارات متسرعة و ينتج عنه نوع من التشظي في البنية اللغوية لدى المجتمع ، و ترجع فيه النخبة الأمازيغية أسباب استعدائها للعربية إلى اجتياح هذه الأخيرة للمناطق الأمازيغية فيما تسميه بـ''التعريب القسري'' ، بالاستناد إلى النموذج الجزائري ، الذي تحول فيها عدد الناطقين بالأمازيغية مما يناهز 50 % سنة 1830 إلى أقل من 18 % سنة 1966 و 15 % سنة 1990 بحسب الأرقام التي تعلنها اليونسكو في تقريرها للسنة الحالية الذي أعطت فيه ما تسميه بمؤشرات تبين سير الأمازيغية في طريق الانقراض ، غير أن ما تستند إليه النخبة الأمازيغية يثبت التاريخ الذي يقدمه تقرير اليونسكو عكسه ، باعتبار أن الجزائر كانت مستعمرة فرنسية في تلك المرحلة و التحول اللغوي لم يكن لصالح العربية بقدر ما كان لصالح الفرنسية التي تنتصر لها النخبة الأمازيغية .

وختاما، و لكل الاعتبارات السابقة ، يمكن اعتبار سنة 2003 بداية زرع القرارات بشأن اللغة الأمازيغية ، لكنها لن تكون نهاية النفق المظلم الذي أدخلت إليه في ظل الصراع و الجدل السياسي الذي دار و يدور حول المسألة الأمازيغية بصفة عامة ، فالأكيد أن موسم الحصاد في اللغة الأمازيغية طويل ، و الأكيد أن الأمازيغية ستحصد ما زرعه أبناؤها بشكل أدى إلى عزلها و إضعافها في مجتمع غني معرفيا و ثقافيا ، في ظل القراءات الجديدة التي يقدمها جزء من النخبة الأمازيغية ، تحاول تسييس الثقافي و أدلجة السياسي ... و هي العناصر التي تضر بالصفة العلمية ، و تضر بما يتطلبه قرار إعطاء الأمازيغية المكانة الحقيقية في المجتمع المغربي باعتبارها لغة تشكل جزءا من الهوية الوطنية للمملكة .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق