الثلاثاء، نوفمبر 22، 2011

بين الضاد و الزاي

بقلم : الدكتور فؤاد بوعلي
( نقلا عن جريدة هيسبريس بتاريخ 21 نونبر 2011 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا تخطئ عين الباحث اللساني التشابه الماثل بين العربية و الأمازيغية . فبعيدا عن النقاش الإيديولوجي المتلفع بالإثنية و الذي يوجه مسار بحوث مؤسسات و معاهد بحثية وطنية و أجنبية ، نحبذ في هذا المقام الوقوف و لو على سبيل الإشارة عند العلاقة اللسانية بين لغة الضاد أي العربية و
الأمازيغية التي يسمها دارسوها بلغة الزاي . و التسميتان نابعتان من غلبة الحرفين على اللسانين ، بدل إطلاق الانفراد الذي شاع في الدراسات التقليدية و الذي مؤداه عدم وجود هذا الحرف أو ذاك إلا في تلكم اللغة .
يقول المختار السوسي : " و قد وصل البحث النزيه إلى أن البربر ساميون من إخوان العرب ، يشهد لذلك ، زيادة على ظواهر تاريخية ، الاستواء في العادات و تقارب اللغتين : لغة العرب و لغة البربر ، فكلتاهما لغة الضاد ، فكما يوجد حرف الضاد في العربية يوجد في لغة البربر سواء بسواء ، و كذلك مخارج الحروف فلا فرق بينهما ، و قد قابلنا هذا نحن في اللغتين في هذه الناحية ، زيادة على وجود آلاف من الألفاظ العربية في الشلحة لا يمكن في غالبها إلا أن يحكم بأنها كانت معروفة عن البربر قبل اتصال البربر و العرب بالإسلام  ".
و إذا كانت الدراسات الحديثة تصر على "حامية" الأمازيغية و علاقتها بالمصرية القديمة ، فإن التشابه الواضح في التعبيرات و الألفاظ و التراكيب مع العربية يثبت وجود علاقة لغوية تراكمت خلال عهود الوجود بالمغرب ، إن لم يكن هناك ترابط نسقي من حيث الأصل اللسني . فمن المعروف أن الأمازيغية تحتوي ألفاظا عربية كثيرة تخص مجالات الحياة المختلفة و قد جمعها عبد العزيز بن عبد الله و صنفها وفق مجالاتها التداولية مستخلصا أنها : " كلها تستعمل على نسق استعمالها العربي في أصل المعنى ... يقصد بها الشلحي ما يقصده العربي " . بل إن هناك من الكلمات ذات الأصل الفصيح التي أصبحت مهملة في الاستعمال العربي الحديث و حاف عليها اللسان الأمازيغي . فكلمة (أزرو) يرجع أصلها إلى (أصر) العربية التي تعني الحجر . و لفظة (أزبل) التي تعني باللسان الأمازيغي الشعر تعود إلى السبلة في العربية ، و الملحفة (تملحفت) و الدالية (اضيل) و الجدي (أغجد) و الثرب أي شحم الكرش و الشمط أي الخيط المعلق .... هذا إضافة إلى بعض الكلمات الحديثة التي دخلت القاموس الأمازيغي من خلال عمليات النحت أو"التمزيغ" مثل : أبقراج (إبريق) و أزليف (الرأس من الزلفة) ....
وقد حدد المختار السوسي أسباب تأثر "الشلحية" بالعربية من خلال تقسيم قائمة الألفاظ إلى ثلاثة أصناف :
1 ــ ما جاء عن طريق الدين من كل ما يتعلق بالشرع ، و ما جاء عن طريق المدنية العربية من أسماء أدوات المنزل و اللباس و آلات الأعمال التي نزاولها .
2 ــ ما وجد قديما عند الأمازيغ قبل الفتح الإسلامي كالموت و الحياة و الدم و الريح و الأب و الأم و الصوت و البر و البحر ....
3 ــ ألفاظ تتردد ما بين هذين القسمين و لا يترجح فيها جانب على آخر كالتلعة و الاحتباء و الاحتساء و الأفول ... إلى غيرها من الألفاظ ليس عليها طابع محقق من المدنية العربية و لا من الدين الإسلامي ، كما أنه ليس هناك أيضا ما يرجح أنها قديمة .
والتأمل في هذه الأمثلة يجرنا إلى البحث في العلاقة اللسانية من حيث البنية الصرفية و التركيبية . فمن المعلوم أن كلا اللسانين يعتمد الاشتقاق في بنائه الصرفي . حيث يمكن اشتقاق عدد كبير من الكلمات من الجذر الواحد و التي قد تكون من نفس الحقل الدلالي و قد لا تكون . فمثلا (يرغا) و منه الصفة أوراغ والمصدر تورغي والاسم (أسواغ) الدالة على المرض الذي يكون به الإنسان شاحبا . و في العربية الفصيحة يعني الفعل (يرغا) اشتعل و اكتسب لون اللهيب الاصفر . ولذلك يذهب الدكتور أحمد العلوي إلى أن البنية الصرفية للأمازيغية هي عربية من حيث الأصل . فكلمة (إمازغن) مركبة من إم ـــــ آزغن ومفردها أم ــ آزغ مماثلة للعربية : ذو الحمرة و ذوو الحمرة ربطا بحميرية الأصول الأمازيغية . و الأمثلة على ذلك كثيرة و متنوعة تدل على التماثل الاشتقاقي بين اللسانين . و نفس التماثل تجده في التذكير و التأنيث حيث يتحقق المؤنث بإضافة التاء في أول الكلمة و آخرها ، و بسقوط العلامة يسقط التأنيث . مثلا : أفوناس(الثور) مؤنثه تافوناست(البقرة) . و في التراكيب النحوية يتحقق التقارب من خلال العديد من الأمثلة التي تظهر وجود صلات تتعدى التأثر و التأثير إلى الأصل الإيتمولوجي الواحد لدرجة التشارك في استعمال حرف الضاد .
هل يحق لنا الآن الحديث عن الأصل المشترك للعربية و الأمازيغية ؟
لا نحبذ إصدار الأحكام القيمة في مجال البحث العلمي ، لكن الأمر يحتاج إلى بعض الترو في البحث عن العلاقة اللغوية و التاريخية بين كيانين لسانيين بعيدا عن التوجيه الإيديولوجي الذي طبع مسار البحث في الأمازيغية خلال العقود الأخيرة و تأثير المراكز الفرانكفونية على ذلك مما استبعد من مرجعيات البحث اجتهادات مؤرخين و لغويين توصلوا إلى آراء مخالفة للسائد اليوم ، و بعيدا عن المزايدات السياسية التي ترهن مستقبل الأمة بمطلقات غير محسوم في أمرها نقول مع المختار السوسي " إن الشلحة لترفع لأختها العربية ، أو لأمها إن صحت تلك الافتراضات شكرها الجزيل على ما أسدته لها منذ وطئ عقبة بن نافع ومن قبله أمكنة قومها ، وما لا تزال تسديه ما دام بين أهلها من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله " . و في مسار البحث الرصين قد نحسم أمورا متداولة عديدة كثر حولها اللغط الحزبي مثل الحرف و اللهجة و الكتابة ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق