الاثنين، يناير 23، 2012

مسألة الحرف الصالح لكتابة الأمازيغية غير محسومة


بقلم : نورالدين لشهب
( نقلا عن هسبريس بتاريخ 23 يناير 2011 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من خلال الاستطلاع الذي نظمته "هسبريس" خلال الأسبوع الماضي ، حول الحرف الصالح لكتابة الأمازيغية : فإن عدد المشاركين وصل إلى حدود : 94510 ، حيث اختارت نسبة 47.93 % الانحياز لكتابة الأمازيغية بالخط
العربي ، فيما اختارت نسبة 41.33 % الكتابة بخط تيفيناغ ، بينما ذهبت نسبة 4.94 % إلى كتابة الخط باللاتينية .. مع الإشارة إلى أن هذا الاستطلاع أثار ضجة عبر الانترنيت في المدونات و المنتديات و المواقع الاجتماعية بين مؤيد لهذا الاستطلاع و رافض له ، و منهم من شنع على "هسبريس" فتحها لهذا الاستطلاع ما دام الأمر قد قضي بالحسم من خلال خط تفيناغ ، ما يعني أن الموضوع بات متجاوزا و غير ذي جدوى في الوقت الراهن ، خاصة مع بداية فتح الورش اللغوي بشكل شمولي كما يحيل على ذلك التصريح الحكومي . غير أن عدد المشاركين و الإقبال على الاستطلاع ، يؤكد الدكتور فؤاد بوعلي ، أثبت أن الأمر << غير محسوم بالمرة ، و أن القرارات الفوقية التي تفرض على المجتمع لا تنهي النقاش بل تبدأه >> .
و يقدم ، الدكتور بوعلي ، الباحث في اللسانيات و الرئيس الأسبق للجمعية المغربية لحماية اللغة العربية ، و الذي ينحدر من أصول أمازيغية ، مثالا بالنقاش الذي صاحب التعديل الدستوري و مآلاته ، و تبين فيما بعد أن التعديل لم ينه النقاش حول الواقع اللغوي و الهوياتي بل فتح فيه آفاقا كانت مغيبة . لذا فالأصل في الفاعل السياسي ، يضيف بوعلي في اتصال مع "هسبريس" << أن يكون عمله نتاجا للنقاش المجتمعي و ليس فرضا لرؤية معينة تتعامل مع المجتمع كمخبر تجارب و ليس ككائنات فاعلة في الموضوع >> .
و إذا تجاوزنا المقاربة التقنية للاستطلاع و مدى صدق أداته و اختيار مجتمع الدراسة و غيرها من المعايير التقنية ، يرى الباحث الأكاديمي ، أن الاستطلاع قد نجح نسبيا في تقريبنا من الصورة الحقيقية للنقاش حول الحرف بعيدا عن المزايدات الإيديولوجية و الإثنية و العقدية . و يمكن أن نستشف ذلك في الملامح التالية :
1) مازال بعض المنتمين إلى التيار الاستئصالي في الحركة الأمازيغية يراهنون على جدوى الحرف اللاتيني . و في التبريرات التي تقدم عادة أن الأمازيغية تحتاج في التعليم و النشر الورقي و الإلكتروني و التواصل و التكنولوجيا إلى الحرف الذي يضمن اندماجها السريع و الفعّال في تلك الميادين إلى الحرف اللاتيني . هذا التبرير هو البادي من الصورة ، لكن المضمر هو تغيير لوجهة الانتماء و تقديم منظومة قيمية مغايرة و ارتباطات مخالفة لواقع الأمة . لذا ، فالاستطلاع كان صريحا في توصيف حجم هؤلاء : (4.94 %) ، لأن وجودهم الحقيقي افتراضي و ليس واقعيا .
2) ذهب غالبية المشاركين (47.93 %) إلى القول بالحرف العربي كآلية بصرية في التعبير عن الأمازيغية و تقديمها للمجتمع . و هذا الرأي الذي يجد سنده في الحاجة المجتمعية للتعبير عن المشترك الجمعي بين المغاربة و القناعة بكون الدفاع عن الأمازيغية لا يتم بمفاصلتها عن واقعها الحضاري الذي يتواصل بالعربية التي مكنت المجتمع من الحفاظ على مقومات تماسكه و أمله في الانتقال إلى مجتمع المعرفة . فمن البساطة بما كان الحديث إلى الإنسان العادي في الشارع و مساءلته عن الحرف الأقرب لفهمه ليؤكد أنه الحرف العربي الذي دون به القرآن و الحديث و باقي العلوم الإسلامية ، و الحرف الذي هو أقدر على التواصل الرسمي في المخيال الجمعي ، و لذا لا يستطيع النشطاء الأمازيغ حتى الأكثر تطرفا أن يكتبوا بغيره ، وإن فعلوا فلا أحد يهتم لأمرهم . لذا فلا عجب إن كان جل المغاربة قد آمنوا به وسيلة لقراءة الأمازيغية .
3) يمكن أن يشار كذلك إلى أن عددا من المشاركين قد قالوا بتيفناغ حرفا للأمازيغية (41.33 %) . و في هذه الفئة يمكن أن نجمع صنفين : صنف يؤمن بكون اعتماد تيفناغ أهون من اعتماد الحرف اللاتيني ، و صنف آخر يرى فيه تميزا بصريا عن الحرف العربي و اللاتيني و مفاصلة عن الثقافة العربية الإسلامية . و في الحالتين فهو رأي معتبر و يمكن أخذه في كل نقاش علمي حقيقي و إن كنا نختلف معه جذريا .
و اعتبر الدكتور بوعلي أن نتائج الاستطلاع السابق في "هسبريس" حول خط كتابة الأمازيغية ، هي تعبير صادق إلى حد كبير عما يروج داخل المجتمع يجعلنا نطرح سؤال الحرف من جديد ما دام الحسم العلمي غير نهائي .
فالقول بوجود حرف أمازيغي ، يخلص الدكتور بوعلي في قراءته للاستطلاع التي خص بها "هسبريس" ، هو من قبيل الاجتهادات العلمية المحترمة لكن غير المحسومة لأنها تقوم على الفرضيات المقاربة للنقوش الصخرية في بعض المناطق بشمال إفريقيا . << فإلى اليوم لا نتوفر و لو على نص واحد ، نثريا أو شعريا كان ، أو كلمة ( اسم – فعل..) أو جملة واحدة مقروءة و ذات دلالة و حاملة لمضامين >> (محمد أقديم) . و إذا لم نرم الدخول في هذا النقاش العلمي و هو ما لم تقصده جل المشاركات المتعددة ، فإن بناء ثقافة مشتركة لن يتأتى بالمفاصلة عن واقع حضاري تراكمت فيه عناصر هوياتية متعددة ، بل البحث عن المشترك و قد يكون الحرف العربي أحد هذه المداخل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق