الثلاثاء، فبراير 07، 2012

القضية الامازيغية و إشكالية الأصل


بقلم : محمد قاسمي
( نقلا عن جريدة هسبريس بتاريخ 07 فبراير 2012 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعد الملف الأمازيغي في المغرب من أبرز الملفات الشائكة على المستوى الفكري و الخلفيات الايديولوجية التي ما فتئت تظهر رويدا رويدا و ذلك لأنه يتعلق بقضية حساسة و هي الهوية التي من أسسها الكبيرة اللغة و اللسان . و تبرز حساسيته
الكبيرة انطلاقا من التعاطي الحذر معه من طرف الدولة المغربية لأنه يطرح أسئلة محرجة للنظام المغربي خارج نطاق اللغة و اللسان الى حدود الشرعية و أسس المواطنة .
و من الموقع الطلابي يبرز هذا النقاش على ألسنة الداعين الى الاهتمام بالقضية الأمازيغية على المستوى الوطني و الاقليمي ، و قس على ذلك جميع تخصصات الحركة الثقافية بالمغرب ، لهذه الاهمية و غيرها ارتأيت التفاعل مع مقالات الصحافي جواد غسال من خلال زاوية القضية الأمازيغية و إشكالية الأصل .
فلا يشك أحد منا أن الله تعالى جعل من آياته الباهرة ، و معجزاته القاهرة : الاختلاف في الأشكال ، و الصور ، و التباين في الثقافات ، و الفكر . و ذلك تبعا للتنوع الحاصل على مستويات عديدة ، لا دخل للإنسان فيها ، مما قدره الله تعالى بإرادته التكوينية في خلقه جميعا ، و إن مما يدخل تحت هذا الأصل العظيم ، اختلاف اللغات و الألسن ، و ما يتبعه من اختلاف الطباع و السلوك ، يقول الله تعالى : " وَ مِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ " (الروم 2) . فالسموات و الأرض مخلوقات الله تعالى ، إذ لا دخل للإنسان فيها إلا من حيث الانتفاع : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ " (البقرة 168) ، أو الإفساد : " ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " (الروم41 ) . و بما أن الهوية الإنسانية قائمة أساسا على اللسان ، و اللغة ، فيجدر بالمثقف المسلم أن يتنور فكره بالأصول العامة المؤطرة لهذه القضية الشائكة ، ليخرج في آخر البحث برأي سديد قائم على الأدلة الصحيحة مأثورة كانت ، أو نظرية ، و خاصة ما يعرفه الرأي العام المغربي من نقاش كبير على مستوى الحركات الاحتجاجية و بالضبط الحركة الثقافية الامازيغية ، بشتى تخصصاتها : الطلابية ، و المدنية ، و كذا أنواعها الممانعة ، والمحاورة .
و لعل ما يبرز خطورة هذا الموضوع :
أولا : ذلك الخلط المقصود في الغالب بين الهوية اللغوية ، و الأنساق الفكرية المستوردة ، مثل العلمانية المحلية التي يدافع عنها أربابها من الامازيغ باستماتة و شدة ، ليًّا لأعناق بعض الأدلة من حيث فهمها على وزان مغاير للواقع و الحقيقة .
فالدارس إذن لهذه القضية يتوجب عليه ابتداء الانسلاخ من التحيز الأيديولوجي المسبق ، و التحلي بالموضوعية ، و العلمية المقتضية لإعمال الأدلة الصحيحة و السديدة في مواطنها الاستدلالية ، و سياقاتها المناسبة ، لتتضح الصورة الطبيعية انطلاقا من جذورها المتمثلة في : مدى حقيقة أصول الامازيغ ؟
أصول الأمازيغ : كثيرة هي الدعوات المنادية بقطعية موطن الامازيغ ، المتمركز حول بلاد المغرب ، و ما جاوره من افريقية ( تونس ) ، و ليبيا و الجزائر و المغرب ، و غيرها . إلا أن ما يطبعها في الغالب ، هو الانحياز الأيديولوجي و السياسوي للأنساق المؤيدة لنظام العلمنة الشامل ، و ما يحوم حوله من أفكار تمس هوية المسلم الامازيغي العادي .
الصفة الثانية لهذه الدعوات : هو إغلاقها الأبواب أمام كل الآراء المخالفة التي تستند بدورها على أدلة تاريخية و نقول أدبية ، و أحوال سوسيو اقتصادية في بلدان مختلفة .
و لا يسعني في هذا المبحث العويص إلا أن أحاول الالتزام بنقيض ما انتقدته بوضوح و تجرد : إن ما يقتضيه النظر في الآثار و النقول المرتبطة بأصول الامازيغ ، يوحي في بادئ الرأي أنها غير مستقرة على قول واحد ، و رأي وحيد ، فضلا عن قلة المصادر العلمية في الموضوع .
فلقد جمع محمد خير فارس آراء السوسيولوجيين بشتى تلاوينهم في أصل الشعب الامازيغي . فانتهى إلى أن فريقا من الباحثين عزاهم إلى البحر الأبيض المتوسط ، و آخرون قالوا : هم من أصول مشرقية ، و دارسون اعتبروهم من أصول ألبية . و قد ذكر دبوا نموذجا رابعا من الامازيغ ، هو النموذج الأبيض و الأشقر .
كما ذهب العلامة المغربي عبد الرحمن بن خلدون إلى تأييد الرأي الثاني القائل بأن أصولهم مشرقية بحيث رأى بأنهم كنعانيون أحفاد مازيغ بن كنعان ، أي إن أصلهم عرب من بني كنعان . و هذا الذي ذهب إليه ابن خلدون يؤيده القائلون بأن الامازيغية تطور لساني للعربية ، و تراجع لها على المستوى الصوتي و الصرفي و كذا المعجمي .
و مما تجدر الإشارة إليه أن العلامة ابن خلدون استند في تقريره إلى النقل الصحيح لما ورد على ألسنة النسابين ، و هو ما رجحه القديس الجزائري أوغسطين و إن اختلف النسق الفكري و المعين التربوي للرجلين ، مما يدل دلالة عميقة على التقارب الموضوعي و العلمي .
و إلى نفس الاتجاه نحا الباحث الفلسطيني الدكتور عز الدين المناصرة فيك كتابه " المسألة الامازيغية في الجزائر و المغرب" ، و تابعه في هذا الرأي الدكتور محمد هبو في كتابه "الأبجدية" ، فقد قال بأن الامازيغية بحرفها تيفيناغ تعود إلى الكنعانية الفينيقية ، و لا علاقة لها باللاتينية أبدا .
غير أن هناك رأيا مخالفا ذهب إليه الباحث عثمان الكعاك يقضي بأن أصلهم أوربي استنادا على معطيات خلقية : من لون الشعر ، و بعض الآثار الاركيولوجية ، و النقوش الفنية القديمة ، مما يظن أنها للامازيغ . غير أنني ألاحظ على هذا الرأي استدلاله بالشعب الأوربي ، وهو مختلف فيه أصلا، إذ كيف يستدل على أمر قطعي عندهم بدليل ظني مختلف فيه ، و كيف نحسم المختلف فيه بمضطرب فيه أيضا .
أما الرأي الثالث : و هو المدعوم بقرائن تاريخية مثل الرأي الأول و الثاني، و هو المعتمد في الخطاب الرسمي بحيث يقطع بمغربية أصل الامازيغ و أمازيغية الشعب المغربي ، أبا عن جد ، و هو ما يجنح إليه الباحث الامازيغي محمد شفيق في كتابه "لمحة عن 33 قرنا من تاريخ الامازيغيين" ، غير أن مايطبع هذا الطرح : اتجاهه إلى تسييس القضية أكثر من تأريخها و تحقيقها .
ومن الأمانة العلمية فإن هناك رأيا جامعا لقولين من أقوال الدارسين : فقد ذهب ليون الإفريقي في كتابه "وصف أفريقيا" و الدكتور عثمان الكعاك في كتابه "البربر" إلى أن أصلهم مشترك بين السلالة السامية، و السلالة الهندوأوربية ، والتقت السلالتان في المغرب لظروف بيئية و أمنية و اجتماعية ، مما يفسر لنا اختلاف ألوانهم ، و لهجاتهم و شكل عيونهم على حد ترجيح الباحث جميل الحمداوي .
قلت : إن اختلاف الأقوال و الآراء في هذه المسألة التاريخية بين مرجح و متوقف ، يدل على أن المسألة فيها نظر من نواحي عديدة ، خاصة ما يرتبط بطرق الترجيح بين الآراء ، كما يدل على ظنية ما ذهبت إليه الحركة الثقافية الأمازيغية على تنوع تخصصاتها و ميادين اشتغالها ، خاصة القطاع الطلابي الأمازيغي العلماني ، و هذا يدفعنا حقيقة إلى فتح نقاش جدي و بناء حول هذه المسألة بالذات ، بعيدا عن القصور الفكري و التقوقع الحزبي ، و الجدال الفصائلي ، عسى أن نبني منظومة معرفية و تاريخية أمازيغية .
إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت و ما توفيقي إلا بالله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق