الاثنين، فبراير 13، 2012

الأمازيغية ... هكذا جنى عليها أبناؤها

جواد غسال
بقلم : جواد غسّال
(نقلا عن جريدة هسبريس بتاريخ 13 فبراير 2012)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عادة ما نتحدث عن الهدوء في النقاش ، و خضوعه للعمق الفكري و الطرح العلمي ، كلما ابتعدنا عن ذروة الصراع و لحظة القوة في التدافع ، و عادة ما يندفع إلى الواجهة متخصصون في التحليل ، و أصحاب التريث في الدرس و استخراج نتائج التدافع الآنف الوقوع ، لتعيد الأمور إلى نصابها و تحدد المسار الصائب و الطرح
القوي من الضعيف ، لكننا وحدنا فقط نعيد الوقائع ذاتها ، و نجبر التاريخ على تكرار نفسه ، كما يقع اليوم مع النقاش المتجدد للحرف الأجدر لتكتب به اللغة الأمازيغية .
تمة خيط رفيع بين صراع اليوم و صراع الأمس ، فوحدها الأقلام التي تجتر النقاش اليوم تعلم خلفيات ما وقع قبل عشر سنوات ، و كيف تحول من أصله في علم اللسانيات و فقه اللغة إلى صراع إديولوجي ، تطاحنت بسببه التيارات السياسية ، و حولت جمعيات مدنية بوصلتها نحو ساحة معركة واحدة تروم إقرار مخططها و أهدافها في أي الحروف ستكتب به لغة "الرجال الأحرار" .
أولا ــ لقد انتقد أحمد عصيد ما اعتبره توظيفا لفكر و تصور المختار السوسي في معركة الحرف الذي يجدر أن تكتب به الأمازيغية ، و قدم "تبريرات" تفصل بين فكر المختار السوسي " الفقيه السلفي" و الحركة الأمازيغية ، معتبرا أن الحرف الذي كتب به السوسي فكره لم يكن له بديل حينذاك ، و ينسى عصيد أو يتناسى أنه كان مؤسسا و رئيسا لتحرير أول مجلة ثقافية تصدر موادها الأمازيغية بالحرف العربي و كان ذلك سنة 1995 (أي قبيل معركة الحرف بسنوات قليلة) و هي مجلة "تاوسنا"، و التي أدارها محمد مستاوي .
فإذا كان عصيد اعتبر أن السوسي كتب بالأمازيغية في عصر لم يكن فيه غير الحرف العربي ، و توفي أربع سنوات قبيل بروز أولى ملامح الحركات الأمازيغية ، فما الذي سيقوله عن المجلة التي كان رئيسا لتحريرها و كتبت بنفس الحرف ، الذي لا يؤمن بأهليته لكتابة الامازيغية ، بعد ظهور الحركات الأمازيغية بعقود ؟
ثانيا ــ و هل ينسى عصيد تقلُّبه في مسألة الحرف في محاضرة رد فيها على عبد الكريم غلاب حول الفرنكفونية و نقلها الدكتور سعد الدين العثماني في مقال له نشر بمجلة " الفرقان" ، و صرح عصيد حينها بالقول "... ينبغي أولا أن نعلم بأن النقاش الدائر حول الحرف هو نقاش ‏محض أيديولوجي و ليس نقاشا تقنيا بين مختصين في علوم اللغة . إن الذي يختار الحرف اللاتيني ‏لكتابة الأمازيغية داخل المغرب إنما يفعل ذلك ضدا على برنامج التعريب الذي يروم السيادة ‏المطلقة للعربية ، و هو بذلك يفصل الأمازيغية عن المجال الثقافي العربي ـ الإسلامي و يدرجها ‏في مجال أجنبي ، أما الذي يختار الحرف العربي لكتابة الأمازيغية فهو الذي لا يخلط بين العربية ‏و سياسة التعريب ، و يعطي الأولوية للإطار الوطني الذي يجمع العربية و الأمازيغية في نسيج ‏ثقافي مشترك ، و يرفض الانتقام من العربية ردا على سياسة تهميش الأمازيغية ، و أما الذي يختار ‏الحرف العريق "تيفيناغ" فهو يهدف إلى إثبات الاستقلال التام للأمازيغية كنسق لساني عن ‏العربية و عن اللغة الأجنبية و ينطلق من مبدإ "مثلما لكل لغة حرفها ، فإن للأمازيغية أيضا حرفها ‏الخاص" .
و ينسى عصيد أو يتناسى أنه كان من دعاة كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني إلى حدود تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ، لينتقل إلى الدعوة إلى كتابتها بحرف "تيفناغ" ضدا على العربية و الحرف العربي وانتقاما من "سياسية التعريب" .
ثالثا ــ إن ظروف إعادة طرح قضية الحرف الأمازيغي ، يجب أن لا يكون من أجل إعادة إنتاج ذات الجدل ، و معاودة نفس النقاش العمومي ، و بالتالي نفس المآلات لملف لا يهم فئة واحدة من المجتمع ، أو "النخبة الأمازيغية" لوحدها ، بل يهم المغاربة بدون استثناء ، باعتبارها إحدى المكونات الأساسية لهويتهم و تاريخهم و حضارتهم .
و يمكن البحث في تفاصيل الملف (الحرف) بطرح الأسئلة نفسها التي طرحها المدافعون عن الحرفين "اللاتيني" و"تيفناغ" ، بناء على الحقائق التالية :
1 ــ العودة إلى تفاصيل النقاش يؤكد أن المدافعين عن حرف "تيفناغ" لا يتجاوز عناصر قليلة من "النخبة الأمازيغية" إضافة إلى الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي ، بينما كان أغلب الحركات الأمازيغية تدافع عن الحرف اللاتيني ، باعتباره حرفا كونيا "سيحقق التطور الاقتصادي و الثقافي و الفكري ..."
2 ــ اللجوء إلى تبريرات غير مقنعة على المستوى الفونولوجي و المرفولجي للغة الأمازيغية ، لتبرير "عدم أهلية الحرف العربي لكتابة الأمازيغية" .

إن كتابة الأمازيغية بحرف "تيفناغ" يعد حجر عثرة في وجه انتشارها بشكل واسع ، و في نفوذها إلى أوساط المتحدثين بالدارجة المغربية لوحدها ، و حدٌّ من التفاعل الذي تمكنت من رص مساره طيلة قرون من الزمن مع اللغة العربية ... انتهت اليوم على أيدي المنافحين "فجأة" عن الحرف الجديد ، بسياقة مبررات تجمع "المرفولوجي" و"الأركيولوجي" ، والحال أنها كلها لم تخضع لدراسة معمقة .
لقد حسمنا مسألة علمية صرفة ، بجدل سياسي معقد ، وأنهينا ، أو بالأحرى ، أكرهنا الأمازيغية للخضوع لنزواتنا الإديلوجية ، و تدفع ثمن عقوقنا... ظننا أننا نخدم الأمازيغية و نعمل على إعلاء كلمتها ، و الحال أننا نرمي باللغة في مستنقع الجمود .
3 ــ الحسم بالتصويت في البرلمان ، يعد ضربا من الجنون ، ذلك أن مسألة الحرف علمية و ليست مسألة سياسية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق