السبت، فبراير 11، 2012

"الأمازيغاوية" العَاقَّةُ : شذرات من وحي واقع السقوط

بعض أفراد الوفد الأمازيغي الذي زار إسرائيل سنة 2008
بقلم : صالح آيت خزانة
( نقلا عن جريدة هسبريس بتاريخ 11 فبراير 2012 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليس دافعي من إثارة هذا الموضوع في هذه الفترة الانتقالية الحساسة التي يمر منها المغرب السياسي ، و التي تفرض علينا أن نجر القلم ، و نسيل المداد ، قراءة و تحليلا للوضع السياسي الراهن و استشرافا للقادم من الأيام ، و نحن على عتبة تعيين الحكومة الجديدة ، و المصادقة على برنامجها المقترح ؛ إلا أن ما أقرأ بين
الفينة والأخرى في هذا الموقع ، و غيره من المواقع ، من خربشات يخطها بعض أدعياء الغيرة على الثقافة الأمازيغية ، من دعاة التجرد من الدين ، باسم الحداثة و العلمانية المتطرفة التي تبغي سلخ المغاربة من هويتهم ، و نشر ثقافة الانحلال و التجرد من كل قيد باسم "الحرية الفردية" ، التي لا يفهم منها أدعياء هذه الثقافة ، من المتطفلين على العلم و المعرفة ، سوى الانسلاخ التام و الكلي عن كل ما يمت للأخلاق و الدين بصلة .
إنهم منشغلون في هذه الأيام بمهاجمة كل ما تطبَّع عليه المغاربة : عربا و أمازيغا من أخلاق العفة ، و المروءة ، و الحياء ..، التي توارثوها أبًا عن جدّ ، منذ العصر الإسلامي الأول ، لا لشيء - زعموا !! - سوى لأنها ، أخلاق بالية ، ماضوية تخالف "الحداثة " و التحديث ، و تهدد "المجتمع الحداثي الديموقراطي" ( ! ) بالعقد النفسية ، و الكبت الجنسي ، و تكبل الرغبات الحيوانية التي تضغط على المشاعر المكبوتة و لا تجد لها مصاريف "طبيعية" تعبر من خلالها على رغبتها الجموح في توزيع تعبيراتها الساقطة في دنيا الناس ، و في واضحة النهار ، دون أن تجد لها رافضين أو صادّين ، و هو الوضع النفسي – حسب زعمهم ــ الذي يورِّث أمراض الكبت ، و الانطوائية ، و "الفوبيا" الاجتماعية !
لقد اختار هؤلاء منذ البداية أن يصطفوا مع الشيطان ، ويرتموا في أحضان العدو الصهيوني الغاصب ، و يردوا كل ما عليه الناس من مبادئ و أفكار . فأبوا إلا أن يكون صوتهم نشازا وسط الجمهور ، و ادعوا أن عندهم الحل السياسي و "الديموقراطي" لمشكل "الحكرة " و التمييز و الإقصاء الذي يعيشه الأمازيغ المغاربة ؛ ألا و هو التخلص من الإسلام ، و العربية ، و الرجوع – في كل شيء – إلى العصور الغابرة التي عاشها الشعب الأمازيغي في مغرب ما قبل الإسلام ( بلاد تامزغا ) ، و الأخذ منها مناهج الحياة ، و خطط التنظيم ، و أدوات التسيير ، و لغة التواصل ، و قوانين الحكم ، و طريقة ممارسة الطقوس التعبدية ...
دعوة أصيلة :
لقد قامت دعوة التيار الأمازيغي الحر ، في البداية ، على العمل لتشكيل رأي عام وطني يتعاطف مع قضيته الوطنية التي يختصرها في "الحكرة" التي لحقته من بني "عريبان" من الأنظمة العربية القومجية التي توالى حكمها على المغرب الكبير ؛ بتحييده ، و الاستيلاء على أرضه ، و عدم الاعتراف بموروثه الثقافي ، و لسانه الأصيل . فأسس من أجل ذلك جمعيات و هيئات ، بدأت ثقافية تلقى التأييد من كل النخب العالمة : العلمانية و اليسارية و الإسلامية ؛ بل و تزاحمت جل الأحزاب الوطنية و الإسلامية على تبني القضية الأمازيغية في شقها الثقافي على وجه الخصوص ، و ناصرت دعاتها الأصلاء ، كما ناصرت حقهم الطبيعي في أن تكون لهم لغتهم الخاصة ، و كتابتهم الخاصة ، و مدارسهم الخاصة ، و محاكمهم الخاصة ، و إعلامهم الخاص ؛ فكانت مطالبهم مطالب مشروعة مكنتهم الدولة المغربية من أهمها حينما " قررت " دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية . و ما زالت نخبهم العاقلة تناضل من أجل الاعتراف التام بهذا المكون كمكون رئيس في البنية الثقافية و الحضارية للأمة المغربية .
انحراف و عقوق :
هكذا بدأت الحكاية ، قبل أن يعِقَّ فصيل "الأمازيغاويون المتصهينون " (1) مسيرة التيار الأصيل من الأمازيغ الشرفاء ، و ينفرد بأدلجة القضية و تسييسها حينما تقدم كبيرهم (2) بطلب الترخيص لحزب سحب عليه اسم "الديموقراطي" ، و هو الذي لا يعلم للديموقراطية أصلا ، و لا يربطه بها فصل ؛ ما دامت الديموقراطية أكبر من الأعراق و الأنساب و الملل و النحل ، و مادامت "الديموقراطية" هي الاعتراف بالمخالف ، و قبول التعايش معه مهما اختلفت الآراء ، و تباينت المواقف . و سجل خرجات إعلامية صادمة للأمازيغ قبل سواهم ، حين صرح في الإعلام - منذ سنوات - بأن الإسلام مهدد بالخروج من المغرب لأنه دين عنصري ..؛ و ناصر ، على الملأ ، العدو الصهيوني ، لأنه و إياهم يلتقون في محاربة العرب و الإسلام ..؛ و أسس ، في أوج الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني ، و التعاطف العالمي مع هذا الشعب ، و في سابقة للتطبيع : "جمعية سوس للصداقة المغربية الإسرائيلية" ؛ و جعل من أهدافها : << توثيق الصلات التاريخية بين الأمازيغ و اليهود الإسرائيليين الذين استوطنوا المناطق الأمازيغية بالمغرب و هاجروا إلى إسرائيل (...) . و ترمي سياسيا لحماية الحقوق الأساسية للشعبين الأمازيغي و اليهودي ، و مكافحة اللاسامية و العنصرية ، و الاعتراف الدستوري و الرسمي باللغتين الأمازيغية و العبرية بالشمال الأفريقي و بالعالم كله . و تسعى أيضا لمكافحة ما تسميه "التشدد" بكل أشكاله و استغلال الدين لأغراض شخصية و سياسية . أما اقتصاديا و اجتماعيا فتعتزم الجمعية ربط صلات لتحقيق مشاريع تنموية و صحية و فلاحية و صناعية بين المغرب و إسرائيل >> (نقلا عن الجزيرة نت) . لكنه في المقابل لم يستطع مؤسسوها الكشف عن أعضائها ، لأنهم يعلمون أنهم سيلاقون الإعراض و الهجوم من كل المغاربة ، عربا و أمازيغ . لأن تأسيس هذه الجمعية كما يقول عبد الله أوباري الناشط الأمازيغي بجمعية سوس العالمة بمدينة أكادير للجزيرة نت : << جاء بدعوة الولايات المتحدة الأميركية الدول الإسلامية للتطبيع مع إسرائيل و حثها المغرب على قيادة هذه الحركة التطبيعية الجديدة . فكلما جاءت دعوة للتطبيع إلا و نشط عقبها هؤلاء الأمازيغيون . فالجمعية لن تجد أي ترحيب بين المغاربة سواء كانوا أمازيغيين أو عربا >> ( نقلا عن ذات المصدر) .
و لقد تطوع بعضهم لزيارة إسرائيل في استفزاز غير مسبوق لملايين الأمازيغ المغاربة الذين خرجوا عن بكرة أبيهم في المسيرات المساندة للشعب الفلسطيني المحاصر ، الذي قال عنه كبيرهم : " نحن لا يهمنا هذا الشعب " ! ، و صرح بعضهم الآخر بأنه مستعد للتحالف مع الشيطان و ليس مع إسرائيل لطرد "العروبية " و الإسلام من المغرب ، و إقامة دولة "الكاهنة داهية" ، و إحياء الطقوس المجوسية !! و دعا آخر إلى الصلاة بالأمازيغية بدل العربية ، لأن الصلاة ـ حسب زعمه - روح و ليست شكلا و ترانيم ، كما يروج فقهاء الظلام !! ، و هو المعروف بحقده الدفين على كل ما يمت للعربية و العرب بصلة ؛ المغرب العربي ، الربيع العربي ، الرسول العربي ...
الأمازيغ الاحرار و "العروبية " الأنصار ...:
إن الغالبية العظمى من الأمازيغ يرفضون هذا التيار ، و يتبرؤون منه ، و يعتبرون عناصره مارقين ، و عاقين . و الأمازيغيون الأصلاء حينما يدافعون عن اللغة العربية ليس لسواد عيون "العروبية " كما يعتقد هؤلاء ، ففي "العروبية" من المثالب و الهمجية و قلة حياء ما سارت بذكره الركبان ، و لكنهم إنما يدافعون عن هذه اللغة ، لأنها لغة كتاب ربهم ، و لغة حبيبهم المصطفى – صلى الله عليه و سلم - . و منذ فتحت عيني أواخر سبعينيات القرن الماضي على مساجد المحمدية و الدارالبيضاء ، و الدعاة الخطباء الأمازيغ هم الأكثر شعبية وسط الشباب ؛ بل كانت مساجدهم تسجل أرقاما قياسية في نسبة الحضور . و أغلب هؤلاء لا يتكلمون إلا اللغة العربية الفصيحة و الأمازيغية . فقد أتنقل و أنا ابن العاشرة من العمر إلى مدينة الدارالبيضاء من مدينة المحمدية لحضور صلاة الجمعة خلف الشيخ زحل في مسجد الشهداء ، أو القاضي برهون في مسجد الكدية بالحي المحمدي ، و غيرهم من العلماء الأمازيغ ، فما وجدتهم إلا مدافعين عن الإسلام ، منافحين دون لغة كتاب ربهم ؛ كما لم يجدوا - في المقابل - من "العروبية" إلا المحبة و النصرة و التأييد ...
لقد ولدت و ترعرعت ـ أنا الأمازيغي أبا عن جد - وسط "العروبية" ، فما شعرت يوما أني غريب عنهم ، أو أنهم يعُدّونني كذلك . و صاهرتهم ، فما وضعوا أمازيغيتي قط موضع مساءلة . و انتقلت بعد ذلك لظروف العمل إلى سوس – موطن أصلي و أصل جدودي – لأقضي فيه أزيد من تسعة عشر عاما ، فما شعرت بالعنصرية إلا من هذا الفصيل الذي كان بعض عناصره الذين احتككت بهم ، يعدونني "عروبيا" قحا !..
أما والدتي - رحمها الله - فلم تكن تنطق من اللهجات سوى الأمازيغية (الشلحة) رغم عيشها أزيد من نصف قرن وسط "العروبية" ، و مع ذلك فلها صديقات من "العروبيات" ، و لم تكن تجد أي حرج وسطهن ، رغم أن نصف كلامها بالشلحة ، و النصف الآخر بـ"العروبية المشلَّحة" إن صح التعبير . فإذا كان بعض "العروبية " في حالات نادرة و شاذة جدا يسخرون من الناطقين بالأمازيغية ؛ فإنه لم يحدث قط و أبدا أن تشكل تيار "عروبي" عنصري ضد الناطقين بالأمازيغية ، كما فعل هذا الفصيل !!...
إننا - أخيرا- نأمل من الأمازيغ الأصلاء أن يسجلوا موقفا مسؤولا و واضحا من هذا التململ المريب الذي يتحركه هؤلاء و تنسحب تبعاته الخطيرة على التيار الواسع و الممتد للأمازيغ الأحرار عبر التاريخ و الجغرافية المغربية التي تشهد بأصالة الأمازيغ ، و وطنيتهم ، و حبهم للإسلام ، و نبي الإسلام ، و صحابته الأفاضل ـ رضوان الله عنهم أجمعين - . كما نأمل من الحركة الأمازيغية الوطنية المناضلة الصادقة أن تتخذ موقفا واضحا و صريحا من هذا الفصيل الأمازيغوي " المُرَسْأل" ، و صنوه العلماني الحداثي اللاديني المتطرف و تكشف عن أجنداته الخفية ، و تعلن بكل وضوح أن مشكلتنا – نحن الأمازيغيين الأحرار – ليست مع العربية و لا الإسلام و لا العرب ، و لكن مشكلتنا الحقيقية هي التي نعانيها مع "الحكرة" و الاقصاء و الفساد و الاستبداد .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ــ معذرة للأستاذ محمد يتيم الذي استعرنا منه هذه العبارة من مقاله الذي عنونه بـ :" الأمازيغ الأحرار و الأمازيغاوية المتصهينة" . و مما جاء في هذا المقال أن : " المشاركين باسم الحزب الأمازيغي حاولوا دغدغة عواطف بعض الأوروبيين و ربط "التمييز الذي يعيشونه " بالتمييز" الذي عاشه اليهود المغاربة " و الحال أن اليهود لم يعيشوا في تاريخهم أوضاعا أحسن من تلك التي عاشوها في ظل الحضارة الإسلامية ". و اعتبر الكاتب : " أنه من الطبيعي أن يلتقي هؤلاء الأمازيغيون – و هم يلتقون في الجوهر مع الرؤية الصهيونية الشوفينية التي تتحدث هي الأخرى عن هوية عرقية خالصة " .
(2) ــ ذكر موقع الإصلاح المغربي بتاريخ 03/01/2008 أنه باسم الحزب الأمازيغي أصر "الذغرني" على حضور الندوة العالمية التي عقدت بتل أبيب أيام  17و18و19 ديسمبر تحت شعار " مناهضة عدم التسامح و الميز العنصري و إنعاش الاحترام المتبادل و التعاون بين الشعوب " فبعد "جمعية سوس للصداقة المغربية الإسرائيلية" ها هو الحزب الأمازيغي يُطبع علانية مع إسرائيل . و لا يخفى على أحد أن عدة فعاليات أمازيغية قد فوجئت بتأسيس حزب ناطق باسمها لا يضم إلا بضعة أشخاص .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق