الاثنين، يونيو 25، 2012

وهم الحرب اللغوية ...


بقلم : الدكتور فؤاد بوعلي
(نقلا عن جريدة التجديد بتاريخ 18 يونيو 2012)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هل يعيش المغرب حربا لغوية ؟ و هل النقاش اللغوي الذي تضج به المنتديات الفكرية و الإعلامية و السياسية مقدمة طبيعية لحرب قادمة ؟
تتأسس العلاقة بين اللغات في السوسيولوجيا اللسانية على منطق الصراع و التجاذب الذي يؤدي إلى إنهاء وجود لغة لصالح أخرى أكثر قوة و تمكنا. إذ يذهب
جون كالفي في كتابه «حرب اللغات» في مراجعته لتعريف فرغوسون للازدواجية اللسانية المؤسسة على مقاييس الانتماء الجينيتيكي للغتين و التوزيع التكاملي لوظائفهما ، إلى الكشف عن الأسباب التي تجعل لغة ما تكتسب وضعية معينة ، و التي يوجزها في السلطة و النفوذ اللذين ينتج عنهما تداخل ازدواجي لمجموعة من اللغات التي تغدو في صراع التنافس و الهيمنة . و في منطق الصراع يكون القضاء على إحدى اللغات هو المحرك الأساس مع ما يتضمنه ذلك من تغليب هوياتي و قضاء على منظومات قيمية معينة . و الحالات التي حددتها الدراسات اللسانية لا تخرج عن ثلاث : بين لغتين إحداهما أجنبية سواء كانتا من فصيلة واحدة أم من فصيلتين مثل انهزام لغة البلغاريين أمام لغة شعوب الصقالبة ، و الصراع بين عاميات لغة واحدة مثل غلبة لغة قريش على باقي اللهجات ، و بين لغة و عامياتها كما حدث للغات الأوربية انتهى بالقضاء على وجود اللاتينية لصالح اللهجات . و قد حددت الدراسات أهم أسباب الحرب اللغوية في : عوامل خارجيّة متمثلة في القوة الدينية و العسكرية و الاقتصادية و العلمية و السياسية ، و عوامل داخلية تتجلى في التعليم و سوق الشغل و الإعلام . و يفيدنا هذا العرض الموجز للقضية من وجهة علمية لسانية مجهرا لمقاربة حقيقة الواقع اللغوي بالمغرب .
اعتادت العديد من الكتابات تصوير الواقع اللغوي بالمغرب على شكل كاريكاتوري موسوم بحرب بين لغتين : واحدة توسم بالسلطة و الهيمنة و السيادة هي العربية و أخرى مهمشة و محتقرة و مسودة تتمثل في الأمازيغية . و من خلال تسويق هذه الصورة المأزومة دافعت عن أطروحة الحرب اللغوية و الهوياتية في المنتديات الدولية و اختار بعض أعلامها انتماءات بديلة بل و التحالف أحيانا مع خصوم الأمة . لكن الذي يغيب في هذا الطرح هو المقاربة العلمية المستندة إلى :
ــ أن منطق الحرب اللغوية لم يكن في يوم من الأيام نقاشا مغربيا بل هو استيراد لنماذج مخالفة للحالة الاجتماعية المغربية بناء على منطق حقوق الأقليات . و في التحليل السوسيولساني لن نجد أيا من الحالات المتداولة عند اللغويين يمكنها أن تنطبق على المجتمع المغربي بمكوناته المتعددة .
ــ عرف المغرب منذ دخول العربية أرضه حالة من الانصهار الاجتماعي الذي يصعب على الناس تحديد انتمائهم الإثني ، و هو ما يزعج أصحاب الخطاب التجزيئي الذين ينافحون بمنطق الأقليات عن قضايا صراعية .
ـــ النقاش الذي عرفه البرلمان مؤخرا و الذي استغلته بعض الأصوات الإعلامية لإحراج حكومة السيد بنكيران ثبت أنه نقاش متعجل و بعيد عن المقاربة الشمولية للمسألة اللغوية التي اعتمدها الدستور المغربي و أثبتها التصريح الحكومي و التي تقوم على استحداث مؤسسات غير قاصرة على التناول القطاعي بل على رؤية شاملة لكل اللغات .
ــ إن الحرب اللغوية التي يعيشها المغاربة بمختلف أطيافهم هو ضد اللغات الأجنبية المهيمنة على المشهد الثقافي و الفكري و الاقتصادي و التي تعمل للقضاء على الهوية الوطنية المتعددة و على اللغات الوطنية . لذا فالصراع الحقيقي ينبغي أن يكون موجها نحو الآخر و من يمثله و يدافع عنه بلافتات مغلوطة تعمل على إلهاء الناس بحرب موهومة .
ــ إن الحاجة الحضارية للأمة و آثار الربيع العربي تفترض أن يكون خيارنا الهوياتي و اللغوي موجها نحو التفكير في إعادة صياغة المشروع الوطني بدل استنساخ النماذج الغيرية و البحث عن تمويلها المعرفي و المادي . لذا فالنقاش اللغوي ينبغي ألا يظل نخبويا و صراعيا بل ينبغي نقله إلى أن يكون حالة مجتمعية يكون الشعب هو الفيصل في الاختيار .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق