الأربعاء، أكتوبر 17، 2012

الأمازيغ إذ يتصدون للاختراق الصهيوني

عبد الإله المنصوري
(نقلا عن الجزيرة نت الاثنين 03 شتنبر 2012)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في خضم انشغال الشعوب العربية بمعاركها من أجل التغيير و الكرامة و مواجهة الفساد و الاستبداد و التبعية ، يواصل الصهاينة العمل على اختراق ، ما يعتقدون أنه مناطق هشة قابلة للاختراق ، لإيجاد مواقع لهم في العالم العربي . و في هذا السياق يصِلون الليل بالنهار لضمان مكان لهم بالمغرب عبر اعتماد استراتيجية ناعمة تتجاوز منطق تطبيع العلاقات بشكل علني على الصعيد الرسمي ، الذي انتهى تحت
ضغط الاحتجاج الكبير الذي شهده الشارع العربي و المغربي إثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية . حيث تم إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي بالمغرب و نظيره المغربي في تل أبيب يوم 23 أكتوبر 2000 ، بعد العريضة الشهيرة للجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني التي وقعتها قيادات الأحزاب السياسية و النقابات و الجمعيات على إثر مسيرة مليونية يوم 8 أكتوبر 2000 حملت شعار "كلنا فلسطينيون" ، طالبت من خلالها بإغلاق مكتب الاتصال الصهيوني . و إذا كان هذا الأخير قد أغلق بعد معركة استمرت لسنوات فإن الاتصال بقي قائما حيث عمد الكيان الإسرائيلي إلى تغيير استراتيجيته السابقة القائمة على تحقيق تطبيع اقتصادي يشمل مجالات الصناعة و الفلاحة و التبادل التجاري ليستبدله باختراق ثقافي ، يمكن أن يشكل في اعتقاده أساسا لبناء علاقات على المدى المتوسط و البعيد يمكن البناء عليها في مستقبل الأيام .
استراتيجية الاختراق :
في هذا السياق أصبحت دوائر القرار الإسرائيلي تنطلق في استراتيجيتها للاختراق مما تنتجه أدبيات عدد من مراكز الأبحاث و التفكير من رؤى و تصورات . و فيما يتعلق بهذا الموضوع تأتي مساهمة "مركز موشي ديان لأبحاث الشرق الأوسط و إفريقيا" التابع لجامعة تل أبيب في المقدمة ، و هو المعهد الذي اشتهر بعملية سرقة أرشيف مركز الأبحاث الفلسطيني بعد اقتحام جيش الاحتلال الإسرائيلي لبيروت سنة 1982 ، و قد تأسس بقرار من الرئيس المؤسس لجهاز الموساد "رؤوفين شيلواح" سنة 1959 ، حيث يضع هذا المركز منطقة المغرب العربي الكبير ضمن أولوياته في المرحلة الحالية و المستقبلية ، بعد أن اشتغل فترة طويلة في السابق على ملفين شكلا بامتياز مصدر هشاشة للأمن العربي في مناطق استراتيجية ، و ذلك في إقليم كردستان شمال العراق و جنوب السودان الذي انتهى دولة مستقلة انفصلت عن السودان .
و قد أصبح لهذا المركز ، بفعل إمكانياته المالية و ما يصدره من أبحاث و دراسات ، تأثير كبير على صانع القرار في الكيان الصهيوني ، حيث يتم اعتماد دراساته من طرف : رئيس الحكومة ، و وزارة الحرب (المكتب الخاص) ، و وزارة الخارجية (المكتب الخاص) ، و أجهزة الاستخبارات الثلاث (الموساد ، و شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، و جهاز الأمن العام "الشاباك") ثم البرلمان (الكنيست) . و بعد تحقيق دراساته و أبحاثه حول العراق و السودان لنجاحات كبيرة بدأ اهتمامه يتجه منذ سنة 2005 نحو أقطار المغرب الكبير بإيعاز من عدة هيئات استخباراتية و سياسية إسرائيلية ، كما أكد ذلك رئيس قسم شمال إفريقيا السابق في المركز العقيد "جدعون جرا" (نائب سابق لرئيس المخابرات الحربية الإسرائيلية ، و حاصل على دكتوراه حول ليبيا) . و ذلك عبر سلسلة من الندوات و الأوراش تم تنظيمها تحت إشراف المركز يستضيف فيها مشاركين أمازيغ من المغرب و الجزائر، اهتمت بما أسماه "المشكلة الأمازيغية في المغرب والجزائر في أبعادها و تطوراتها المختلفة"، إضافة لموضوع "العلاقات التاريخية بين اليهود و الأمازيغ في منطقة شمال إفريقيا" . معتمدا مجموعة من الأدوات في بناء وقائع على الأرض انطلاقا من توصيات يتم الاشتغال عليها بكثافة أهمها تأسيس لجان صداقة أمازيغية إسرائيلية في كل من المغرب و الكيان الإسرائيلي ، و تسويق منشورات وكتب تحرض على الانفصال وتدعو إلى توظيف المشاكل الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية الموجودة لخلق كيانات انفصالية بالمنطقة تماما مثلما وقع بشمال العراق و جنوب السودان .
و قد أفرز هذا الاهتمام بعد مرور خمس سنوات مشروعا ضخما لهذا المركز ، يقضي بتخصيص جانب مهم من بؤرة انشغاله لما أسماه "التنوع الإثني بالمغرب و الجزائر" ، حيث كشفت دراسة أصدرها المعهد ذاته في غشت من سنة 2010 عن "الإمكانيات الواعدة لاستثمار الحركة الأمازيغية بهدف تحقيق اختراق في منطقة المغرب العربي الكبير"، لتجاوز ما اعتبرته أكبر عائق أمام التطبيع مع الصهاينة ، متمثلا في الحركات القومية و الإسلامية ، "انطلاقا من أربع مرتكزات :
ــ القطع مع الرصيد الحضاري العربي الإسلامي ؛
ــ و الارتباط بالنموذج الغربي و الدفاع عن قيمه الكونية ؛
ــ و التركيز على المشاكل الداخلية الحقيقية لتجنب الاهتمام بالصراع العربي الإسرائيلي ؛
ــ ثم العمل على إلغاء فكرة العداء لإسرائيل من خلال التأصيل التاريخي و الثقافي لفكرة التقارب الأمازيغي الإسرائيلي".
و كان صاحب البحث هو "بروس مادي فايتسمان" الرئيس الحالي لقسم شمال إفريقيا بمركز موشي ديان والباحث في معهد فيلاديلفيا لبحوث السياسة الخارجية بأمريكا ، و صاحب الدعوة الشهيرة إلى ضرورة استغلال ورقة الأمازيغ للتغلغل و التطبيع مع المغرب ، و هو كثير الحضور إلى المغرب ، و قد أصدر في ربيع 2011 كتابا يتضمن رؤية المركز التي تختزل وجهة نظر الكيان الصهيوني لهذه المسألة تحت عنوان : "الحركة الهوياتية الأمازيغية تحدي لأنظمة شمال إفريقيا"، و هو عمليا الخيط الرابط بين مجموعة من النشطاء الذين ينسبون أنفسهم للحركة الأمازيغية في المغرب و الجزائر .
في مظاهر الاختراق :
و انطلاقا من تلك الاستراتيجية أعلاه ، حقق الصهاينة اختراقا جزئيا تمثل في نجاحهم بتنظيم مجموعة من الأنشطة و الندوات مثل :
ــ ندوة في معهد موشي ديان نفسه حول التركيبة السكانية لدول المغرب العربي و إمكانية اختراقها و العمل على تفكيكها مثلما حدث شمال العراق و جنوب السودان ، شارك فيها مجموعة من نشطاء الحركة الأمازيغية الذين تتسم مواقفهم بالعنصرية و التطرف . بل وصل الاختراق إلى حدود توظيف المركز لأحد المغاربة ضمن طاقم المركز (اسمه سمير بلعياشي) .
ــ قيام معهد "ياد فاشيم" بالقدس المحتلة المهتم بما يسمى المحرقة بتنظيم دورة تكوينية حول "الهولوكوست الصهيوني" أيام 6-14 نونبر 2009 ، حضرها وفد من ثمانية عشر شخصا تشكل في معظمه من أساتذة التعليم الابتدائي بتنسيق مع جمعية ماتت في المهد اسمها "جمعية سوس العالمة للصداقة الأمازيغية اليهودية"، حيث كان أول وفد من العالم الإسلامي ومن الوطن العربي يحضر هذه الدورة كما قالت "دوريت نوفاك" مديرة المعهد . و قد تلقى أعضاء الوفد دروسا عن ما يعرف في الأدبيات الصهيونية بالمحرقة و كذا محاضرات حول "القواسم المشتركة بين اليهود و الجماعات الإثنية والطائفية في العالم العربي وكيفية الاستفادة من التجربة اليهودية في الخلاص ، عن طريق تدبير المصير و العيش المستقل و وسائل المقاومة التي استخدمها اليهود من أجل إقامة دولتهم" . غير أن المفارقة هنا هي أنه في الوقت الذي كان فيه هؤلاء يخوضون غمار هذه "الدورة التكوينية" في القدس المحتلة ، كان الأديب المغربي اليهودي المرحوم "إدمون عمران المالح" المعروف بمناهضته للصهيونية يخوض معركة شرسة في مواجهة مشروع تدريس ما يعرف بالمحرقة أريد إقحامه بالمناهج التعليمية المغربية ، في تجسيد حي لمواقف الإرث اليهودي العربي بالمنطقة المغاربية الذي يأخذ طابعا مناهضا للصهيونية مثلما هو عليه الأمر مع آخرين غيره مثل أبراهام السرفاتي ، و سيون أسيدون بالمغرب ، و جورج عدة و جيزيل حليمي في تونس على سبيل المثال لا الحصر . كما كان العالم يعج بتأسيس منظمات يهودية تعلن مقاطعتها للكيان الصهيوني عقب جرائمه في محرقة غزة ، أو على الأقل تعلن خلافها معه و ترفض تبني جميع أطروحاته كما هو الحال مع منظمة "جي ستريت" في أمريكا و "جي كول" في أوروبا .
ــ وضع مخطط لتأسيس شبكة من الجمعيات المساعدة على الاختراق تحت مسمى "الصداقة الأمازيغية الإسرائيلية" ، غير أن الرفض التلقائي للرأي العام المغربي لجمعيات من هذا القبيل ، جعل الذين قبلوا القيام بهذا الدور من بعض المكونات المتطرفة و المعزولة في الحركة الأمازيغية ، يلجؤون إلى تسميتها بجمعيات الصداقة الأمازيغية اليهودية ، علما أن اسمًا كهذا في المغرب لا معنى له ما دام أن المجتمع المغربي ينطوي على مكون يهودي لا بأس به يشكل جزءا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي المغربي على مر حوالي ألفين من السنين ، و جزء منه ناطق بإحدى اللغات الأمازيغية الثلاث الأساسية ، مثلما يتكلم اللغة العربية إضافة إلى عبرية السفارديم الأقرب إلى اللغة العربية بحكم منشئهما التاريخي المشترك .
و في هذا السياق لم يكتب النجاح للجمعيات التي تم تأسيسها تحت هذا المسمى كذلك ؛ حيث ولدت جمعية "الصداقة الريفية الإسرائيلية" ميتة بمدينة الحسيمة حاضنةُ الإرث التحرري لثورة المجاهد محمد عبد الكريم الخطابي ، الذي ألهمت دعوته من القاهرة للتطوع للقتال في فلسطين قبَيْل إعلان اغتصابها من طرف الصهاينة ، مئات من المغاربة و العرب سنة 1947 ، و بقي هذا الإرث التحرري عاصمًا لمنطقة الريف من الاختراق الصهيوني .
و هو المصير نفسه الذي عرفته جمعية أخرى تأسست بمنطقة سوس جنوب المغرب تحت مسمى "جمعية الصداقة الأمازيغية اليهودية" ، و رفعت شعارا لها حوار الأديان و الثقافات ، في منطقة أنجبت رموزا نضالية مؤثرة في الوجدان المغربي مثل المناضل "محمد بنسعيد أيت يدر" أحد قادة المقاومة إبان الاستعمار و أبرز قادة اليسار المغربي الذي طالما أكد أن نكبة فلسطين هي التي ألهمته للالتحاق بحزب الاستقلال في المرحلة الاستعمارية ، على إثر مراسلاته مع أحد أصدقائه الذي لبى نداء عبد الكريم الخطابي للتطوع في حرب 1947 – 1948 حيث كان مرابطا بمدينة بيت لحم .
ــ تنظيم زيارات لبعض السياسيين الذين لا ثقل لهم في المشهد السياسي ؛ مثل زيارة أحمد الدغرني (رئيس حزب مغربي هامشي) ، أو زيارات المغني الجزائري فرحات مهني المتعددة للكيان الصهيوني طلبا للاعتراف بانفصال منطقة القبائل ، و هي الزيارات التي كرست نبذهما داخل المشهد السياسي المغربي و الجزائري على حد سواء .
آفاق واعدة لمواجهة التطبيع :
لقد كانت يقظة الشعب المغربي عاملا حاسما في إفشال استراتيجية الاختراق الصهيونية ، حيث لعبت "مجموعة العمل الوطنية لمساندة العراق و فلسطين" التي تمثل طيفا واسعا من النسيج المدني والسياسي المغربي أدوارا بارزة في فضح هذه الاختراقات ، لذا لجأ المطبعون إلى وسائل مخادعة حيث تم تسخير مؤسسات من المفروض أن تكون بعيدة عن شبهة التطبيع ؛ مثل مؤسسة "آنا ليند للحوار بين الثقافات" (يمثلها داخل الكيان الصهيوني معهد "فان لير") التي يترأسها أحد أبرز رموز اللوبي الصهيوني بالمغرب وهو المستشار الملكي "أندري أزولاي" الذي اتهمه الكاتب المغربي "جاكوب كوهين" بأنه أحد عملاء الموساد . و "مؤسسة الثقافات الثلاث" التي أنشئت بمبادرة من الحكومة المغربية و حكومة إقليم الأندلس بإسبانيا ، و يعتبر أزولاي كذلك رئيسها المنتدب .
و هكذا بعد فشل الإستراتيجية السابقة في الاختراق ، بدأ الصهاينة يتسللون عبر طرق ملتوية لتحقيق اختراق ثقافي ، و في هذا السياق ساهمت "مؤسسة الثقافات الثلاث" (إلى جانب مؤسسات و شخصيات صهيونية أخرى) في إنتاج شريط وثائقي تحت عنوان "تنغير، القدس : أصداء الملاح" ؛ يحكي قصة مجموعة من المستوطنين الصهاينة من أصول مغربية تم تهجيرهم قسرا مطلع الستينات من القرن الماضي من منطقة تنغير بالجنوب الشرقي للمغرب ، لكن بطريقة تجعلهم ضحايا داخل فلسطين المحتلة ، و هو الشريط الذي تم عرضه على قناة تلفزيونية عمومية هي القناة الثانية مما أثار ضجة واسعة في المغرب حيث عبرت القوى السياسية و المدنية بمنطقة الجنوب الشرقي عن إدانتها لهذه الخطوة التطبيعية وطالبت الدولة المغربية بتحمل مسؤوليتها في مواجهة هذا الاختراق ، لتتواتر المبادرات في التصدي له ، حيث أطلقت القوى المدنية و السياسية بالمنطقة "رابطة إيمازيغن من أجل فلسطين" بهدف التصدي للاختراق الصهيوني و تفعيل عملية التضامن مع الشعب الفلسطيني ، لتنضاف إلى شقيقتها "الجمعية الأمازيغية الفلسطينية" التي تنشط بمنطقة الريف شمال شرق المغرب منذ ما بعد محرقة غزة .
و هي المبادرات التي أحبطت سعي بعض المتطرفين داخل الحركة الأمازيغية إلى اختطاف الأمازيغية و ربطها بأقلية معزولة تعيش على هامش المجتمع ، بهدف العمل على اغتيال ذاكرة المغاربة الجمعية التي لعب فيها قادة أمازيغ أدوارا طلائعية في الدفاع عن فلسطين و ربطها بالوعي الوطني لعموم المغاربة ، مما فتح آفاقا واعدة أمام حركة مناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي طالما اعتبرته أدبيات النضال المغربي المعاصر خيانة وطنية و قومية و دينية و إنسانية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق