الأحد، سبتمبر 09، 2012

ذ. عصيد يدافع عن الحرف العربي لكتابة الأمازيغية



في إطار المحاضرة التي ألقاها الأستاذ عبد الكريم غلاب بعنوان "رهانات الفرنكفونية في علاقتها بمسألة التغريب و الهيمنة " بالرباط ( سنة 1998 ) عقّب الأستاذ أحمد عصيد بتدخل تطرق فيه إلى موضوع المحاضرة بمجموعة من الملاحظات ، ثم ختم تدخله بالكلمة التالية (*) :
<< ... و أخيرا ، و قبل أن أختم ، لدي ملاحظة حول ما أدلى به أحد
الحاضرين فيما يخص علاقة الفرنكفونية بالأمازيغية ، و دعوة البعض إلى كتابة هذه الأخيرة بالحرف اللاتيني . ينبغي أولا أن نعلم بأن النقاش الدائر حول الحرف هو نقاش محض إيديولوجي ، و ليس نقاشا تقنيا بين مختصين في علوم اللغة .
إن الذي يختار الحرف اللاتيني لكتابة الأمازيغية داخل المغرب إنما يفعل ذلك ضدا على برنامج التعريب الذي يروم تحقيق السيادة المطلقة للعربية ، و هو بذلك يفصل الأمازيغية عن المجال الثقافي العربي الإسلامي ، و يدمجها في مجال ثقافي أجنبي ..؛ أمّا الذي يختار الحرف العربي لكتابة الأمازيغية ، فهو الذي لا يخلط بين العربية و سياسة التعريب ، و يعطي الأولوية للإطار الوطني الذي يجمع العربية و الأمازيغية في نسيج ثقافي مشترك ، و يرفض الانتقام من العربية ردّا على سياسة تهميش الأمازيغية ..؛ و أما الذي يختار الحرف العريق "تيفيناغ" ، فهو يهدف إلى إثبات الاستقلال التام للأمازيغية كنسق لساني عن العربية و عن اللغة الأجنبية ، و ينطلق من مبدأ " مثلما لكل لغة حرفها ، فإن للأمازيغية أيضا حرفها الخاص" ؛ و يدعم موقفه بالتسهيلات التقنية الكبيرة التي قدمها هذا الحرف الذي يحقق كتابة جميع أصوات اللغة الأمازيغية بدون تعديل ، بينما يحتاج الحرف اللاتيني إلى 12 تعديلا ، و الحرف العربي إلى 05 تعديلات ؛ غير أن حرف "تيفيناغ" يعاني من مشكلة أخرى لا تخص الجانب التقني ، و هي طول العهد به ، و عدم نجاحه في تحقيق التواصل المطلوب لغرابته ـ و غُربته ـ وسط القيم الثقافية السائدة ، مما يجعله يحتفظ بقيمة رمزية فقط ، و يجعل الصراع المرتقب محصورا بين الحرف العربي و اللاتيني ، و هو صراع سيكون محسوما لصالح الحرف الذي يمتلك رصيدا تاريخيا أكبر في الكتابة بالأمازيغية ، و مصداقية وطنية أيضا ، إضافة إلى عامل التواصل الداخلي ، و هي عوامل تجعل الحرف العربي أكثر قوة ، فقد خلّف المغاربة منذ قرون طويلة مخطوطات و وثائق أمازيغية كثيرة مكتوبة بالحرف العربي ، بينما لم تظهر الكتابة بالحرف اللاتيني إلا مع مجيء الفرنسيين [ الاستعمار الفرنسي ] . كما أن كتابة الأمازيغية بالحرف العربي تتم بكل عفوية من قبل المغاربة ، و تمثل بالنسبة لمعظمهم انسجاما بين مقومات أصيلة للشخصية الوطنية : الأمازيغية و العربية . بينما تظل كتابة الأمازيغية داخل وطنها بحرف أجنبي سلوكا مصطنعا ظاهر الشذوذ ، إضافة إلى ما يطرحه من مشاكل تقنية تجعل قراءة الأمازيغية به أمرا مستعسرا . أما على مستوى التواصل الداخلي ، فلا مجال للمقارنة بين الحرفين ، و يكفي أن نشير إلى أن المقارنة بين ديوانين شعريين كُتب أحدهما بالحرف اللاتيني و الثاني بالحرف العربي تُظهر الفرق الشاسع بينهما على صعيد الانتشار ؛ فإذ لم تتعد مبيعات الأول [ اللاتيني ] 200 نسخة ، تقرب مبيعات الثاني [ العربي ] 8000 نسخة ، و نفس الشيء يقال عن المجلات و الجرائد .
أما عن الكونغرس العالمي الأمازيغي ، فجدير بالذكر أن معظم المؤطرين داخل الجمعيات الأمازيغية في الخارج : فرنسا ، و بلجيكا ، و هولندا ، و كندا ، و أمريكا ... لا يعرفون إلا الأمازيغية و اللغات الأجنبية ــ شأن أبناء المهاجرين عموما ــ و ليس لهم أي احتكاك قوي و مباشر بالمجال الثقافي العربي ، حيث ولد معظمهم أو تربى في المهجر ، و هذا ما يفرض غياب تداول الحرف العربي في الأوساط الثقافية الأمازيغية دوليا ؛ لكن ، لن يكون له أثر كبير على الوضع الداخلي ، إذ سيكون من قبيل الوهم الاعتقاد بأن الأمازيغية ستتطور بربطها بحرف لغة أجنبية ، فالمصير المشترك بين العربية و الأمازيغية في المغرب يحدده العمق التاريخي من جهة ، و التوجه العام لدى المغاربة إلى التوحد عبر إيجاد وشائج الاتصال بين مقوماتهم الأصيلة . >>
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) ــ نقلا عن كتيب عبد الكريم غلاب ، "رهانات الفرنكفونية في علاقتها بمسألة التغريب و الهيمنة" ، سلسلة الدفاتر القومية ، منشورات المجلس القومي للثقافة العربية ، المغرب 1999 . ص من 105 إلى 109 .

هناك تعليق واحد:

  1. عمل جيد جدا...
    يمكنك الحصول على معلومات اكثر بخصوص هذا الموضوع على الرابط التالي

    مقالات من هنا وهناك

    تقبل أجمل تحية

    ردحذف