السبت، يوليو 14، 2012

قراءة في كتاب "الأمازيغية بصيغة المفرد"








بقلم : عبد الله القطيشي
( نقلا عن جريد المساء بتاريخ 12 أبريل 2012 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يأتي كتاب «الأمازيغية بصيغة المفرد» أو "أسطورة الوحدة اللغوية الأمازيغية بالمغرب" لمؤلفه الأستاذ و الباحث بجامعة القاضي عياض بمراكش إدريس آيت لحو كدراسة ذات طابع أكاديمي في إطار الحوار الوطني حول دسترة الأمازيغية ــ لغة و ثقافة ــ بالمغرب ، و كذا في إطار الجهوية الموسعة الملازمة للتعدد و
التنوع .
و يتخذ المؤلف موقفا ــ يكاد يكون ضد التيارــ من توحيد اللغة الأمازيغية بالمغرب ، إلى درجة أنه يرى أنه من المغالطة أن نجعل الأمازيغية تنتحر داخل «كيطو» محدود باسم لغة أمازيغية وطنية مغربية ، و يقترح مقابل ذلك لغات أمازيغية جهوية رسمية مغربية يحسم في حدودها البيجهوية بارتباط مع الجهة الموسعة .
و إذ يسجل المؤلف أن النخب المغربية المناضلة في إطار الحركة الأمازيغية ، سواء كانت سياسية (حزبية أو نقابية) أو مدنية (منظمات غير حكومية) ، وجدت نفسها في بداية القرن 21 أمام تحد كبير ، يتعلق بموقع اللغة أو اللغات الأمازيغية داخل الوضع السياسي و المنظومة اللغوية المعاصرة .
تعتقد هذه النخب بضرورة توحيد الأمازيغية ، في حين أن الواقع و الانتظارات «العلمية» و تطلعات التنمية المستدامة تتطلب أمرا آخر .
و إذ يوضح الباحث صراحة أن هدفه من هذه المحاولة أن يتفادى المغرب فشلا سوسيو-سياسيا آخر ، و أن يجعل المغاربة يربحون رهانا لغويا ، فهو يكشف بجرأة عن عدم جدوى الخطوات المتبعة في هذا الشأن . فهو يتساءل من الناحية القانونية كيف للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ، من جهة ، أن يحسم و يقر بمعيرة و توحيد الأمازيغية ، و من جهة أخرى ، لماذا لا يحترم مبدأ التنوع الثقافي الذي « لا يمكن حمايته و تطويره إلا إذا توفرت الضمانات لحقوق الإنسان و الحريات الأساسية كحرية التعبير و الإعلام و التواصل ، و كذا إمكانية اختيار الأفراد لتعابيرهم الثقافية ، وفق ما جاء في ميثاق اليونسكو لسنة 2005 » .
و على المستوى الأكاديمي و العلمي يقترح بلورة «دياليكتومترية» أمازيغية ــ على الأقل ــ بالمغرب ، من أجل قياس و تكميم تعارضات بين مختلف نقط الخريطة اللغوية الأمازيغية بالمغرب .
و على المستوى الاجتماعي و التواصلي يبدو أن الآمازيغيفونيين الذين يتحدثون بلغة الأطلس هم الأكثر تهيؤا للانفتاح على لغة الريف في الشمال و لغة سوس في الجنوب (تريفيت وتشلحيت) . أما أمازيغيفونيو الريف و سوس فغالبا ما يفضلون استعمال الدارجة المغربية أو العربية الفصحى في التواصل مع أهل الأطلس .
و على المستوى الجيوسياسي ، يتساءل الباحث : لِمَ وضعت الحركة الأمازيغية سقف مطالبها عند توحيد اللغة في حدود المغرب ، خاصة أن اللغة الأمازيغية المعيارية الموحدة التي يحلم بها «المغاربة» لن تفرض على باقي أمازيغيي العالم ؟
و على مستوى الإعلام ، سجل الباحث أن القناة الثامنة "الأمازيغية" في توجهها القاضي بالتوحيد و المعيرة تكاد تفرض المنوعة اللسنية/اللغة التي تخص جهة سوس على جميع المغاربة .
و أخيرا و على المستوى الرمزي كان و لا يزال شعار نخب الحركة الثقافية الأمازيغية منذ بدايتها هو «الوحدة في التنوع» ، و رب قائل يقول إن وحدة الأمة المغربية تكمن في التنوع في ثقافتها ( و المقصود هنا هو وجود الأمازيغية بجانب العربية بدون إقصاء ) ، فلم لا نقول كذلك إن أفضل وحدة لهذه الأمة ستكمن في التنوع داخل الثقافة الأمازيغية نفسها ؟
و قد خلص الباحث في نهاية مقدمة الكتاب إلى فرضية مؤداها أن الإصرار على معيرة و توحيد الأمازيغية يفسر كيف أن النخب الأمازيغية المغربية تعمل على إعادة إنتاج الخطاب القومي العربي بكيفية واعية أو غير واعية في مختلف تجلياته الإيديولوجية .
الجزء الثاني من القسم العربي من الكتيب خصصه المؤلف للحديث في فصل أول عن سياق مأسسة الثقافة الأمازيغية ، متسائلا عن استراتيجية مركز الإعداد اللغوي التابع للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية فيما يخص معيرة الأمازيغية . و ينقل عن مديرة هذا المركز قولها : « إن المعيرة المتسرعة و غير المضبوطة للأمازيغية عملية عبثية و قد تكون لها عواقب وخيمة على اللغة . فبإمكان ذلك أن ينتج لغة تتسم بطابع أبعد ، غير طبيعي ، أو ما قد نسميه «غولا لغويا» و قد يرفضها المجتمع» . قبل أن يرد عليها بقوله : « و على العكس من ذلك إن عملية التوحيد ذاتها هي التي تتسم بالعبثية و عدم القبول . إن قبولها الفعلي يجب أن يتم من طرف المواطنين ، الأميين و غير الأميين ، المثقفين و غير المثقفين ، ذلك أن عملية التوحيد ترادف القوة و العنف و التفرقة و القطيعة مع الواقع و النجاعة .
إن اختيار معيرة موحدة تقوم مقام ثلاث منوعات لسنية أمازيغية متداولة بالمغرب (تاشلحيت و تامزيغت و تاريفيت) من أجل بناء لغة موحدة ، أبعد من أن يكون اختيارا ديمقراطيا .
و ينهي المؤلف هذا الفصل بالحديث عن السياق الحالي للأمازيغية : قومية أم وطنية أم جهوية، ليخلص إلى أن الكفاءة والتشاركية تنبعان مما هو محلي و جهوي، و هذا تصور «براجماتي» (بمعنى واقعي و ممارساتي و ناجع) ، في حين أن النسقية و التخطيط ينبعان مما هو وطني و شمولي (و هذا تصور إيديولوجي).
في الفصل الثاني المعنون بـ «إعادة إنتاج مظهر مبتذل من مظاهر الخطاب القومي العربي أو أسطورة الوحدة اللغوية » يسجل المؤلف أن المناضلين الأمازيغيين اعتبروا مفهوم الوحدة شعارا دائما لهم . كما أن المغاربة الأمازيغيفونيين بنوا أفكارهم النمطية و النموذجية حول الحرية و التحرر والديمقراطية و التقدم و غيرها بارتباط وثيق بالإيديولوجيا العروبية البعثية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق