الجمعة، فبراير 22، 2013

قانون التنظيمي للأمازيغية بين التريث و الاستعجال


بقلم : عبد الله أوباري
( نقلا عن جريدة التجديد بتاريخ 08 يوليوز 2012 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد مرور سنة على اعتماد الدستور الجديد ، طفى على الساحة السياسية نقاش سياسي على خلفية دستورية ، حول قانونية طرح الأسئلة الشفوية في قبة البرلمان باللغة الأمازيغية .
النقاش السياسي و الدستوري ، احتد من جديد حول أحقية النواب البرلمانيين في
طرح الأسئلة الشفوية باللغة الأمازيغية ، و ذلك بعد أن بادرت النائبة "فاطمة شاهو" ، بطرح سؤال بالأمازيغية خلال إحدى جلسات مجلس النواب في شهر أبريل الماضي ..
بعد أسبوع من ذلك ، أي في 7 ماي 2012 ، تلت السيدة الرويسي ، التي ترأست الجلسة ، قرار نادي الرؤساء بالمجلس ، و القاضي بمنع إلقاء الاسئلة الشفوية بالأمازيغية في البرلمان المغربي إلى حين توفير الإمكانيات البشرية و اللوجستية للترجمة من و إلى الأمازيغية . مما فجر النقاش من جديد ، خصوصا و أن الدستور الجديد اعتبر الأمازيغية - في الفقرة الرابعة من الفصل الخامس - رصيدا مشتركا لكل المغاربة ، سواء الناطقين أو غيرالناطقين بها ، كما تطرق في نفس الفصل إلى إجراءات تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية و كيفيات إدماجها في مجال التعليم ، و في مجالات الحياة العامة ذات الأولوية ، بهدف قيامها مستقبلا بوظيفتها بصفتها لغة رسمية . و لهذا الغرض ، أحال الدستور على القانون التنظيمي الذي سوف يحدد مراحل التفعيل و كيفيات الإدماج .
لا جدال حول أحقية النواب البرلمانيين من الناحية القانونية ، في استعمال إحدى اللغتين الرسميتين تحت قبة البرلمان ، لأن الدستور يسمو على كل القوانين . و لا حق لأحد أن يضع الموانع لمنعهم من القيام بذلك ، لأنّ العُذر الذي يؤتى به في السابق للإعتراض على التحدث بالأمازيغية في البرلمان ، لم يعد قائما بفعل الترسيم النهائي للأمازيغية .. لكن أيضا لا بد من التأكيد على أن لا علاقة للأمر بالميز اللغوي و الثقافي كما يتوهم البعض ، و لا علاقة له أيضا بخرق الدستور . لأن المسألة تنظيمية محضة و مرتبطة بتوفير الوسائل اللوجستية لإنجاح هذه العملية ... و بما أن الصيغة التي جاء بها ترسيم اللغة الأمازيغية في الدستور ، تفيد المساواة بينها و بين اللغة العربية بشكل قاطع ، فلا خوف إذن على الأمازيغية بعد أن تمتعت بالحماية الدستورية . و لا داعي لمزايدة أي طرف على آخر ، خاصة و أن رئيس الحكومة وضع القانون التنظيمي للأمازيغية خلال مداخلته في الجلسة الشهرية للأسئلة الشفوية المتعلقة بالسياسة العامة في شهر ماي الماضي ، ضمن الأجندة التشريعية لحكومته ، بل في صدارة القوانين التنظيمية التي تنوي الحكومة إصدارها . خصوصا أن جميع الفرق البرلمانية اتفقت على منع إلقاء الأسئلة بالأمازيغية في البرلمان بما فيها حزب "الأحرار" الذي طرح السؤال المذكور بالأمازيغية .
صدور القانون التنظيمي الذي سيؤطر الترسيم الفعلي و الإدماج العملي للغة الأمازيغية في كل مؤسسات المجتمع ، سيساهم في إبراز و ترسيخ التنوع الثقافي و اللغوي الذي نص عليه الدستور المغربي الجديد .
لذلك فالحكومة مطالبة بإخراج القانون التنظيمي - ضمن 16 قانونا تنظيميا - إلى حيز الوجود قبل نهاية الولاية التشريعية الحالية كما ينصّ على ذلك الدستور الجديد ، باعتباره الإطار المرجعي الذي سيحدّد كيفيات إدراج الأمازيغية في كل قطاعات الحياة العامة .. معنى ذلك أنها مطالبة بضرورة الإسراع في بدء الخطوات و المراحل المؤدية إلى إصدار هذا القانون المحدد لمراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية ، مع إشراك كل الخبراء و المهتمين و الفاعلين في المؤسسات الرسمية و المجتمع المدني و الباحثين و الدارسين المهتمين بالشأن الأمازيغي . و هو ما يتطلب وقتا معقولا قبل وصول القانون إلى مرحلة المشروع .. و كل تدبير مرحلي تُكرَه الحكومة على إقراره تحت الضغط - في مرحلة انتظار صدور القانون - قد يحمل في طياته تشويشا على القانون التنظيمي نفسه . علما أن هناك دائما أطرافا مستعدة لرفع السقف الذي ينتهي في غالب الأحيان بإفشال المشاريع المطروحة عن عمد أو غير عمد ..، ثم أيضا لكي لا نكرر - على سبيل المثال - خطأ العجلة الذي أدى إلى التعثر الحاصل في عملية تدريس اللغة الأمازيغية التي انطلقت سنة 2003 بشكل متعثر و التي لا زالت تتخبط في الإرتجال . لذلك ينبغي إشراك كل الفاعلين في كل المواقع من أجل وضع القانون التنظيمي المذكور .
القانون الذي نحن بصدد الحديث عنه ، ليس قانونا عاديا لكونه مرتبطا باللغة ، و اللغة جزء من الهوية ، مما يجعله يشد الأنظار إليه و يتطلب من كل الأطراف و من كل الفرقاء التريث و الأناة و التوافق و الإيجابية و العمل الجماعي الجاد ، بعيدا عن كل تشنج قد يضر بالقضية كلها ، خصوصا إذا استحضرنا أن اللغة التي سيؤطرها ما زالت في طور المعيرة ، و أن كثيرا من الأمازيغ أنفسهم ما زالوا في حاجة إلى تعلمها .
هذا الموقف ، هو الموقف نفسه الذي دعا إليه عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ، أحمد بوكوس ، على هامش ندوة نظمت بالمعرض الدولي للدار البيضاء يوم 11 فبراير 2012 ، في إطار فعاليات المعرض الدولي للنشر و الكتاب ، حيث أكد على « التحلي باليقظة الفاعلة و الإيجابية أثناء مسلسل إعداد القانون التنظيمي » . و دعا كل الفاعلين إلى « التحلي بمبدأ المساندة النقدية و التعبير عن رؤاهم في إطار نقاش عام و منظم و ديمقراطي » . و أن « المطلوب الآن أن تساهم النخبة السياسية و المثقفون و الباحثون ، و المجتمع المدني و كافة القوى الحية في البلاد في النقاش من أجل توضيح المفاهيم و الرؤى ذات الصلة ، و تملك مقتضيات هذا القانون التنظيمي ، ثم الحرص على مواكبة تفعيلها في السياسات العمومية » . و في نفس السياق أيضا ، تندرج مبادرات المجتمع المدني التي نعتبرها مبادرات جادة في الإتجاه المطلوب ، لعل من بينها اللقاء الجهوي الذي نظمته الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة "أزطا"، يوم الأحد 27 ماي 2012 بمكناس ، بتعاون مع مديرية التنمية و التعاون السويسرية . و لقاء إمزورن الجهوي الذي نظمته الجمعية نفسها ، و مركز "النكور" من أجل الثقافة و الحرية و الديمقراطية ، يوم السبت 09 يونيو 2012 ، تحت شعار "من أجل قانون تنظيمي فاعل تطبيقا للفقرة الرابعة من الفصل الخامس من الدستور" . كما تندرج ضمن الإطار نفسه ، المائدة المستديرة التي نظمتها الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي في مقرها المركزي بالرباط ، يوم الجمعة 29 يونيو 2012 ، حول موضوع "إصدار القانون التنظيمي المتعلق بترسيم الأمازيغية". و كذا الندوة الوطنية التي نظمتها كونفدرالية الجمعيات الأمازيغية بالجنوب "تمونت ن ايفوس" في ذات اليوم بأكادير ، تحت عنوان "تفعيل رسمية الأمازيغية من خلال المجلس الأعلى للغات و الثقافات" . و لا يزال الموضوع في حاجة إلى بلورة مزيد من النقاش و في حاجة إلى مزيد من الإغناء .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق