الثلاثاء، مارس 12، 2013

هل تنجح "الحركة الأمازيغية" في ترجيح مصلحة الأمازيغية ؟

الشيخ المغربي أحمد الريسوني

بقلم : حسن بويخف
(نقلا عن هسبريس بتاريخ 12 مارس 2013)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
...
هل ستتكرر مثلُ أخطاء عصيد في التعامل مع المخالفين حتى و هُمْ يخدمون القضية الأمازيغية ؟
...
يتطلب تدبير مرحلة ما بعد اعتماد الدستور الجديد الذي أنصف الأمازيغية ، و ما
يتطلبه ورش تنزيل ما جاء فيه حول تفعيل الطابع الرسمي لها و كيفيات إدماجها في الحياة العامة ، و كذا المجلس الوطني للغات و الثقافة المغربية الذي من بين مهامه حماية و تنمية اللغة العربية و الأمازيغية ، يتطلب كل هذا من الحركة الأمازيغية و نشطائها اعتماد مقاربة تضع الأمازيغية فوق كل الاعتبارات السياسية و الأيديولوجية . و لعل أحد شروط النجاح في هذا التمرين التاريخي الانتباه إلى كمائن بعض وسائل الإعلام ، و تجنب التسرع في ردود فعل قد تسيء إلى القضية الأمازيغية من حيث يعتقد الإحسان إليها . لكن أهم ما يحقق شروط نجاح استحقاقات ما بعد الدستور هو استثمار جهود كل الفاعلين لما يخدم القضية الأمازيغية مهما كانت مواقفهم السابقة و مهما كانت توجهاتهم الايديلوجية و السياسية .
إن النجاح في استحقاقات ما بعد الدستور يجد مؤشراته الحقيقية ليس في القوانين أو على واجهات المؤسسات الرسمية و لكن النجاح الحقيقي في ذلك هو مدى اندماج المواطن المغربي ، كيفما كانت خلفيته الاجتماعية و الثقافية ، في ورش تنزيل دسترة الأمازيغية بصفتها مِلكًا لكل المغاربة . فالمواطن الواعي و المعبأ هو الضمانة الحقيقية لتحقيق النجاح في إدماج الأمازيغية في الحياة العامة . و المدخل إلى هذه الغاية يتطلب انخراط و تعبئة جميع الفاعلين في مجال التأطير و التنشئة الاجتماعية . و هو ما يضع على عاتق الحركة الأمازيغية اليوم عبئا جديدا ينضاف إلى أعبائها التاريخية و التقليدية ، و هو عبء التدبير الإيجابي للتعدد الغني الذي تعرفه ساحة هؤلاء الفاعلين في مجال تأطير المواطنين . و هو عبء يتطلب وضع مصلحة الأمازيغية بصفتها قضية وطنية فوق كل الاعتبارات بما فيها ما يتعلق بمصلحة الحركة الأمازيغية نفسها ، و هو ما يتطلب من جهة أخرى تجردا كبيرا من الاعتبارات الاديلوجية و السياسية الضيقة . و هي مَهمة تتطلب النظر إلى ما يخدم الأمازيغية أكثر من النظر إلى ما يخدم الحركة الأمازيغية ، و النظر إلى الجزء المملوء في كأس هؤلاء الفاعلين في مجال التأطير العام فيما له علاقة بالأمازيغية ، وليس إلى الجزء الفارغ منه .
قد يكون لبعض الفاعلين في مجال التأطير العام للمواطنين انتقادات قاسية للحركة الأمازيغية ، و لكن قد تكون لهم مواقف جد متقدمة بالمقارنة مع متطلبات ورش الأمازيغية اليوم . و من غير المقبول أن تغطي الردود على انتقادات الحركة الأمازيغية لدى هؤلاء عن مواقف تخدم الأمازيغية بشكل حيوي ، و تخاض معارك سياسية و إديلوجية مع هؤلاء تكون على حساب القضية الأصل .
و مناسبة إثارة هذه الملاحظة هو "الفخ الإعلامي" الذي نصبته "الأحداث المغربية" للناشط الأمازيغي أحمد عصيد ، فتسرع قبل التتبث ، كما فعل أيضا قبل شهور في ما عرف بأكذوبة تحطيم صخرة الشمس ، في مهاجمة أحد أكبر المؤثرين في الرأي في أوساط مغربية مهمة بل و في أوساط واسعة في العالم الإسلامي ، و يتعلق الأمر بالفقيه المقاصدي الدكتور أحمد الريسوني .
و لا يتعلق الأمر هنا بدفاع أعمى عن رجل هو "فران قاد بحومتو" كما يقول المثل المغربي ، بل يتعلق بأحد المعبرين عن مواقف تفيد القضية الأمازيغية بشكل أكثر فاعلية من كثير من التنظيرات و المقالات والخصومات و ما إلى ذلك . على اعتبار حضوره الفاعل ليس فقط في الساحة الوطنية و لكن أيضا في الساحة الإسلامية بشكل عام . و عملا بحسن الظن نقول إن أحمد عصيد تسرع في الرد قبل أن يستمع إلى شريط الفيديو الذي نقل جزءا من محاضرة الريسوني في الدوحة انتقد فيها الحركة الأمازيغية . و من الراجح أنه اكتفى بأسئلة الصحافي التي استخرج منها عنوان مقالته في "الأحداث المغربية" التي جعلته المادة الرئيسة في عددها ليوم الاثنين الماضي . و هذا إن وقع ، فنتيجته منطقية ، و هو أن عصيد فاته أن يستمع إلى أحد أكبر المنظرين في الشأن السياسي الديني في العالم الإسلامي اليوم و أحد أكبر المؤثرين في الرأي العام داخل أوساط واسعة ، و هو يتحدث عن قضايا تهم الأمازيغية و تهم الأكراد و غيرهم ، و يقدم خدمة جليلة للأمازيغية في الأوساط التي يُعتبر الريسوني من أكثر المؤثرين داخلها بدون منازع .
لو استمع عصيد إذن إلى الشريط الذي بث على "اليوتوب" لعلم أن عالم المقاصد لم يتهجم على الحركة الأمازيغية بإطلاقها كما زعمت "الأحداث" ، بل انتقد جزءا منها اعتبرهُ توجها معاديا للدين و للغة العربية و غير بناء ، و قال بالحرف الواحد أن هذا التوجه لا يمثل سوى واحدا في المائة (1%) . و الريسوني في الواقع يتحدث عن "نزعة" تصاحب ذلك الجزء من الحركة الأمازيغية ، تعادي الدين و اللغة العربية ، و ليس الحركة الأمازيغية نفسها . و أورد أمثلة لمقولات أصحاب تلك "النزعة" .
لو استمع عصيد ، لعلم أن الريسوني لم يشبه الحركة الأمازيغية بـ"الهوتو و التوتسي" كما زعمت "الأحداث" ، بل قال بالحرف في سياق انتقاده لبعض التصريحات و الكتابات : "بعض الناس الذين تقرأ لهم أو تسمع لهم ، لو ذهبت الأمور وفق فكرهم لوصلنا في قرن أو سبعين سنة إلى سيناريو الهوتو و التوتسي" . بعد أن تساءل : هل يريد هؤلاء أن يوصلونا إلى سيناريو الهوتو و التوتسي ؟
لو استمع عصيد ، لسمع أحد صناع الرأي وسط أوسع الشرائح في المغرب و خارجه اليوم يقارب القضية بواقعية حيث قال " إذا كان التاريخ قد قضى بأن هناك عربا و أمازيغ و أكرادا و أتراكا و فرسا ، فلابد من التعامل مع هذا الواقع و ليس هناك ما ينفيه و ما يمنعه ". و هذا البعد الواقعي هو أكبر النقص الذي يمكن تسجيله في مقاربات كثيرة في أوساط ، الريسوني و أمثاله وحدهم يستطيعون بعث روح التجديد داخلها .
لو استمع عصيد ، لسمع الريسوني الذي لم يكن يخاطب المغاربة فقط يقول : "ليس هناك أدنى حرج و لا إشكال في تنمية الثقافة الأمازيغية و اللسان الأمازيغي ، و التاريخ الأمازيغي" . و هذا رأي مفيد بشكل حيوي في بلدان يتهيب الناس فيها من فتح ملف الأمازيغية أو ملفات أخرى مثل ملف الأكراد في تركيا .
لو استمع عصيد ، لسمع الريسوني يقول : "الاحتفال بالسنة الأمازيغية مرحبا به . و الاحتفال بالتاريخ الأمازيغي مرحبا به و بالانجازات و بكل شيء مجيد و جميل و بناء ، سواء كان قبل الإسلام أو بعده مرحبا به". و هذا موقف متقدم جدا بالنسبة لأوساط داخل وخارج المغرب يعلم عصيد لو استمع إلى المحاضرة فعلا ، أن الريسوني يخدم القضية الأمازيغية داخل تلك الأوساط و يحتفظ بحقه بانتقاد الحركة الأمازيغية .
لو استمع عصيد ، لوجد في الريسوني عوْنا معتبرا يمكن لآرائه أن تساهم في حل معضلات إثنية كبيرة لعل أهمها مشكلة الأكراد . و لعلم أن الريسوني قال في هذا الشأن بأنه شخصيا مع إعطاء الأكراد أقصى ما يمكن من حقوقهم التي لا تهدم . بل أكد بأن إعطاء الأكراد حكما ذاتيا هو أمر بسيط ، موضحا أن استعمال اللغة الكردية في أي مؤسسة بغرض التخاطب الشفوي يعاقب عليه في تركيا ، معتبرا ذلك ظلما شديدا جدا . و أضاف الريسوني بأن للأكراد و غيرهم حقوقا ثقافية و سياسية و اجتماعية و لغوية و غيرها "يجب الذهاب في تحقيقها بعيدا" .
لو استمع عصيد إلى الشريط لما هاجم الريسوني لأنه انتقد الحركة الأمازيغية ، و لأشاد بمواقفه التي تدعم الأمازيغية ، و تساهم في رفع العقبات النفسية و الفكرية في أوساط واسعة لصالحها .
هذه الواقعة المفارقة تقدم نموذجين ، الأول يمثله الريسوني و ما له من ثقل تأطيري مهم له آراؤه الخاصة و لكن و المؤثرة فيما يتعلق بالأمازيغية في بعدها الشعبي و داخل شرائح واسعة . و الثاني يمثله عصيد ، بصفته أحد أكبر الفاعلين في الساحة الأمازيغية اليوم ، و الذي لم يكن مع الأسف في الموقع المطلوب اليوم في التعامل مع المخالفين فيما له علاقة بالأمازيغية .
والسؤال الحيوي هل ستتكرر مثل أخطاء عصيد في التعامل مع المخالفين حتى و هم يخدمون القضية الأمازيغية ؟ و هل تتحول الحركة الأمازيغية إلى مقدس يعمينا الدفاع العاطفي غير المتوازن عنها عن مصلحة الأمازيغية نفسها ؟ أليس الأوْلى التركيز على ما يخدم الأمازيغية و إبرازه و توظيفه و ترويجه ، من التركيز على ما لا يخدم سوى أغراض إيديولوجية و أجندات سياسية أغلبها مفلس ؟
إن الحركة الأمازيغية اليوم مطلوب منها درجة عالية من تمثل قيم الانفتاح على المخالفين و قيم الاستيعاب الإيجابي الذي يغلب مصلحة الأمازيغية عن غيرها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق