الخميس، مارس 07، 2013

الحركة الأمازيغية بين التعصب و الاعتدال

الشيخ المغرب أحمد الريسوني
بقلم : د. فؤاد بوعلي
(نقلا عن هسبريس بتاريخ 06 مارس 2013)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليس مفاجئا أن تتناسل الردود المزاجية السريعة على الشريط المبثوث للدكتور أحمد الريسوني على شبكة الأنترنت حين حديثه عن الأمازيغية . و مزاجيتها لا تبدو فقط في الأسلوب الذي يصل حد الوقاحة عند بعض المتثاقفين و إنما في كيفية قراءة نص شيخ المقاصد . و أي مستمع لنص الحديث سيجد نفسه منبهرا بقدرة
البعض على تحريف القول عن مواضعه و توجيهه نحو مفاهيم مغلوطة خدمة لقناعات ذاتية ضيقة كما حرفت أقوال عباس الجراري سابقا . و لنبدأ بالفكرة المحورية :
أليس هناك تطرف في الفضاء الثقافي الأمازيغي ؟
لا تخطئ العين كثيرا من النماذج التي تناسلت خلال مسار تشكل ما يسمى بالحركة الثقافية الأمازيغية و التي نحبذ الإشارة إلى بعضها للذكرى و التاريخ :

ــ طلب "الكونغريس العالمي الأمازيغي" نواب البرلمان الأوربي بالتدخل لدى المغرب لإرغامه على الانصياع لمبادئ حقوق الإنسان و للاتفاقات التي تربطه بالاتحاد الأوربي ، و التي أهلته للوضع المتقدم الذي يحظى به .

ــ طلب مجموعة من نشطاء الحركة الأمازيغية من الولايات المتحدة الأمريكية التدخل للدفاع عن الأمازيغية من أجل مناهضة «التطرف العربي» الذي يهدد العالم . فكما أن فرنسا و بريطانيا ساعدتا في بداية القرن العشرين على تقوية القومية العربية لمواجهة الإمبراطورية العثمانية فإن على الولايات المتحدة القيام بنفس الأمر عبر دعم القومية «البربرية» من أجل مواجهة «جذور التطرف العربي» على حد قوله .

ــ علاقة بعض النشطاء مع إسرائيل التي تنامت في العقود الأخيرة ، من خلال الزيارات المتبادلة و تأسيس جمعية للصداقة الأمازيغية اليهودية بغية "توثيق الصلات التاريخية بين الأمازيغ و اليهود الإسرائيليين الذين استوطنوا المناطق الأمازيغية بالمغرب و هاجروا إلى إسرائيل"على حد زعمهم . لذا لن يفاجئنا أحد أهم رموز التطبيع ، أحمد الدغرني ، حينما يقول : «إن الصراع الدائر في فلسطين لا يهمنا لأنه يخص الفلسطينيين و الإسرائيليين وحدهم ، و نحن أبعد ما نكون عنه ».
ماذا نسمي هذه السلوكيات التي تتكرر و لا تتوقف عند المكون اللغوي ؟
إن أبسط وصف يمكن أن نسمها به ، إن رأيناها بعين المعالجة المَرضية و ليس بعين التهديد للسيادة الوطنية ، هو التعصب الأعمى لفكرة غير مسنودة بالواقع . لذا فعندما ينتفض بعض المحسوبين على الأمازيغية عنوة دفاعا عن هذا التيار فهذا يعني انتماءهم الرسمي إليه أو هي محاولة لفرض نمط معين من النقاش العمومي حول الأمازيغية ورد كل ما يهدد معالمه خوفا من التأثير في مسار النقاش المؤسساتي الذي بني على التوافق .
و لو رمنا تفكيك هذا الخطاب المتعصب و المنغلق على ذاتيته لوجدناه متسما بالملامح الرئيسة التي عالجها و توقف عندها علماء النفس و من بينها : تضخم الذات على الصيغة الفرعونية "ما أريكم إلا ما أرى" ، و الجهل و التخلف المعرفي مصاحبا بالتشويه و إلقاء الشبهات ، و الانغلاق و ضيق الأفق و رفض الآخر فكرا و ممارسة ، و غياب أخلاقيات التعامل مع المخالف ، و الإطلاقية في الطرح . و سنجد هذا الخطاب يتمثل هذه المظاهر و يجسدها بشكل يصلح للدراسة النفسية و الاجتماعية كما تحيل عليه المقالات المنشورة ردا على أستاذ المقاصد :
ــ الشمولية : الحديث باسم الأمازيغ و الأمازيغية و حصرها في الذات ، في محاولة للخلط بين الأمازيغية و الحركة الأمازيغية . و البون شاسع بين الطرفين . فالأولى لغة و ثقافة و هوية لكل المغاربة ، و الثانية أجندة إيديولوجية و سياسية . و لأن المشرع قد حسم في الأمر حين جعل الأمازيغية رصيدا مشتركا لكل المغاربة فإنه قد أعاد النقاش إلى إطاره التعاقدي الداخلي بدل الإطار السياسي الدولي الذي راهن عليه التيار الاستئصالي . لذا فالورقة سقطت من أيديهم و أصبح الحديث عن الأمازيغية وطنيا يشترك فيه كل المغاربة كيفما كانت انتماءاتهم .
ــ الصراعية : لا يفتأ هذا التيار يصارع و يقاتل ضد الكل . لذا دخل في حروب طويلة ضد مختلف الأطياف الإيديولوجية للمجتمع المغربي سياسية كانت أو دينية أو فكرية . حيث لم يسلم أي تيار من المكونات السياسية و الاجتماعية المغربية من نقدها اللاذع الذي تأرجح بين التخوين تارة و المؤامرة على حقوق الأمازيغ تارة أخرى . فالحركة الوطنية التي قادت معركة الاستقلال هي حركة عروبية قومية سلفية معادية لقضية الأمازيغ . و اليسار كيان متآمر على الأمازيغية من خلال تشبعه بمبادئ الفكر القومي الذي يربط تحرر الشعب المغربي بتحرر الشعوب العربية في فلسطين و العراق . و الحركة الإسلامية ما هي إلا حركة مستغلة للدين لأهداف سياسية و مقدسة للعربية . و النظام السياسي نظام لا ديمقراطي و عروبي محارب لمظاهر الهوية الأمازيغية .... و من خلال كل هذه الجبهات المفتوحة اتسمت الحركة بمنطق صراعي رافض للآخر كيفما كان توجهه و انتماؤه الإيديولوجي و هو ما سينعكس على الخطاب المؤسس لأدبياتها . و إن هدأت الأحوال تراه يبحث في القضايا المثيرة بشكل عشوائي .
ــ الانغلاقية : لا يقبل هذا التيار أي مجال للنقاش أو الرأي المخالف . فبالرغم من الزعم الذي يتردد هنا و هناك بأنه مدافع عن الديمقراطية والحرية و غيرهما ... فإنه أبعد ما يكون عن الإيمان الفعلي بها . لذا ستجده يدافع عن فلول الأنظمة السابقة التي أسقطها الربيع العربي و عن التخريب الممنهج بأيدي الإقصائيين ما دام يخدم فكرته و أجندته .
لذا ليس غريبا أن تتناسل ردود هذا التيار الاستئصالي الشاذ ، و الذي ليس إلا ظاهرة صوتية و إعلامية ، على حد كلام الأستاذ الريسوني الذي هو رأي جل المغاربة الذين يرفضون المسّ بوطنهم و بسيادته و بمشتركه الجمعي باسم الأمازيغية . و لأن لكل فضاء استثناؤه فالتيار الاستئصالي المتعصب هو استثناء الأمازيغية . و لذا فطريق الإصلاح قد بدأ و سيزيل كل الاستثناءات من الطريق . و كما يقول المثل السوسي : "ورا بهرا تجين إغرداين اول كيغصلح" ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق