الأحد، أبريل 10، 2011

الإشكالية اللغوية و المراجعة الدستورية


بقلم : مصطفى الخلفي
( نقلا عن هسبريس بتاريخ 09 أبريل 2011 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على الرغم من أهمية الحسم في دسترة اللغة الأمازيغية و إنهاء المشكل المرتبط بذلك ، إلاّ أن النقاش اللغوي في بُعده الدستوري ما يزال ضعيفا و محدودا و قاصرا على الانفتاح على الخبرات البشرية و استلهام تجاربها ،
و مفتقدا للرؤية الاستراتيجية ، و هو أمر ناتج من ناحية عن اختزال هذا النقاش في ثنائية دسترة الامازيغية كلغة وطنية أو رسمية ، و من ناحية أخرى في هيمنة ما هو إديولوجي و سياسي على النقاش و تراجع ما هو علمي و معرفي في تحديد الإشكالات الفعلية و الخيارات الممكنة و الناجعة و الفعالة في جعل المراجعة الدستورية جزءا من معالجة شمولية للأزمة اللغوية القائمة في المغرب .
تفيد التجارب العالمية عن خضوع الموضوع اللغوي لأربع محددات : صيانة الوحدة و الاعتراف بالتعددية و تحقيق الانفتاح و حماية السيادة مع هيمنة نزع براغماتية واضحة في تدبير مختلف الإشكالات على ضوء تلك المحددات و بما يجعل من السياسة اللغوية فاعلا في سياسات التنمية و الأمن و ليس العكس ، و يمكن هنا التوقف عند تجارب الدول الرائدة و خاصة منها تجارب كل من الهند و جنوب إفريقيا و إسبانيا ، حيث تبدو العلاقة واضحة بين التنمية و بين السياسة اللغوية الناجعة ، مع التأكيد على أن الوقوف عند هذه التجارب ليس دعوة إلى الاستنساخ بل للخروج من شرنقة المزايدات غير المستندة على أساس علمي و معرفي .
في حالة التجربة الهندية ، فقد خصص الدستور قسما كاملا للموضوع اللغوي هو القسم السابع عشر و الذي اشتمل على 11 مادة موزعة على أربعة فصول ، نتوقف عند ثلاثة منها ، الأول الاعتراف الشامل باللغات الموجودة و التي يبلغ عددها 23 لغة دون تمييز اللهم إلا في المستوى الجغرافي ، حيث يحدد اللغة الهندية بالحرف الديفاناغاري مع استثناء اعتماده في كتابة الأرقام و جاء ذلك بشكل صريح في المادة 343 الفقرة الأولى منها ، بصيغة << اللغة الرسمية للاتحاد هي اللغة الهندية بالحرف الدفاناغاري >> ، و نصّ الدستور على مرحلة انتقالية تجعل من اللغة الإنجليزية هي اللغة المستعملة في الأغراض الرسمية لمدة 15 سنة ، و هو تحديد ورد عند اعتماد الدستور رسميا في سنة 1950 ، كما أقر نفس الدستور قاعدة فتح المجال لإضافة اللغات الرسمية عبر الاقتراح الشعبي و لهذا نجد أن الدستور يضع لائحة باللغات الرسمية لكن في الإطار الجهوي . ثانيا تنصيص الدستور على لجنة رئاسية يكون من مهامها تقديم توصيات للرئيس حول التوسع في استعمال اللغة الهندية و تقييد استعمال اللغة الإنجليزية و أن تكون مؤطرة في عملها بالسعي نحو سياسة لغوية تتيح التقدم الصناعي و الثقافي و العلمي للهند و مصالح غير المنتمين للمناطق ذات الساكنة غير الناطقة بالهندية ، و توازي هذه اللجنة لجنة مكونة من أعضاء مجلس النواب و ينتخبون من قبل هذا المجلس و كذا من مجلس الولايات وفق قاعدة التمثيل النسبي . و ثالثا نص الدستور على أن اللغة المعتمدة في مجال القضاء و القوانين و المبادرات التشريعية هي الإنجليزية إلا إذا تم تغيير ذلك بقانون .
في حالة جنوب إفريقيا نجد نفس التوجه مع التنصيص الدستوري على لجنة وطنية لتشجيع اللغات الرسمية و النهوض بها و تنمية اللغات ذات الاستعمال الديني مثل اللغة العربية و العبرية . و في حالة الدستور الإسباني فقد أقر في المادة الثانية أن اللغة الرسمية هي الإسبانية كما أقر برسمية اللغات الأخرى لكن في إطار جهوي ، و في سنة 2008 أثير مشكل التساوي بين اللغة الرسمية الموحدة وبين اللغات الجهوية الرسمية في إقليم كاطالانيا حيث اعتمد الحزب الاشتراكي المالاني في مؤتمره توصية تقضي بإعطاء الاولوية للغة الكاطلانية و جعل اللغة الرسمية الموحدة لغة ثانية مما خلف جدلا واسعا أنتج صدور بيان اللغة المشتركة و هو جدل ما يزال قائما .
في الواقع نجد أن التجارب الخارجية ذهبت بعيدا في فتح آفاق للتعاطي مع الإشكال اللغوي دون عُقَدٍ لكن في إطار محددات واضحة ، أن السياسة اللغوية لبلد ما هي موضوع تأطير دستوري يضع قواعد صيانة الوحدة و الاعتراف بالتعددية و ضمان السيادة و تحقيق الانفتاح و التنمية ، و هي المحددات التي ينبغي أن نستحضرها و نحن نناقش السياسة اللغوية .
فهناك من ناحية مشكل السيادة اللغوية المنتهكة باستعمار لصالح لغة أجنبية تتوسع هيمنتها دون حماية دستورية ، و هناك من جهة مؤسسات لغوية معطلة لا أثر لها في السياسة اللغوية و خاصة أكاديمية محمد السادس للغة العربية التي صدر قانونها قبل حوالي عشر سنوات دون أن ترى النور ، و هناك جهود متعثرة في تعميم اللغة الأمازيغية المعيارية في التعليم و التي لم تتجاوز بعد 10 في المائة في غياب تنصيص دستوري على المؤسسة المعنية بتنميتها و النهوض بها ، و للأسف اختزل الجدل في قضيتي الاعتراف بها وطنية أو رسمية ، رغم أن القضية أكبر بذلك بكثير .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق