الخميس، مايو 05، 2011

"أمازيغية" الحقد و الكوطا




الدكتور عبد المجيد الجحفة ، متخصص في اللسانيات
 
بقلم : د. عبد المجيد جحفة
( نقلا عن هسبريس في 02 ماي 2011 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعاظم في الآونة الأخيرة خطاب متطرف موضوعه التهجم على اللغة العربية ، و هو خطاب ينطلق من بعض المسلمات الخاطئة ، و منها أن الهجوم على العربية جزء من الدفاع عن الأمازيغية ، و أن الأولى تحتل المكانة التي ينبغي أن تكون للثانية .
و يتجلى تطرف هذا الخطاب في ظهور بعض المجيشين الداعين إلى الفرقة ، و الذين استحلوا امتطاء هذا الموضوع و حققوا به المكاسب و المناصب ،
فتراهم يجدون في انتقاء بعض المفاهيم المتطرفة و اختراع أعداء متوهَّمين حتى يتسنى أخذ الموقف النقيض ... و غدا تطرف هذا الخطاب غير خاف على المتتبع ، خاصة في محاولة استغلاله لبعض أبعاد خطاب حقوق الإنسان ...
هذا الخطاب المتطرف يتجاهل بعض أساسيات الوضع اللغوي في المغرب ، و وظائف اللغات فيه .
إن وضع "الأمازيغية"، هكذا بإطلاق ، إزاء العربية ، في إطار علاقة تقابلية واضحة ، يتطلب أن تكون اللغة "الأمازيغية" واحدة ، و هو ما ليس متوفرا ؛ و يتطلب أن تكون "الأمازيغية" لغة إنتاج مكتوب ، و يعاد إنتاجها في المدارس ، و تنتج عبرها المعرفة إلخ . و هذه كلها خصيصات لا تتوفر للغة "الأمازيغية" . فما يسمى لغة "أمازيغية" عبارة عن أمازيغيات ( الريفية و الزيانية و السوسية ) .
"الأمازيغية" المدافع عنها جزء من خطاب و برنامج مطلبيين .. إنها ، حتى في تصور النظام ، عبارة عن كوطا تضمن نوعا من "التوازن" في إطار تنفيس المطالب .
أما اللغة العربية في المغرب ، فإنها لغة كل المغاربة بغض النظر عن أي عرق مفترض . إنها لغة التعليم ، و يفترض أن يتم الاهتمام بها لأنها تصنع مستقبل أبنائنا .. ينبغي معاملتها بميز إزاء أي لغة أخرى .. إذا غيرنا نظام تعليمنا و جعلنا لغة أخرى هي لغة التعليم وجب معاملتها أيضا بميز . إنه ميز من أجل تحسين الوظيفة .
يعتمد هذا الخطاب المتطرف أيضا صورة مفتعلة مبنية على التباكي على تهميش مفترض للأمازيغيين و للأمازيغية لاستدرار العطف و تحقيق "المكاسب" ، إنها صورة يمكن أن نسميها "المحرقة الأمازيغية".. و الحال أن المغرب كله مهمش ، سواء أكان ناطقا بالأمازيغية أم ناطقا بالعربية .. و المغرب غير المهمش هو المغرب الناطق بالفرنسية .
من خصائص هذا الخطاب أنه خطاب حربي ، خطاب رد فعل . فما أن يكتب أحدهم مستاء من وضعية اللغة العربية حتى تشحذ الأسلحة ، المباشر منها و غير المباشر ، مثل السب و القذف و التلفيق و الدوغمائية . هذا الخطاب يريد أن "يصفي" كل من يتحدث عن العربية و كل من يدافع عنها .
إن من يسوي بين العربية و"الأمازيغية" يرتكب خطأ معرفيا جسيما . فاعتبار العربية و"الأمازيغية" متساويتين رأي لا يقوله إلا جاهل يقفز على معطى اعتماد العربية لغة أساسية في التعليم ، و على حقيقة وظائف كل لغة : وضعية "الأمازيغية" الشفهية ، في مقابل التاريخ الكتابي الطويل للغة العربية . أما كتابية "الأمازيغية" فما زالت في بداياتها ، و كان بالإمكان أن تتطور بشكل أفضل لو لم تحنط في تيفيناغ . كيف نسوي بين لغة عالمية و"لغة" تكابد أبسط مشاكل التمثيل الخطي ؟
هؤلاء الذين يَلِذّ لهم أن يحاربوا العربية من أجل الأمازيغية ، يمكنهم أن يدافعوا عن الأمازيغية دونما حاجة إلى محاربة العربية.. و لكن الأمازيغية التي يدافعون عنها ، في حربهم ضد العربية ؛ أمازيغية تطرف ، أمازيغية لا تستقيم بدون هجوم على العربية .. إنها أمازيغية الحقد ، أمازيغية الاستفراد لا أمازيغية الاتحاد ، أمازيغية العرق لا أمازيغية المكتسب المشترك ... و اللغة المفترى عليها ليست سوى وسيلة .
الأمازيغية و العربية ملك لكل المغاربة ، و ليستا أصلا تجاريا للبعض . أعجب ممن تعتبر العربيةُ جزءا منه وهو يحاربها .. فلمَ لا تحاول ، أيها المحارب ، كتابة حروبك بالأمازيغية ؟ و هل تملك طاقة تعبيرية بالأمازيغية تضاهي طاقتك في العربية ؟
العربية عربية كل المغاربة ، بمن فيهم من يحاربها (إذ يحاربها بها ، و هذا مشكل نفسي عويص ) ؛ و الأمازيغية أمازيغية كل المغاربة ... الأمازيغية ليست انتماء عرقيا ، إنها لغة ، إنها تراث و مكتسب ، و كل المغاربة مدعوون للدفاع عنها ، ليس بوصفها ندا أو عوضا عن اللغة العربية .
المغرب ليس فيه أمازيغ و عرب .. الأصل لا وجود له ؛ فوراء كل أصل أصل ، وصولا إلى مخلوقات داروين ، أو إلى بعض الأساطير المؤسِّسة .. المغرب فيه ناطقون بالعربية ( بمختلف ألوانها ) و ناطقون بالأمازيغية ( بمختلف ألوانها ) .. و بينهما مساحات شاسعة جدا من التفاعل المنتج عبر التاريخ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق