السبت، مايو 28، 2011

في ندوة للمركز المغربي للدراسات و الأبحاث : لماذا دسترة الأمازيغية لغـة وطنية ؟

بقلم : علي الباهي
(نقلا عن جريدة التجديد بتاريخ 27 ماي 2011 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كثيرة هي الأسئلة و الخلاصات التي طرحت خلال الندوة العلمية التي نظمها مساء الخميس بالرباط المركز المغربي للدراسات و الأبحاث المعاصرة تحت عنوان : << دسترة الأمازيغية : الخيارات و التحديات >> . و من أبرز الأسئلة التي طرحت :
ــ هل دسترة الأمازيغية في إطار التعاقد الحالي يجب أن يتجه نحو الترسيم أم الوطننة ؟
ــ و ما هي مرتكزات الداعين إلى دسترة الأمازيغية كلغة وطنية و مرتكزات طرح دسترتها كلغة رسمية ؟
ــ وماهو السيناريو الأنسب لتدبير هذه الإشكالية ؟
ــ ثم كيف تم تدبير المعطى اللغوي في الدراسات المقارنة ؟
ــ و هل تمتلك الأمازيغية كامل الجاهزية الذاتية التي يشتغل في إطارها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية منذ عشر سنوات لكي يتم دسترتها كلغة رسمية ؟
أما من حيث الخلاصات ، فبغض النظر عن بروز ثلاث طروحات في علاقة الأمازيغية بمسألة الدسترة ، إلا أن الكل اتفق خلال ذات الندوة على ضرورة تأطير تدبير المعطى اللغوي في التجربة المغربية انطلاقا من تجنب السيناريو الأسوأ ، و أيضا حسم التدبير الدستوري للوضع من خلال مرتكزات أساسها ضمان الوحدة الوطنية ، و التعددية ، و تحقيق الانفتاح ، و تحقيق السيادة . ثلاث مداخلات مركزية و غنى النقاش المتسم في غالبيته بالطابع السجالي العلمي ، أبرز وجود ثلاثة طروحات في ما يرتبط بالجواب عن سؤال : هل الدسترة في المرحلة التاريخية الراهنة يجب أن تحسم في اتجاه الترسيم أم في اتجاه التنصيص على وطنيتها ؟
سؤال اللحظة التاريخية في مغرب اليوم حسب مصطفى الخلفي ، مدير المركز المغربي للدراسات و الأبحاث المعاصرة ، هو : هل السيناريو الأنجع لتدبير مسألة دسترة الأمازيغية هو في اتجاه دسترة وطنيتها أم ترسيمها ؟ و اعتبر الخلفي في مداخلته على إن إمكانية الحسم سيرتبط بشكل أساسي بالنقاش الذي سيلي الكشف عن المسودة الأولية للتعديلات الدستورية . و شدد الباحث على مرتكزات المدافعين عن الترسيم تتلخص بشكل أساسي بحجج تعضد مرتكزات الوطنية ، بالمقابل فإن مرتكزات دعاة دسترة الوطنية ترتبط أساسا بهواجس منبعها العامل الخارجي . و هو ما يجعل من أمر إيجاد الحد الأدنى المطلوب لإحداث قناعة نهائية تهم الحسم في أي سيناريو ينبغي اعتماده مسألة مصيرية و أولوية راهنة .
و أبرز الخلفي أن المرتكزات تتخذ خمسة عناوين كبرى ، فمرتكزات كل طرف تستند على المعطيات التاريخية و الاجتماعية و اللسانية و السياسية . و هو ما يفضي في النهاية إلى بروز ثلاثة توجهات كبرى : توجه يدعو إلى ترسيم الأمازيغية مع الإحالة على قانون تنظيمي يدعم الاستعمال . توجه ثاني يكتفي بالدعوة إلى ترسيم الأمازيغية دون الحديث عن قانون تنظيمي منظم . تم هناك توجه يتبنى طرح دسترة الأمازيغية كلغة وطنية مع الإحالة على قانون تنظيمي .
و شدد الخلفي في هذا السياق ، على ضرورة عدم الخلط بين المرتكزات التي ينبغي الارتكاز عليها في مقاربتي الترسيم أو الوطنية . مادام أن الحديث عن اللغة الوطنية تحيل على المعطى الهوياتي في مواجهة الأجنبي ، بينما الترسيم يحيل على المعطى الوظيفي التقني .
و ارتكز الخلفي في مقاربته للموضوع على ما انتهى إليه المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية . في هذا الإطار ، فإن تقييم عمل المعهد ، من خلال مجهودات مركز التهيئة اللغوية في إنتاج عدد من المعاجم ، يؤكد على ثلاثة معطيات تخص مدى جاهزية الأمازيغية كلغة معيارية يمكن الحسم في مسألة ترسيمها . ذلك أن معطيات المعهد تؤكد على أن حجم البرنامج الكبير المطروح مازال يتطلب زمنا لاستكمال حلقاته ، و أن الجاهزية اللسانية لم تصل بعد إلى إنتاج لغة معيارية تتوفر على الحد الأدنى من الاستعمال . ثاني عناصر الجاهزية هو أن جاهزية اللغة الأمازيغية المعيارية لم تحقق الحد الأدنى من إمكانات التداول في المعيش العمومي . ثالث العناصر تشير إلى أن نسبة تدريس الأمازيغية محددة في 12 % .
هذه العناصر تجعل ، وفق ذات الرؤية ، أننا أمام ضعف المشترك العمومي في تداول الأمازيغية ، إضافة إلى عدم الجاهزية الكاملة الوظيفية التقنية للأمازيغية كلغة معيارية موجدة للهجات الحالية . هذا الوضع ، وفق الخلفي ، يجعل الجميع أمام سؤال : هل تحت الضغط السياسي الراهن يمكن الحسم في سيناريو الترسيم ؟ معتبرا أن السيناريو الأنسب يتمثل في ضرورة التنصيص دستوريا على رسمية العربية . مع جعل كل من العربية و الأمازيغية لغتان وطنيتان . على أن يصدر قانون ينظم كيفية استعمال و توسيع إدماج الأمازيغية . و شدد الخلفي على أن تدبير السياسة اللغوية في المرحلة المقبلة يجب أن يتم في سياق كلي في إطار مؤسسة أعلى للغات تدير صيغ تقوية حضور اللغة العربية الرسمية و الأمازيغية في الفضاء العام في مواجهة الامتدادات اللغوية الأجنبية الكاسحة .
ناصر أزداي ، ناشط في الحركة الأمازيغية و عضو مجلس الإدارة بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ، تحدث عن المسوغات التي يرتكز عليها دعاة الترسيم . و قد لخصها في مداخلته في النقط التالية : أولا ، المدخل الحقوقي و الديمقراطي يفترض الاعتراف بالمعطى الأمازيغي و ذلك من خلال الدسترة عبر الترسيم . ثانيا أن الترسيم ترتكز على مبدأ احترام التنوع اللغوي و الثقافي و احترام التعدد الذي يستمد مسوغاته من مختلف المعاهدات الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان . ثالثا : إن دسترة الأمازيغية كلغة وطنية هو عبارة عن تحصيل حاصل و المطلوب في المرحلة الراهنة الانتقال إلى الترسيم . رابعا : تجربة إدماج الأمازيغية في الإعلام و المدرسة بينت الحاجة الماسة إلى الحماية القانونية التي من شأنها تسريع وتيرة الإدماج في الحياة العامة . و شدد أزداي على أن المعهد يرتكز في تبنيه لمسألة تدبير دسترة الأمازيغية على مرجعية خطاب 9 مارس . مذكرا على أن اشتغال المعهد في إعادة التهيئة اللغوية للأمازيغية كشفت عن فراغات يتطلب ملأها من مدخل الحماية القانونية . أما عن مسوغات الدسترة كلغة رسمية ، فحصرها أزداي في ثلاث مرجعيات : أولها المرجعية التاريخية ، و التي تحيل أساسا على أن البعد الأمازيغي المشكل للهوية المغربية . ثانيا : المرجعية الوطنية المستندة على النضال الحقوقي و توصيات هيئة الإنصاف و المصالحة . ثالثا : المرجعية الدولية المرتبطة بالتعدد الثقافي و اللغوي . و الخلاصة ، وفق أزداي ، أن التعاقد السياسي يجب أن يكون تعاقد مع الواقع .
أما فؤاد أبو علي ، الباحث في اللسانيات ، فانطلق من إبراز أربع ملاحظات على هامش طرحه لمسألة اللغة و الدسترة ، أولها أن الثورات العربية بينت أن معطى الحفاظ على الوحدة الوطنية أصبح يشكل الخط الأحمر للجميع ( لقد كانت بعض الأوساط اليمنية تدعو إلى انفصال الجنوب عن الشمال لكن مع الثورة الحالية الجميع يدمج مطالبه تحت عنوان كبير اسمه الوحدة و الديمقراطية ) . ثاني الملاحظات ، حسب أبوعلي ، هو أن بعض الأطراف الأمازيغية في المغرب استغلت خطاب 9 مارس الذي تحدث عن الهوية الأمازيغية لكي تقزم النقاش و تحوله إلى صراعات فئوية . و هو ما أفضى إلى الملاحظة الثالثة المتلخصة في كون النقاش الدستوري حول دسترة الأمازيغية يتحول في جزء كبير منه إلى سجال إيديولوجي . رابع الملاحظات هو النقاش لدى البعض تجاوز مسألة اللغة إلى الحديث عن الفضاء الإقليمي و العلم و الأعراف .
و انتقل أبوعلي إلى الحديث عن فرضيات دسترة اللغة في العالم الحديث ، مبرزا أن الصيغة الأكثر حضورا في دساتير العالم هي مصطلح اللغة الرسمية ، مع وجود صيغ لتدوين اللغة الوطنية ، فيما يظل تعبير اللغة الأم الأقل حضورا في الدساتير . مشددا من جهة أخرى على تنوع وضعية حضور اللغة في البناء الدستوري في التجارب العالمية . أما فيما يتعلق بصيغ حضور اللغة في الفقه الدستوري المقارن فهي ثلاث وفق أبوعلي . الصيغة الأولى هي فرضية المركزية اللغوية ، أي حضور لغة واحدة في التعبير الدستوري ، و تمثل فرنسا نموذج هذه المدرسة . الصيغة الثانية هي فرضية الاستقلالية الجهوية ؛ أي وجود لغة وطنية موحدة و لغات جهوية رسمية . و تنتمي جنوب إفريقيا إلى هذا النموذج الذي يرتبط في شكله بسياق خاص لكيفية تشكل الدولة الوطنية . ثالث الصيغ : فرضية التماهي بين المجال الترابي و المعطى اللغوي (سويسرا نموذجا). رابع الصيغ هي فرضية التماهي مع الحق الفردي ؛ و تمثل كندا نموذج هذه المدرسة . أما في الحالة العربية فهناك نموذجين أساسيين : نموذج الأحادية اللغوي (مصر) و نموذج التعدد اللغوي (السودان، الصومال، لبنان).
من جهة أخرى ، عبر أبوعلي في مدافعته عن طرح الوطنية على أن ترسيم الأمازيغية في الوضع التاريخي الراهن للمغرب المعاصر ، و في ظل الضعف الذي تعاني منه اللغتان الوطنيتان ، من شأنه إضعاف العربية و الأمازيغية معا لصالح اللغة الفرنسية (الدرس اللبناني ماثل أمام الجميع) . مشددا على أن الحديث عن الدسترة اللغوية ينبغي أن يرتبط بمحددات لازمة ، عناوينها : ضمان الوحدة الوطنية ، الاعتراف بالتعددية ، و أن نقارب الموضوع من جهة اللغة التي يمكن أن تنقل المغاربة إلى مجتمع المعرفة .
بخصوص أوهام طرح ترسيم الأمازيغية ، فلخصها أبوعلي ، في قول دعاة الترسيم أن الترسيم هو الكفيل بالاعتراف بالحق . منبها في هذا الإطار أن جعل الاعتراف مرتبط أساسا بجعل الأمازيغية لغة وطنية مادام أن الوطننة ترتبط بالهوية و المعيش اليومي ، بينما الترسيم يرتبط بالاستعمال في إطار السياسات العمومية . ليتساءل الباحث : هل الظلم الاجتماعي التي تعاني منه بعض الشرائح الأمازيغية مرتبطة بأمازيغيتهم أم لموقعهم الاجتماعي ؟ مشددا على أنه حان الوقت لفك الارتباط بين طروحات تدبير اللغة و بين شعارات التهميش و الحق . و خلص أبوعلي إلى التأكيد على أن 10 سنوات من عمل المجلس الملكي للثقافة الأمازيغية يجعل الجميع يتساءل : هل هناك فعلا لغة أمازيغية واحدة ؟ و مستخلصا في ذات الوقت على أن النماذج العالمية ( التي ترتكز على البرغماتية و الفعالية و السيادة الوطنية) في تدبير المعطى اللغوي يكشف اتجاه عالمي نحو الأحادية في الترسيم في ظل تدبير خلاق للتنوع و التعدد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق