الأحد، مايو 22، 2011

الحركة الأمازيغية و حرب التطهير اللغوية

بقلم : جواد غسال
(نقلا عن موقع التوحيد و الإصلاح بتاريخ 03 يناير 2011 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثمة ملاحظة جديرة بالإهتمام بخصوص تعامل النخب الأمازيغية مع الواقع اللغوي في الدول المغاربية ، وهي السعي المستمر إلى تنسيق جهودها في حرب شاملة تجاه كل ما له علاقة باللغة العربية و الحرف العربي ، في أفق تصفية قرون من إرث التفاعل اللغوي الحاصل بين اللغتين ، في الوقت الذي
تتوجه البحوث العلمية و اللغوية والأكاديمية إلى دراسة التفاعل اللغوي بين اللغة الأمازيغية و لغات الشعوب القديمة مثل الفينيقيين و القرطاجيين و الرومان و الوندال ثم البيزنطيين و تنصب على هذا التفاعل كل الدراسات الأركيولوجية الحديثة ، ما يدل على استمرار العديد من القوى في ''حرب'' التطهير اللغوية ، التي تقوم بتنظيمها مجموعة من المعاول في العديد من الأصعدة ، برزت بعد سنة 2003 ، و احتدمت في السنوات الأخيرة من العقد الحالي .
و تعتبر النخبة الأمازيغية المغربية الأكثر فعالية في تنظيم و قيادة هذه الحرب ، بالرغم من كونها (أي النخبة الأمازيغية بالمغربية) حديثة العهد بشأن الحسم في حرف الكتابة ، و تأسيس قطبها المرجعي ممثلا في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ، و إدخال الأمازيغية إلى سلك التعليم ، متسمة بازدواجية في خطابها ، بدعوتها علنا إلى منح الحقوق اللغوية و الثقافية للأمازيغية (و هو حق و واجب وطني في نفس الآن) ، و تمكينها من مكانتها في المجتمع المغربي ، بما لا يمس اللغة العربية، و سعيها المتواصل ، على المستوى الفعلي ، إلى إنهاء مرحلة التساكن و التماهي و التفاعل اللغوي الذي وقع بين العربية و الأمازيغية طيلة أربعة عشر قرنا من الزمن ، و تتخذ حرب ''التطهير'' اللغوية هاته عدة أشكال منها :
1 ــ تحول الخطاب الأمازيغي من الدفاع عن الحقوق اللغوية و الثقافية للأمازيغية ، إلى الدفاع عن اللغات العامية و الدارجة المغربية ، باعتبارها '' لغات وطنية'' إلى جانب الأمازيغية ، و اعتبار أي دفاع عن اللغة العربية دفاعا عن كلاسيكانية تقليدانية تحاول إرجاع المغرب إلى الوراء ، و لا يتمسك بها ، حسب ذات الخطاب ، إلا الفكر السلفي المنغلق ، و يدخل هذا الدفاع في إطار استراتيجية واضحة ، من خلال تأويل التحولات التي يعرفها الخطاب الأمازيغي ، ترمي إلى حصر النقاش في ثنائية ''الأمازيغية'' و ''الدارجة المغربية'' عوض ''الأمازيغية'' و ''اللغة العربية'' .
2 ــ و تمثلت عملية التطهير ، ثانيا ، في الحملة التي قادها مجموعة من مثقفي النخبة الأمازيغية ، في مطالبة العديد من التنظيمات و مراكز البحث بالتخلي عن استعمال الحرف العربي في كتابة الأمازيغية ، كما فعلت النخب الأمازيغية المغربية و الجزائرية ، مع المؤسسة الثقافية الأمازيغية في ليبيا و موقعها على الأنترنيت ''تاوالت'' ، و مطالبتها إياه بالتخلي عن كتابة الأمازيغية بالحرف العربي ، الذي تعد المؤسسة الليبية آخر قلاعه المشيدة ، بالرغم من المحاولات و المراسلات الكثيرة التي طالبت بذلك ، و قادت مجموعة من الأدلة و البراهين التاريخية و اللغوية لإقناع مدير المؤسسة بالتخلي عن الحرف العربي و استبداله بالحرف اللاتيني .
3 ــ ومن جهة ثالثة ، تعتبر أغلبية تيارات الحركة الأمازيغية حرف ''تفيناغ'' مجرد مرحلة انتقالية قبل استعمال الحرف اللاتيني في كتابة الأمازيغية ، و هو ما يجسده سير الكثير من النخب الأمازيغية نحو الكتابة بالحرف اللاتيني ، الذي يظهر على مستوى الشعر و الروايات و القصص و الكتابات الأخرى نموذجا في اختراق الجدل الدائر و تجاوز الحرف الذي اعتمدته المعاهد الرسمية ، المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالمغرب ، و المحافظة السامية للأمازيغية بالجزائر ، نحو الحرف اللاتيني ، مقدمة ( أي النخبة) ''أدلة'' على كون ''الحرف اللاتيني'' هو الأصلح لكتابة الأمازيغية باعتباره ''حرفا كونيا و يمثل حضارة رائدة'' .
4 ــ و يقود باحثو المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ، من جهة رابعة ، حربا أخرى تقوم على تطهير كل المعاجم من الكلمات العربية و الإبقاء على الكلمات الفرنسية و الاسبانية ، أدى إلى استناد المعاجم الأمازيغية في كثير من الأحيان على قاموس ''تاجرومت نتمازيغت'' للجزائري مولود معمري و قواميس أخرى ، بالإضافة إلى مجموعة من الاجتهادات الفردية ، تتعامل مع الألفاظ ''الدخيلة'' بازدواجية ، بمحاولتها إنهاء وجود العربية ، و إبقائها على الألفاظ الفرنسية و الإسبانية و الألفاظ الدخيلة التي لا يوجد لها مثيل في الأمازيغية ، باعتبارها نتاج التفاعل اللغوي .
و من الخلاصات التي يخرج بها متتبع التحولات في الخطابات الأمازيغية ، اقتناعها بكون المغرب ظل يعاني من ''إيديولوجيا التعريب المطلق'' ، و هو ما جعلها تستغل الآليات الجديدة التي اكتسبتها لتقود ''إديولوجيا التمزيغ المطلق'' ، و في مشهد أقرب إلى انتقامات ''الصعيد'' ، حولت الحركة الأمازيغية ، في خطابها ، الأمازيغية إلى لغة وطنية فصحى يجب أن يتعامل بها الكل ، مع أنها محصورة في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ، و تعد معاداتها معادة ''للسامية'' (و المقصود هنا الأمازيغية الممعيرة)، و حولت اللغة العربية إلى أحد الطابوهات التي تهاجمها كلما علا صوت يناصرها ، ليثبت الباحث الأمازيغي أحد أوجه التناقض في اعتبار الأمازيغية لغة تنتمي إلى دائرة اللغات السامية - الحامية من جهة ، و البحث عن القواسم المشتركة بينها و بين لغات تعد خارج دائرة عائلتها اللغوية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق