السبت، مايو 28، 2011

الصميلي: لا سبيل للنهوض باللغة العربية إلا بائتلاف


(نقلا عن موقع حركة التوحيد و الإصلاح بتاريخ 27 يناير 2011)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نفى الدكتور حسن الصميلي وجود صراع لغوي بين اللغة العربية و اللغة الدارجة لأن العربية في أصلها لغة مركبة من شكلين أحدهما الفصيح و هو ذو مكانة رفيعة و الثاني العامي في مستوى أدنى ، داعيا في حوار أجرته معه '' التجديد'' ، إلى الابتعاد عن الأيديولوجيا عند نقاش المسألة اللغوية في المغرب ، مؤكدا في الوقت نفسه أن اللغتين الوطنيتين العربية و الأمازيغية مهددتان بالإقصاء لصالح الفرنسية مستدلا على ذلك بحشرهما في صراع .
هما معا في غنى عنه ، مشددا على أن اللغة الفرنسية منذ الاستقلال إلى اليوم تعرف تطورا على حساب اللغات الوطنية ، و بالتالي فالمشكل الحقيقي هو صراع الفرنسية ضد العربية
ــ كيف ترون نقاش اليوم حول اللغة العربية و الدارجة المغربية ؟
ثمة مستويان لنقاش هذه القضية ، الأول هو أنه من المعلوم عند الباحثين أن اللغة العربية عُرِفت منذ الأزل بكونها مزدوجة أو ما سماها فركسون منذ 1959 ''الديغلوسيا'' التي تعني أن لبعض اللغات شكلين ، فالأول له صورة مجتمعية رفيعة ، و الثاني له صورة مجتمعية أدنى ، هذان الشكلان يتعاملان بتطابق و بينهما علاقة جدلية ، فإذا أخذنا اللغة العربية فكثير من المهتمين باللغة العربية يقولون بأن اللغة العربية في شكلها الفصيح لم تكن في يوم من الأيام لغة تداول يومي ، لفئة معينة هي نوع من التوافق اللغوي اتخذته مجموعة قبائل عربية و تعاملت به عند التقائها ، سوق عكاظ نموذجا ، فعندما كان العرب يريدون أن يؤلفوا شعرا يلجؤون لهذه الصيغة من اللغة العربية ، و كذا في اجتماع القبائل يتم التخاطب باللغة المشتركة و التي هي الفصحى ، القرآن أيضا نزل بهذه اللغة المشتركة لكل العرب ، و معناه أنه قبل الإسلام و بعده كانت اللغة مشتركة و كذلك الشكل اللغوي المنحصر في جماعة معينة مثلا قبيلة يثرب كانت لها لغة خاصة .
ــ هل ثمة صراع بين اللغة العربية الفصحى و الدارجة ؟ و هل حاولت الفصحى إقصاء الدارجة ؟
لا وجود لصراع بينهما لأن اللغة العربية حسب ''فركسون'' التي تعني أن لبعض اللغات شكلين العالي هو الفصحى و الأدنى هو العامية ، و بالتالي فمن الناحية العلمية المحضة ، اللغة العربية دائما حاضرة بشكليها الدارج و الفصيح و مع نزول القرآن ازدادت مكانة الفصحى رفعة ، و المتخاطبون بالفصحى صاروا يعتقدون أن اللغة الحقيقية هي الفصحى و أن الدارجة أدنى مستوى ، فاللغة العربية لغة الدين و الثقافة و الكتابة و لغة الفكر ...
ــ أليس هذا مبررا لخصوم الفصحى لإقصائها ؟
هذا ليس مبررا لإقصاء الفصحى أو التنقيص من الدارجة ، فالدارجة هي الشكل اللغوي الأم ، و حتى لا أقول لغة فهما معا شكلان لغويان للغة العربية ، أي وجهان لعملة واحدة .
ــ و لكن هناك جمعيات عوضت الفصحى بالدارجة في التربية غير النظامية و حققت نتائج متميزة في التكوين ؟
قبل كل شيء يجب أن نتحلى بالعلمية في خطابنا و أن نتجنب الأيديولوجية ، لست ضد الأستاذ الذي يتحدث بالدارجة ، و في نظري هذا نقاش مغلوط ، ففي الستينات و السبعينات لم يكن هذا المشكل قائما و كان مستوى التعليم متميزا ، لهذا أقول إن المشكل مفتعل و أيديولوجي ، و أعطيك مثالا على ما أقول ، الحوار بين الدارجة و الفصحى استمر في مصر لمدة أكثر من 90 سنة منذ نهاية القرن التاسع عشر كان النقاش حول العربية و العامية و انخرط فيه علماء و مفكرون كبار من أمثال سلامة موسى و طه حسين و العقاد ، و لم يكن بين أيديولوجيين ، و لم يخرج أي طرف منتصرا فيه ، لكن الفائدة التي حصَّلتها مصر منه هو القبول المتبادل ، و كنتيجة لذلك يشرح الأستاذ الدرس في الجامعة المصرية بالعامية و الطلبة يدونون بالفصحى دون أدنى مشكل . لذلك أُصر على أن هذا النقاش مغالطة كبيرة ، و يضيفون إليها أن المستوى التعليمي انحط نتيجة التعريب .
ــ هل الصراع اللغوي في المغرب موجود فعلا ؟ و ما هي أطرافه ؟
الصراع قائم و نحن غير واعين به ، و هناك إشكالية لغوية في المغرب و درجة الوعي بها غير كافية ، فمثلا مشكل اللغة معقد و خلق مشكلا في مجال التعليم فميثاق التربية و التكوين لم يخرج بموقف واضح ، المجلس الأعلى للتعليم عقد دورات لم تخرج بنتيجة و تأجلت دورة اللغة إلى تاريخ غير محدد و الوزارة كذلك ، أي لا أحد استطاع اتخاذ قرار واضح ، بسبب بسيط هو أن الصراع قائم و لأن القضية سياسية ، فالمشكل هو في السياسة اللغوية و ليست في اللغة .
ــ من يريد إقصاء العربية ؟
الأصل من يريد إقصاء اللغتين الوطنيتين العربية و الأمازيغية ، و الدليل هو كونهما حشرتا في صراع هما في غنى عنه و هما لغتان وطنيتان ، بالمناسبة فمنذ السبعينات و أنا أناضل دفاعا عن الأمازيغية و أنا لست أمازيغيا و قد اشتغلت في بحثي على الأمازيغية ، و بالتالي فموقفي هو أن لا صراع بين اللغتين العربية و الأمازيغية و تطور الأمازيغية رهين باعتمادها على العربية و ليس في الابتعاد عنها .
ــ لمصلحة من الصراع بين اللغتين العربية و الأمازيغية ؟ ما معنى رفض أعضاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بداية كتابة تيفيناغ بالعربية ؟
كتابة تيفيناغ بغير الحرف العربي موقف أيديولوجي ، و عضوية المعهد خضعت لانتخابات بمعنى كانت استجابة لمطلب سياسي أكثر منه قرارا علميا ، لكن المهم هو أنه لو كان هناك صراع بين العربية و الأمازيغية لزالت الأمازيغية ، بفعل سلطة الدولة و قدراتها ، و لنأخذ مثالا من فرنسا ففي عهد ''فرنسوا الأول'' تقررت اللغة الفرنسية و حوربت اللغات المحلية و المناطقية ، أما في تاريخ المغرب فبالعكس تماما فقد استمرت اللغة الأمازيغية بأشكالها الثلاثة إلى يومنا هذا ، و في المحصلة نخطئ كثيرا مع من نخوض الصراع .
المشكل الحقيقي هو صراع الفرنسية ضد العربية ، فالفرنسية منذ الاستقلال إلى اليوم تعرف تطورا على حساب اللغات الوطنية.
كيف تتطور مكانتها ؟
عندما اختارت الحكومات الأولى في المغرب الاحتفاظ بالفرنسية كلغة مساندة للغة الرسمية التي هي اللغة العربية اعتقادا منها أنها ستكون لغة مساعدة ريتما تحل العربية في الحياة العامة و المقاولات ، غير أنه في الفترة بين 1960 و 1965 وقعت أحداث سياسية أدت إلى نشوء حكم فردي ، في ظله تطور وضع اللغة الفرنسية من لغة مساعدة إلى لغة مهيمنة على وظائف اللغات الوطنية ، من حضور مشارك و أكثر من نصف في التعليم في الحياة العامة و الإدارة إلى وجود احتكاري و وحيد في بعض الحالات التقنية أو التجارية أو المقاولاتية إلى الآن ، و بالأمس فقط عرضت القناة الثانية تقريرا عن ''مهرجان التسامح'' ، حضره مائتا ألف شخص ، نشط فقراته مذيع فرنسي و الفرق المشاركة فيه فرنسية ، و تم كل هذا بمدينة أكادير المغربية و نعلم جميعا نسبة الأمية في البلاد ، ناهيك عن أن المنطقة أغلب ساكنتها ناطقون بالأمازيغية  .
هذا دليل آخر على الانتقال من المساعدة إلى الحضور القوي في المقولة إلى الحضور في الإعلام من ميدي1 إلى القناة الثانية و تجاوزهما إلى الاستحواذ على المجال الثقافي بتنظيم مثلا ''استوديو دوزيم'' الذي أقحموا فيه بتعسف الغناء باللغة الفرنسية و حاليا نحن في فترة التواجد الفني المهيمن . فنحن في مجال ذي دينامية قوية و من جانب واحد .
ــ لمصلحة من يتم القطع مع جذورنا اللغوية و ربطنا باللغة الفرنسية ؟
الجانب الاقتصادي حاضر بقوة و الثقافي صار اليوم في خدمة هذا الجانب ، و هو مرتبط باستحواذ فرنسا على جانب كبير من الاقتصاد المغربي و قطاع الاتصالات خير دليل على ما أقول ، ففي زمن العولمة تعتبر فرنسا هي عولمتنا ، في الوقت الذي ينبغي أن ننفتح على الثقافة الأنجلوسكسونية و الثقافات الأسيوية بل و حتى البلاد العربية .
ــ و لكنكم لم تقبلوا الفرنسية رغم تاريخية العلاقة فكيف نصدق دعوى قبول الانجليزية أو الصينية ؟
المطلوب هو القبول المتبادل في العلاقة مع فرنسا ، لا أن تستحوذ الثقافة الفرنسية علي ويصبح مفروضا علي أن أحاور أبنائي داخل بيتي بالفرنسية ، و يطلب مني أن أتسامح ، هذه مأساة حقيقية ، ففي بلد لا يتقن إلا 10 بالمئة من أهله اللغة الفرنسية ، كيف يطلب من البقية أن تتواصل مع أبنائها باللغة الفرنسية مع التعليم الخاص ؟ هناك شبه إجبار على تعلم اللغة الفرنسية حتى داخل مستوى ما قبل الأولي بينما ترفض العربية بدعوى أن الطفل يتلقنها داخل بيته و في الشارع .
و بالمناسبة أصبح التعليم الجيد في المغرب رهينا بالمعاهد الأجنبية و البعثات ، و الغريب أن بعض الآباء يدفعون ''الرشا'' للموظفين الفرنسيين بالبعثات حتى يضمنوا تسجيل أبنائهم داخل هذه المؤسسات ، فأخطر تَجَلٍّ لما نعيشه هو النظام التعليمي ، فالمنظومة التعليمية في أسوأ حال رغم المجهودات المبذولة ، إذ كل أسرة تسعى إلى أن تضع أبناءها إما في البعثة الفرنسية أو المدارس الخاصة ، المشكل هو أن هناك اتجاها يقول بأن الفرنسية هي لغة الشغل و الترقية الاجتماعية ، عند زيارة أي مدرسة خاصة تلاحظ هذا الحضور للغة الفرنسية ابتداء من سلك ما قبل التعليم الأولي ، بصراحة هناك انفلات أمني لغوي إن شئتم القول .
ــ ما هي مكانة العربية في المغرب ؟
الفرنسية هي اللغة الأولى في المغرب ، و الحمد الله أن العربية غير خاصة بالمغرب و إلا ضاعت ، و ثانيا القرآن و هما الضمانتان الحاميتان للغة العربية ، في فرنسا مثلا إذا تحدث المسؤول في الحكومة بغير الفرنسية في مؤسسات الدولة يجبر على الاستقالة ، من ناحية أخرى نجد أنفسنا في 2011 أمام لغة تفقد مكانتها في المقابل يتم تجاهل اللغة الانجليزية التي تجتاح الكون و بالتالي فالمغرب يعاني ديبلوماسيا من انحصار اللغة الفرنسية  .
ــ لماذا اخترتم في جمعية المسار 11 يناير لتنظيم ندوة حول ''المسألة اللغوية في المغرب'' ؟
فقط هو تصادف ، الفكرة جاءت من كون المسألة اللغوية حيوية و ذات طابع سياسي و مسألة مصيرية و لا يجوز أن نسكت عنها خصوصا و أننا نعيش دينامية لا تتوقف و في اتجاه واحد ، فطرحنا داخل الجمعية ضرورة إيجاد صيغ للتعامل مع اللغات سواء الوطنية أو الأجنبية ، فكانت الفكرة يوما دراسيا و ذلك يوم 11 يناير .
بدأنا الإعداد لهذا اليوم الدراسي منذ شهر شتنبر الماضي و تبركا بهذا اليوم الكبير الذي قدمت فيه وثيقة المطالبة بالاستقلال ، نتيمن بهذا اليوم لكي يكون نفس التحول من الفوضى اللغوية التي تعيشها بلادنا نتحول إلى سياسة لغوية رصينة تخدم المغرب حقا كدولة و كمجتمع و مواطنين ، لأننا نقول إن مسألة اللغة خطيرة و لها انعكاس على سيكولوجية الفرد و علاقاته داخل المجتمع و أيضا علاقة الدولة بالخارج و نظرة الآخرين لنا كدولة و كمجتمع ، أقول إننا في وطن مزدوج اللغة و قد بلغنا درجة من النضج الفكري ، و بأن المغرب مجتمع يعيش برافدين ثقافيين العربية و الأمازيغية و نحن أيضا واعون بانتمائنا إلى مختلف المجموعات العربية الإسلامية الافريقة و لنا أيضا ما ورثناه من الحضارة الأندلسية و المتوسطية و أيضا بحكم موقع المغرب الجيو سياسي و الثرات الذي نفتخر به .
لكل هذا ندعو لانفتاح حقيقي ليست اللغة الفرنسية كافية للاندماج فيه ، فاللغة ليست وسيلة تواصل فقط بل هي تصورات و أفكار عن العالم ، و لأن الفكر و اللغة داخلان في علاقة جدلية ، أحدهما يصنع الآخر ، و نتمنى أن يكون اليوم الدراسي بداية ورش كبير ، لذلك أسمينا الندوة ''المسألة اللغوية في المغرب الورش الوطني الكبير'' ، فهو إذا انطلاقة لعمل نتمنى أن يكون علميا أكاديميا و أن يتجنب الأيديولوجية المحضة ، فبطبيعة الحال لكل نظرته تجاه قضية اللغة ، غير أننا نريد فعلا نقاشا حقيقيا و علميا مع اشتراطنا بطبيعة الحال أن تكون اللغات الوطنية هي لغة البلاد ، و بخصوص اللغات الأجنبية نريد تحديد طبيعتها في العلاقة مع التطور الذي عرفه العالم من حولنا بهدف خدمة وطننا و مجتمعنا .
ــ تعتزمون تأسيس ائتلاف للدفاع عن اللغات الوطنية كيف جاءت الفكرة ؟
اليد الواحدة لا تصفق لهذا أردنا أن يكون لنا حضور مجتمعي وازن و لا سبيل إلى ذلك إلا عبر الائتلاف و هو بالمناسبة مفتوح يبدأ بجمعيات حماية اللغة العربية و حماية اللغة و الثقافة الأمازيغية و جمعيات إعلامية وطبية و اقتصادية و معنا أيضا الاتحاد العام لمقاولات المغرب و عدد آخر من الفعاليات التي بدأت تعي أن الفرنسية ليست قدرا محتوما و هذا الأمر شجعنا على العمل .
ــ ماذا عن الأحزاب ؟
الائتلاف سيقدم بيانا يوم 11 يناير يدعو فيه الجميع إلى التعاون معه من أجل الدفع باللغات الوطنية و سنقدم برنامج عمل 2011 فيه الاتصال بالبرلمان و الأحزاب و جميع الفاعلين الاقتصاديين و الاجتماعيين .
ــ كيف تنظرون إلى مستقبل اللغة العربية ؟
حقيقة أنا جد متفائل بمعنى أن علينا العمل بجد من أجل خدمة اللغتين العربية و الأمازيغية ، فالعربية و إن كان لها بعض السبق فهي محتاجة للدعم العلمي من أجل حضورها حتى تكون منتجة في مختلف المجالات العلمية ، و هذا لا يعفي من أخذ المبادرات حالا في اتجاه تنمية اللغتين الوطنيتين و اللغات الأجنبية الأخرى ، كالانجليزية التي نرى استعجالا في تقويتها على المستوى الدراسي و أن نناقش مسألة الاحتفاظ بالفرنسية كلغة وحيدة و إجبارية في التعليم ، لماذا نفرضها و لا نعطي الاختيار بين الانجليزية و الفرنسية مثلا ؟.. هذا الكلام قد يبدو طوباويا و غير مجدي لكن الصعب منه هو وضعنا الحالي الذي لا نملك فيه رؤية ، فنحن في وضع سلبي نستقبل دون رد فعل ، و الأنكى هو أن اللغة الفرنسية قد عادت بقوة من خلال المنظومة التربوية كما قلنا حتى في المستويات ما قبل الابتدائي ، بمعنى التورط أكثر فأكثر في ''اللعب التربوي'' .
( حاوره عبد الصمد بنعباد ، عن التجديد )

هناك تعليقان (2):

  1. شعب المغرب مسلم وإلى العروبة ينتمي

    ردحذف
  2. لغة القرآن لغتنا

    ردحذف