السبت، أغسطس 20، 2011

الأمازيغية و المعارك المفتعلة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قبل أزيد من ثمان سنوات و في أوج ما اصطلح عليه بمعركة الحرف الذي سيعتمد في كتابة الأمازيغية صرح أحد نشطاء التيار الامازيغي في أسبوعية الصحفية ( عدد 3 يناير 2003) بأن هناك « تخطيطا لإعلان حرب بين الإسلاميين و الأمازيغيين و هي سياسة نتبرأ منها » ، و استدل قبل عرض موقفه
هذا بما حصل في الجزائر عندما " فاز الإسلاميون في انتخابات الجزائر و تم توجيه حزب التجمع من أجل الثقافة لكي يقدم طلبا للجيش للتدخل لكي يزيح بنجديد من الرئاسة و ينصب دكتاتورية بوضياف " .
اليوم ثمة خوف من أن يقع إحياء مثل هذا السيناريو لكن بصيغ أخرى ، و ذلك بعد أن نما الوهم بنضج شروطه اليوم و التي لم تكن ناضجة آنذاك ، مع الإبقاء على نفس المدخل ، و المتعلق بالحرف و ما يرتبط به ، و لاسيما في ظل جدل إيديولوجي و مزايدات سياسية تراجع معها التعاطي الهادئ و العلمي مع القضية .
الوقائع المثارة اليوم متعددة و ينبغي التوقف عند أهمها قبل مناقشة عميقة لجدية مثل هذه الرؤية السياسية القائمة على افتعال الصدام بين التيارين الإسلامي و الأمازيغي و احتمالات فشلها .
نبدأ بالموضوع الأول و المتعلق بالجدل حول حرف تيفناع و الذي مازال متواصلا في النقاش العمومي ، مع أن الوقائع المتعلقة باعتماده تكشف عن حالة من المزايدة الفجة في بعض المواقف المثارة في هذا النقاش مستغلة بعض التصريحات الخاطئة ، و نحتاج هنا للتذكير ببعض من هذه الوقائع الدالة للتاريخ ، ذلك أن التوجه الأول كان قد اعتمد الحرف اللاتيني ( بالنطق الفرنسي ) و تبناه تيار أمازيغي مهيمن ، و برز ذلك بداية في قرار اللجنة التقنية لوزارة التربية الوطنية في 5 يوليوز 2002 القاضي باعتماد الحرف اللاتيني و الذي اتخذته بالإجماع و ضمت في عضويتها فعاليات أمازيغية وازنة من بينها عميد المعهد الحالي أحمد بوكوس ، ثم اتضح هذا التوجه أكثر في بيان 5 أكتوبر من نفس السنة بمكناس الصادر عن لقاء جمعية أسيد و صدر بعده في 22 أكتوبر بيان مضاد لأزيد من 65 جمعية دعا للحرف العربي ممثلا للتوجه الثاني ، و برزت الجمعية المغربية للبحث و التبادل التربوي و الثقافي بأطروحة حرف تيفناغ و تلتها جمعية سوس العالمة في نفس الموقف كتوجه ثالث .
سيتم الحسم الأولي في اجتماع المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية يومي 30 و31 يناير 2003 و تحديدا في اليوم الثاني حيث حسم الأمر سياسيا أكثر منه علميا، و يمكن هنا العودة إلى تقرير مديرية التهيئة اللغوية بالمعهد و التي كان يرأسها عميد المعهد اليوم و ما طرح آنذاك من صعوبات ذات طبيعة لسانية و تقنية و صوتية مرتبطة بحرف تيفناغ رغم قيمته الحضارية و الهوياتية الكبيرة ، إلا أن عميد المعهد آنذاك كان له اختيار حرف تيفناغ ، و من المفيد هنا التذكير ببعض من مقولات من وقفوا ضد تيفناغ دفاعا عن الحرف اللاتيني ، فهذا الأخير " حرف كوني و سيحقق الاندماج في عالم التواصل و الاتصال و يسهل اللحاق بالتكنولوجيا " في مقابل " تيفناغ الذي لا يمكن له أن يوصل الأمازيغية لعالم الحداثة ... بل إن المدافعين عنه يريدون قتل الأمازيغية " ( الأيام 6 فبراير 2003) . و قد حسم الأمر عبر آلية التصويت ، حيث أفضت الجولة الأولى إلى حصول تيفناغ على 14 صوتا و الحرف اللاتيني على 13 صوتا و الحرف العربي على 5 أصوات ، ولأن الموضوع يستلزم الحصول على ثلثي الاصوات تمت الإعادة بين تيفناغ و اللاتيني حيث حاز الأول على 24 في مقابل 8 أصوات ، مما دل على عدم وجود إجماع حول تيفناغ أو توافق رغم الأغلبية القوية ، ثم أحيل الرأي على الديوان الملكي ليصدر القرار يوم 10 فبراير بتبني حرف تيفناغ ، و انتهى الجدل رغم استمراره في الدوائر الهامشية و جرى تجاوز عدد من الصعوبات المرتبطة بالتهيئة اللغوية ، لكن حصل اليوم إحياء الموضوع متخذا أبعادا إيديولوجية و سياسية رغم أن الإطار الدستوري الجديد فتح الباب لمناقشة السياسية اللغوية في مختلف أبعادها ، و إن كنت اعتبر أن موضوع الحرف أصبح متجاوزا بعد التهيئة اللغوية التي تمت .
تلا الموضوع السابق موضوع ثان ارتبط بالانخراط في استراتيجية الحزب السلطوي القائمة على التشويش على سياسة المشاركة السياسية للحركة الإسلامية عبر إطلاق دعوات حل حزب العدالة والتنمية ، و استغلالها حصانا لخدمة تلك الاستراتيجية رغم التعارض الصريح مع التوجه الديموقراطي الذي انخرطت فيه البلاد . ثم تجدد بمشروع تجميع أربعة أحزاب سياسية يرتبط بعضها بتجربة الحركة الشعبية مع نسيج جمعوي أمازيغي طرحت ضمنه مقولات التصويت العقابي .
ما سبق مؤشران من بين مؤشرات على عدد من القضايا التي ستزداد إثارتها على المستوى الإعلامي في الفترة القادمة ، خاصة و أن البرلمان القادم سيكون مطالبا بإخراج القانونين التنظيميين حول ترسيم الأمازيغية و المجلس الوطني للغات و ثقافة المغرب .
في الواقع نحن إزاء معارك مفتعلة تتخذ من القضية الأمازيغية حصانا و دون أن تنتبه إلى التجارب الفاشلة التي سبق اعتمادها في مواجهة التيار الإسلامي ، و الأكثر من ذلك أنها ستكون عنصر إلهاء عن المعركة الحقيقية على أرض الواقع و المتعلقة بحصيلة تدريس الامازيغية بعد ثمان سنوات من انطلاقها و لماذا لم تتجاوز نسبة التدريس 15 في المائة وما هي السبل الحقيقية لحل هذه المعضلة ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق