السبت، أغسطس 20، 2011

ما بعد الدسترة !!!!!!


بقلم : فؤاد بوعلي
( عن موقع حركة التوحيد و الإصلاح بتاريخ 16 يونيو 2011 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتفنن بعض علماء القول في التبشير بما ستحققه دسترة الأمازيغية في الدستور الجديد وكأن المغرب بعد أيام سيغدو دولة ديمقراطية مثالية تحترم فيه حقوق الأفراد حين يعترف باللغة الأمازيغية لغة رسمية. لكن بعيدا عن خطاب الشرعيات المتكرر و الذي غدا يلاك في كل الكتابات و الندوات حتى الضيقة التي تقزم النقاش في حسابات ظرفية ، يلزمنا و نحن على أبواب الإعلان عن المسودة النهائية للدستور المعدل أن نضع بين يدي المهتمين و أصحاب القرار بعض معالم ما بعد الدسترة و صواها المنظورة و التي بررت و تبرر موقفنا الثابت و الرافض لترسيم الأمازيغية و الذي نشترك فيه مع أهم أعلام الفكر اللساني و القانوني بالمغرب :
أصبح مستهلكا ، و رددنا عليه أكثر من مرة ، و بعيدا عن التجاذبات الهوياتية التي طبعت النقاش الدستوري ، و بعيدا عن القراءة الإيديولوجية و السياسوية  .
ــ في الأسبوع الماضي طلع علينا " الكونغريس العالمي الأمازيغي " باستجداء للبرلمان الأوربي قصد التدخل لإرغام المغرب على الانصياع لمبادئ حقوق الإنسان و للاتفاقات التي تربطه بالاتحاد الأوربي . و ليست هذه المرة الأولى التي تطلع علينا بعض الجهات المحسوبة على العمل الأمازيغي بهذا الالتجاء للخارج و الاستقواء به على الوطن ، بل و الارتهان في أحضان المنظمات الدولية ، فقد سبق أن دعا الاتحاد الأوروبي إلى رفع حيف الأنظمة المغاربية على " الشعب الأمازيغي " ، لكنها تصادف هذه المرة النقاش المحتدم حول ترسيم الأمازيغية . و لأن الأمر غير مجزأ و الطيف واحد و إن توزعت الأدوار نعتقد أن الرسالة المراد إبلاغها هي أن الرهان على ترسيم الأمازيغية ليس إلا بداية الطريق نحو التفتيت و التجزئة و أن خطاب الشرعيات ليس إلا مقدمة لخطابات مضمرة تتعلق بالوجود السياسي للوطن و للنظام الحاكم و للفضاء الجيوستراتيجي : إن الترسيم هو البداية و ليس النهاية . و لعل تهديد البعض بالعصيان المدني أو بأساليب الاحتجاج المختلفة تبرز فهمهم للمواطنة الحقة : أكون أو لا نكون .
ــ و لأننا ، في أحسن الأحوال ، نتحدث عن لغة في طور التأهيل فإن ترسيمها يعني مسارا طويلا من التراجع نحو الخلف و البحث في ثنايا لغة تتشكل و غير قابلة للإنتاج المعرفي . فهل من المنطقي أن ترسم لغة لينتج بها ؟ أم العكس هو الصحيح ؟ إن الأمر كما يبدو من حديث بعض المتصدرين للنقاش اللغوي هو محاولة لاستغلال فرصة أتاحها الربيع العربي ليفرضوا أجنداتهم الخاصة على النقاش الدستوري .
ــ أبانت مجموعة من التجارب العالمية و العربية ـ منذ انهيار النظام الشيوعي ـ أن ما يقع الآن في المغرب هو مقدمة لتصارع إقليمي تفتقد فيه السلطة المركزية قدرتها على التدبير و تسلم الأمر إلى العناصر الإثنية التي ستعلن عن نفسها كقوى سياسية و ليس ثقافية فقط . فهل مصادفة أن تحاول القوى العالمية تكرار التجربة العراقية في كل بلاد العربان ؟ و هل مصادفة أن تجد جل من يستميت لترسيم الأمازيغية من كان حتى عهد قريب ـ و منهم من ما زال ـ يولي قبلته نحو الكرملين في كل جزئيات حياته ؟... أمثلة للتأمل .
ــ تعودنا أن نجد جل المتصدين للدفاع عن الأمازيغية هم أنفسهم المدافعون عن منظومات قيمية مخالفة : عن التبشير ، و عن الإسلام القسري ، و عن الأب نويل ، و عن العلمنة ... فالأمر لا يتعلق بلغة للتواصل أو للتعبير عن الذات و إنما بمنظومة من القيم الجديدة ترفض قيم المغاربة و التي تقدمها لهم العربية باعتبارها لغة دين و إسلام ( انظر على سبيل المثال بيان المؤتمر الوطني الثاني للشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة) . لذا يخطئ من يتصور الأمر مجرد إحقاق لحق ثقافي ، كما يتوهم بعض الإسلاميين ، فالأمر أعمق من ذلك بكثير . لأن التلازم بين العربية و الدين هو تلازم أزلي و مواجهة سيادة العربية مقدمة للحرب على الدين و على القيم الملحقة به .
ــ يجري في بعض الدول الديمقراطية تقويم حقيقي لتجربة دسترة التعدد اللغوي . ففي ألمانيا نقاش حول ترسيم الألمانية على الشاكلة الفرنسية ، و في التجربة الجنوب إفريقية حديث عن ضياع اللغات المحلية بسبب الترسيم ، و في إسبانيا نقاش محتدم عن موقع اللغة المشتركة وطنيا و جهويا ..... فكل تجربة هي حالة خاصة و ترتبط بظروف تاريخية خاصة ( حرب أهلية ، توحيد إثني ، اختلاف قبلي .....) . لذا يشكل تنزيلها على النموذج المغربي إسقاطا غير علمي . و حتى التجربة الجزائرية القريبة منا هي غير قابلة للاستنساخ و لا حتى للاستفادة منها مادام التوزيع الجغرافي للسكان مختلف بين الدولتين . لهذا يكون منحى النقاش الأخير غير علمي ما دام البعض لا يقتنع بأن الحالة المغربية حالة خاصة تحتاج إلى تدبير خاص و مختلف .
ــ من المستفيد من ترسيم الأمازيغية ؟ و من المستفيد من الفوضى اللغوية القادمة ؟
مقارنة بسيطة بين تخليد اليوم العالمي للفرنكفونية بين السنة الماضية حيث ووجه برفض إعلامي و شعبي ، و هذه السنة حيث الكل منشغل بموضوع الأمازيغية . و البقية تأتي . و قبل ذلك ،هل مصادفة أن تؤسس " الأكاديمية البربرية " بفرنسا ، التي غدت اجتهاداتها هي مرجع زعماء الترسيم عندنا ، غداة استقلال الجزائر .
ففي جنوب إفريقيا التي تقدم على أنها النموذج الأمثل للتعدد اللغوي أقر المجلس الأعلى للغات بأن التعدد لا يفيد غير الإنجليزية التي غدت هي اللغة الرسمية الوحيدة فعليا . و في كل الحالات تكون القوة اللغوية أسبق من الدمقرطة اللغوية . و في الحالة المغربية سيغدو التنازع بين أكثر من لغة فوضى أكبر و سيطرة أوسع للفرنسية و هذا ما يحلم به دعاة الفرنكفونية . و لذا قال روبنسون : " لقد جعلت الإمبراطورية اللغة تراتبية حيث لغة القوة الإمبراطورية في القمة و لغة المسودين المذلين المستعمرين في الأسفل " . و في هذا تتساوى العربية و الأمازيغية و كل اللغات الوطنية في الضياع . إذ الفرنكفونية هي المتخفية من وراء النقاش .
ــ إن الرهان على الفاعل السياسي للدفاع عن الأمازيغية و تقديم مقاربة علمية للمسألة اللغوية يشكل في حد ذاته رهانا خاسرا . لأن الفاعل السياسي ليس من وظيفته الحسم في الإشكالات الهوياتية ما دامت وظيفته تدبير المتاح بالممكن . و في التاريخ القريب دليل على أن الفاعل السياسي يظل جوابه عن الإشكالات المطروحة مرهونا بالتوازنات السياسية و الاجتماعية أكثر من القناعات المبدئية . و لذا فما سيفتحه ترسيم الأمازيغية في المدى القريب و البعيد أخطر من المقاربات الظرفية أو القراءات الانتقائية . و ما بعد الترسيم يعني تهديدا للوحدة الاجتماعية و رهن المغرب للحسابات الخارجية . و البقية آتية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق