السبت، أغسطس 20، 2011

إلى الأستــاذ عصيـــد و آخريــن ( 1/2 )


بقلم : النقيب عبد الرحمان بنعمرو
(عن موقع الجسور بتاريخ 24 ماي 2011 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 نشر الأستاذ أحمد عصيد تعليقا تضمن الرد على مداخلتي المقدمة يوم 03/05/2011 خلال لقاء دراسي حول : "دسترة الأمازيغية" ، و هي المداخلة المضمنة في ورقة تحمل عنوان :" لماذا لا يمكن حاليا دسترة الأمازيغية كلغة رسمية " و هو التعليق الذي يحمل عنوان :" إلى الفاسي الفهري، الأوراغي ، بن عمرو ، و آخرين " .

و قد ارتأيت ، في نطاق المزيد من التوضيح و الإضافة و الكشف عن الحقائق الموضوعية ، التعقيب على الأفكار الواردة في التعليق ، و من وجهة نظري الخاصة ، تاركا لمن ورد اسمهم في العنوان و لكل المعنيين بالتعليق الرد عليه من وجهة نظرهم الخاصة في الموضوع .
أولا : الرد على فكرة " تحامل التعريبيين في الآونة الأخيرة مع اقتراب الموعد الحاسم للإعلان عن الدستور المراجع ...، ليس لكي يطالبوا بحقوق مشروعة ... بل فقط من أجل الحيلولة دون أن ينال غيرهم حقوقه التي ناضل من أجلها لما يقرب من خمسين سنة ..."
إنني أرد على هذه الفكرة بما يلي :
1 ــ إنني لا أنتمي لما يمكن أن يسمى ب " التعريبيين " و لا لما يمكن أن يسمى " التمزيغيين" و إنما أنتمي إلى "المغربيين" الذين يجمعهم تاريخ واحد و دين واحد و حضارة واحدة ، هي الحضارة " العربية الإسلامية " و مشاكل واحدة و مستقبل واحد ، و تم ، منذ الفتح الإسلامي ، و عبر الزواج المختلط إنتاج النسل المغربي ، الذي لا يحق لأي فرد من أفراده الإدعاء بأنه أمازيغي خالص أو عربي خالص .
نعم أدافع ، كغيري من الشرفاء ، عن القومية العربية ، ليس من منطلق عنصري و إنما من منطلق حضاري ، هي الحضارة العربية الإسلامية ، التي ساهم في إنتاجها و تطويرها و إغنائها مختلف مكونات العالم الإسلامي المشكل من عرب عاربة و عرب مستعربة ، و أعاجم مسلمة . و للعلم ، فإن التاريخ يقول بأن العرب الأصليين باليمن انقرضوا و هم من يعرف بالعرب البائدة و إن من بقي منهم هم العرب العاربة ( دول الخليج ) ، و العرب المستعربة المتواجدون بمصر ذات الأصول الفرعونية ، و بالعراق ذات الأصول البابلية و بالشام الآشورية و الفينيقية ( سوريا – لبنان – الأردن – فلسطين ) ، و للعلم فإن جميع هذه البلدان المستعربة تنتمي في الأصل إلى حضارات كبيرة خلفت وراءها معالم فكرية و مادية لا زالت شاهدة على مستواها العالي حتى الآن ، سواء على مستوى الآثار أو التأليف أو الكتابة بأحرف غير عربية ، و مع ذلك لا يوجد ، لغاية تاريخه أية منظمة في العالم العربي تطالب بإحياء حضارتها المنتهية وترسيمها و استعمالها ، بحروفها الأصلية ، في مختلف المرافق العمومية ...
و إذا كنت أدافع عن استعمال اللغة العربية الفصحى ( و أضع خطا أحمر على كلمة "فصحى" ) فليس من منطلق عنصري منحاز و إنما من منطلق قانوني ، و هو أن اللغة العربية الفصحى هي الوحيدة المرسمة دستوريا دون باقي اللهجات الأمازيغية و العربية التي تقدر بالعشرات ، و من المعلوم ، كما بينت ذلك مداخلتي المشار إليها ، فإن ترسيم لغة من اللغات يترتب عليه قانونا وجوب استعمالها في جميع مرافق الدولة و إدارتها و مؤسساتها العمومية و الشبه العمومية . و لا حاجة للتذكير بأن القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة و على الجميع احترامه . و من المؤسف جدا ، أن تكون اللغة العربية مرسمة دستوريا و لا تستعمل في أغلب إدارات الدولة و مؤسساتها العمومية ، بينما اللغة الفرنسية ، غير المرسمة دستوريا تستعمل في أغلب إدارات الدولة و مؤسساتها العمومية بل و في الأغلبية الساحقة من المؤسسات و الشركات و المقاولات الخاصة ... هذا في نفس الوقت الذي تستعمل العربية ، كلغة رسمية ضمن ست لغات في جميع أجهزة الأمم المتحدة بدون أن يخلق ذلك أية عقدة عند باقي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لتطالب بترسيم لغتها و منها دول تحتل الرتب الأولى في الاقتصاد الدولي ( ألمانيا و اليابان مثلا ) و التي وصل بعضها إلى أعلى درجة من الحضارة ، و تستعمل كذلك في جميع أجهزة المنظمة الإسلامية للتربية و العلوم و الثقافة ( الإيسيسكو ) كلغة رسمية ضمن ثلاث لغات (العربية ـ الإنجليزية - الفرنسية ) ، دون أن يخلق ذلك أية عقدة لدى باقي الدول الأعضاء المقدر عددها بالعشرات و منها من فاق جميع الدول العربية في العلوم و الاقتصاد و الصناعة فتطالب بدوها بترسيم لغاتها ( الباكستان - اندونيسيا – ماليزيا – تركيا - إيران ) . هذا مع العلم بأن دول العالم الإسلامي ، التي تضم أكثر من مليار نسمة و التي تتكلم المئات من اللهجات و اللغات ، لم يرسم أغلبها الساحقة سوى لغة واحدة ، و هي الدول العربية بدون استثناء ، مضاف إليها دول تركيا (التركية) و إيران (الفارسية) و اندونيسيا (الملاوية) و أفغانستان (البوتشوا) . و هناك دولتان إسلاميتان تستعمل أكثر من لغة مرسمة و هما ماليزيا (الماليزية و الصينية و الإنجليزية ) و باكستان ( اللغات الأردية و الفارسية و الإنجليزية ) .
2 ــ لم يحدد الأستاذ عصيد نوع الحقوق التي ناضل من أجلها غير "التعريبيين" منذ ما يقرب خمسين سنة :
فإذا كان يقصد بها الحقوق المدنية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية الواردة في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ، و يقصد بعبارة "غير التعريبيين" "التمزيغيين" فإننا لا نشاطره هذا الرأي :
فجميع المغاربة الشرفاء بمختلف انتماءاتهم ، و منهم مناضلو حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي ، كانوا و ما زالوا يدافعون عن حقوق الإنسان في شموليتها ليس فقط بالشعارات و التحليلات و المواقف و إنما أيضا بالممارسة و المواجهة بما نتج عن ذلك من تضحيات جسام ( اعتقالات – اختطافات – تعذيب – محاكمات – عقوبات سجنية و إعدامات ...) . و إذا كان الأستاذ عصيد يقصد بحقوق الغير الحقوق الثقافية و اللغوية للأمازيغ فإننا نرد على هذا الافتراض المقصود بما يلي :
فجميع المغاربة الشرفاء ، جماعات و أحزابا و أفرادا متفقون على :
أ ــ تنمية و تطوير و حماية الأمازيغية ثقافيا و لغويا ، و ذلك بمختلف لهجاتها شأنها في ذلك شأن باقي اللهجات العربية ، و بما في ذلك اللهجة الحسانية ذات المنبعين العربي و الأمازيغي ، و هو أمر يجد سنده الحقوقي في إعلان مكسيكو لسنة 1982 بشأن الثقافة .
ب ــ بشأن دسترة اللغة الأمازيغية ، فالآراء المطروحة في الساحة ، بغض النظر عن حجم كل "رأي" هي :
1 ــ رأي يقول بعدم دسترتها ، سواء كلغة وطنية أو كلغة رسمية :
ــ كلغة رسمية : لأنها تنطوي على عدة لهجات مختلفة و محاولة توحيدها أو تنميطها في مختبر التنميط ( المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ) يبعدها عن واقعها الشعبي المعاش ، و لأن الأمازيغية المنمطة غير مؤهلة لكي تكون صلة وصل بين مختلف فئات الشعب المغربي و لأن المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان لا تنص على وجوب ترسيم أية لغة من اللغات كيفما علا شأنها و حجم الناطقين بها .
ــ و كلغة وطنية : لأن الأمازيغية بمختلف لهجاتها ، ليست اللغة الوطنية الوحيدة ، فاللغة العربية الفصحى لغة وطنية ، و اللهجات العربية وطنية أيضا ، و الحسانية لهجة وطنية ... هذا من ناحية ، و من ناحية أخرى ، فإن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ، و في مقدمتها إعلان مكسيكو لسنة 1982 ، لا توجب دسترة جميع اللغات و اللهجات كلغات و كلهجات وطنية .
ب ــ رأي يطالب بدسترة الأمازيغية كلغة وطنية ، أي نسبة إلى الوطن ، و ذلك لرمزية ما تعنيه كلمة " وطنية " .
ــ و قد ذهب تحالف اليسار الديمقراطي في ورقته " حول مبادئ و أسس و متطلبات الملكية البرلمانية " إلى إعطاء محتوى معين لكلمة الوطنية ، حيث اقترح بأن يتضمن تصدير الدستور كون " الأمازيغية لغة وطنية و لذلك يجب أن تحظى بكافة أنواع الدعم المادي و المعنوي من أجل تنميتها و تطويرها و نشرها " .
ج ــ رأي يطالب بدسترة كل من الأمازيغية و العربية كلغتين وطنيتين :
و يظهر أن هذا الرأي ينطلق من باب المساواة بينهما : و توجه إلى هذا الرأي الانتقادات التالية :
+ كما يقول الفقهاء لا قياس مع وجود اختلاف ، و كذلك لا مساواة مع وجود اختلاف في الشروط و الوضعيات مع الأشياء المراد المساواة بينها .
+ إن إدراج العربية ( العربية الفصحى ) في الدستور ، كلغة وطنية ، بعد أن كانت بموجب استفتاءات شعبية متتالية ، وقبل سنة 1962 مرسمة دستوريا يعني أن العربية هي بدورها ، كالأمازيغية ، غير مؤهلة حاليا للاستعمال في المرافق العمومية على المستوى الوطني و في المؤسسات الدولية ( جميع أجهزة الأمم المتحدة – الجامعة العربية – الدول العربية – منظمة الوحدة الإفريقية – المنظمة الإسلامية للتربية و العلوم الثقافية تستعمل العربية ...) ، و إن الدول التي عملت و صوتت من أجل ترسيمها في هذه المنظمات الدولية و تحملت التكاليف المالية الناتجة عن ذلك كانت خاطئة ...
+ إن تحويل اللغة العربية من لغة رسمية بالدستور إلى مجرد لغة وطنية به يعني الزيادة في ترسيخ و توسيع استعمال الفرنسية في مختلف المرافق و المؤسسات العمومية و الخاصة و على اعتبار أنها الوحيدة المؤهلة للتواصل في مختلف المجالات و الميادين الرسمية و غير الرسمية و ذلك بعد أن ستتخلص من منافس قوي يهدد وجودها في الاستعمال و هو اللغة العربية الفصحى .
د ــ رأي يطالب بالدسترة كلغتين رسميتين لكل من الأمازيغية و العربية :
و قد انتقدنا هذا الرأي ، بناء على اعتبارات شرحناها في مداخلتنا التي تحمل عنوان : " لماذا لا يمكن حاليا دسترة الأمازيغية كلغة رسمية " و نزيد الأمر توضيحا عن طريق التساؤل الآتي :
هناك تساؤل عريض و مبرر موجه إلى أصحاب هذا الطلب و هو : أن أصحاب هذا الرأي ، الذين ينتمي بعضهم إلى منظمات حقوقية و آخرون إلى منظمات سياسية و الذين يطالبون الدولة و المجتمع بالعمل على دسترة الأمازيغية كلغة رسمية ، بما سينتج عن هذا الترسيم من وجوب استعمالها في جميع المرافق و الإدارات و المؤسسات العمومية و الشبه عمومية ، لماذا لا يكونون منسجمين مع مطلبهم فيبدؤون بأنفسهم و ذلك باستعمال الأمازيغية في أنشطتهم و مناقشاتهم و تحرير محاضر اجتماعاتهم و في أبحاثهم و كتاباتهم و مقرراتهم و في التواصل فيما بينهم و بين الشعب . إنهم يكتفون ، على مستوى الممارسة ، بكتابة سطر أو سطرين بحروف تيفيناغ في مطبوعاتهم أو لافتاتهم ، هي عبارة عن الترجمة لاسم المنظمة أو لشعارها أو لموضوع اللقاء ( مهرجان – مؤتمر - ندوة ) ، أليس هذا نوع من الضحك على الذقون إن لم نقل نوعا من التضليل و الديماغوجية و الابتزاز الانتخابي و الدغدغة على العواطف ؟! ... إن هذا السلوك ( التناقض بين المطلب و الممارسة ) يذكرنا بسلوك الإدارة المغربية في تعاملها مع رسمية اللغة العربية و ذلك عندما تكتفي ، في مطبوعاتها ، بكتابة اسم " المملكة المغربية " بالفرنسية و بالعربية بينما محتوى المطبوع كله محرر باللغة الفرنسية .
ثانيا : الرد على ما جاء من كون : " أغلبية التعريبيين مختصون في اللسانيات العربية أو في الأدب العربي أو مناضلون في أحزاب قومية ... و أنهم وظفوا في هجماتهم الصغيرة ...، ترسانة من المفاهيم المتقادمة التي تعتمد دائما ، دون شعور بالضعف أو بالخجل ، المرجعيتين الأجنبيتين عن الوطنية المغربية : النموذج الفرنسي اليعقوبي القائم على التوحيد القسري و العروبة الخالصة كفكرة شرقية لم تدخل إلى المغرب إلا في غشت 1930 مع سفيرها شكيب أرسلان ... و أن " التعريبيين يشتركون في أمور ثلاثة :
- اعتبار الأمازيغية غير مهيأة لاعتراف دستوري ...
- سرد الشروط التعجيزية لاستعمال الأمازيغية في الإدارة (التكاليف ...)
- اعتبار المساواة بين اللغتين تهديدا للوحدة بين المغاربة ...
و إننا نرد على ما جاء في هذا الخصوص بما يلي :
1 ــ لا يمكن لأي أحد ، داخل المغرب أو خارجه أن يزعم بأنه يجيد التحدث أو المعرفة التامة بجميع اللهجات الرائجة ببلده ، و مع ذلك فإن ذلك لا يمنع أي شخص و أي متتبع من أن يعتمد في تقييمه لأية لهجة من اللهجات على ما كتب بشأنها من طرف المختصين في اللسانيات . و تبعا لهذا المفهوم فإذا جاز لنا الاستئناس بما كتب عن الأمازيغية من حيث وضعيتها و منابعها و حجم المتكلمين بها فيمكن الاستئناس بما كتبه و يكتبه السيد سعدي عثمان رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية ، و الذي توصلت منه ، عقب نشر مداخلتي بمراسلة مؤرخة في 8 ماي 2011 من بين ما جاء فيها ما يلي : "... أنا أمازيغي أنتمي إلى أكبر قبيلة أمازيغية هي قبيلة اللمامشة ، لي عدة كتب في المسألة الأمازيغية آخرها معجم الجذور العربية للكلمات الأمازيغية حيث فرغت خمسة قواميس للهجتين في الجزائر و لثلاث لهجات بالمغرب ، و أعدتها إلى جذورها العربية ، و أثبتت بأن تسعين في المائة من كلمات الأمازيغية عربية عاربة أو مستعربة ، لأن الأمازيغية لغة عروبية عاربة قحطانية ، بينما العربية مستعربة عدنانية ، و أن الأمازيغية لهجة عروبية تفرعت عن العربية الأم قبل آلاف السنين ...، و أنه لا توجد لغة أمازيغية ، و أن الباحث "هنري باسي" أكبر متخصص في البربرية يقول بأن عدد اللهجات البربرية هو خمسة ألاف لهجة و ينكر عليها حتى صفة اللهجة ...." .
2- لم أختر النموذج الفرنسي فقط للقول ، بأن القاعدة الأصلية هو أن الأغلبية الساحقة من الدول ترسم لغة واحدة من بين كل اللغات و اللهجات التي يتحدث بها مواطنوها ، و أن الاستثناء هو القلة القليلة من الدول التي ترسم أكثر من لغة ،  وقد سقت أسماء العديد من الدول التي ترسم لغة واحدة بادئا بدولة فرنسا .
و قد تعمدت أن أبدأ بفرنسا لما لعبته في عهد استعمارها للمغرب ، و لا زالت تلعبه في عهد الاستقلال من أدوار خطيرة لعرقلة استعمال العربية ، المرسمة دستوريا ، في جميع المجالات الرسمية و غير الرسمية ، حتى تبقى اللغة الفرنسية ، غير المرسمة دستوريا ، هي السائدة في الاستعمال ، و لأن النظام السياسي بالمغرب ، و معه العديد من المثقفين الفرانكفونيين المتفرنسين ، كان و ما زال مبهورا بالنموذج الفرنسي ، ليس فقط على مستوى الثقافة و اللغة الفرنسية ، و إنما أيضا على مستوى الإدارة و التعليم و الاقتصاد و التكنولوجيا و تسيير البنوك و الشركات و المقاولات ... الخ
و من بين العراقيل ، التي استعملتها و تستعملها فرنسا ، للحيلولة دون استعمال اللغة العربية على أوسع نطاق ، حتى تظل الفرنسية هي المهيمنة في الاستعمال ، ما يلي :
أ ــ في عهد استعمارها للمغرب :
ــ استعمال الفرنسية وحدها في الإدارة و في المؤسسات العمومية و الخاصة و في العلاقة و التواصل مع المواطنين ...
ــ تدريس كافة المواد الفرنسية في المدارس العمومية المخصصة لأبناء المغاربة مع استثناء بعض المواد المحصورة في تعليم مبادئ اللغة العربية و النحو و الصرف مع اعتبارها موادا غير موجبة للسقوط في الامتحان ...
ــ القضاء العصري الذي كان مختصا بالفصل في النزاعات المتعلقة بكل القضايا المهمة ذات الطبيعة المدنية و الإدارية و التجارية و الاجتماعية و العقارية ...، و ذلك على مستوى المقالات و المذكرات و الوثائق و المناقشات و المرافعات و الأحكام و كافة الإجراءات ...
ــ خلق صراع بين العربية و الأمازيغية و ذلك عن طريق محاولة تقعيد هذه الأخيرة ( محاولة خلق قواعد لها ) و تعليمها وحدها ، دون العربية ، في المناطق التي تتكلم اللهجة الأمازيغية ( كوليج أزرو نموذجا ) .
ــ إنشاء محاكم خاصة في المناطق التي تتكلم اللهجات الأمازيغية مختصة بالفصل في النزاعات المدنية و التجارية و العقارية و الأحوال الشخصية ، طبقا للتقاليد و العادات البربرية و ليس طبقا للشريعة الإسلامية أو طبقا للنصوص القانونية الجاري بها العمل (الفصل 2 من ظهير 16/5/1930. المتعلق بتنظيم العدالة بقبائل العادات البربرية والتي لا تخضع لمحاكم الشرع ) ،
ب ــ في عهد الاستقلال :
الذي بقي لغاية تاريخه ، يحمل رواسب الاستعمار الفرنسي ، سواء على مستوى الثقافة و اللغة و القوانين و الإدارة و المؤسسات و الاقتصاد و التجارة أو على مستوى الرموز المدافعة عن هذه الرواسب و التي لا زال العديد منها يتحمل مسؤوليات كبرى في مختلف دواليب الدولة ...
و من بين مظاهر هذه الرواسب الاستعمارية ، التي رغم الاستقلال المعطوب لا زالت فرنسا تعمل جاهدة من أجل المحافظة عليها ، و من خلالها المحافظة على مصالحها ، استمرار استعمال الفرنسية بالمغرب في جل الميادين ، إن لم نقل كلها و ذلك على حساب العربية المرسمة شكليا ، هذه العربية التي تساهم فرنسا في وضع مختلف العراقيل لكي لا تحل محل لغتها في الاستعمال .
و من بين هذه العراقيل :
ــ احتضان العديد من التنظيمات و التوجهات الداعية إلى ترسيم الأمازيغية .
ــ احتضان التوجهات الداعية إلى ترسيم اللهجة العربية بدل اللغة العربية الفصحى .
ــ فتح مدارس البعثة الفرنسية أمام أبناء البورجوازية المتحكمة في دواليب الدولة ، إداريا و اقتصاديا ، و ذلك مع بعض الاستثناءات التي لا يعتد بها ...
ــ المساهمة في إنعاش التوجهات التي تقول بأن المسؤول عن تدني مستوى التعليم و مستوى القضاء ، هو تعريب هذين القطاعين ، مع أن المسؤول عن تدنيهما ليس هو التعريب و إنما السياسة و المنهجية المتبعة في إصلاح التعليم و في إصلاح القضاء ، هذا بالإضافة إلى أن التعريب في التعليم انحصر في الثانوي دون أن يمتد إلى العالي ، على مستوى العلوم ، واقتصر ، في القضاء ، على المذكرات و الأحكام دون أن يمتد إلى الوثائق التي بقيت تصل مفرنسة إلى القضاء ، عبر الإدارة المغربية التي لا زالت مفرنسة ، باستثناء وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية و وزارة التربية الوطنية التي لم تقطع علاقتها مع الفرنسية و نفس الشيء بالنسبة لوزارة العدل .
و هنا يوجه سؤال عريض ، مطروح على الدولة المغربية و هو : ما الفائدة من ترسيم اللغة العربية إذ لم يترتب على هذا الترسيم استعمالها في جميع الميادين ؟!
و هناك سؤال آخر يطرح على الأستاذ عصيد و من خلاله على من يسير على ركبه أو يسير على ركبهم ، و هو كالتالي : هناك لغة مرسمة ، لا تستعمل في أغلب الحقول ، و هي العربية التي ساهم الأمازيغ في إنمائها و تطويرها و نشرها ، و هناك لغة أجنبية ، هي الفرنسية ، و هي غير مرسمة و مع ذلك تستعمل في جل الميادين إن لم نقل كلها ، و مع ذلك لم نسمع ، في يوم من الأيام أن أحد الجمعيات الأمازيغية استنكرت أو انتقدت عدم استعمال العربية المرسمة و استعمال الفرنسية غير المرسمة . و ما يسمع و يكتب من هذه الجمعيات هو رفض "التعريب" و رفض كلمة "العروبة" و عبارتي "المغرب العربي" و "الشرق العربي" .. مع أن :
+ كلمة "التعريب" لا تعني سوى ، استعمال العربية الفصحى في المرافق و المؤسسات العمومية ولا تعني فرض التكلم بالعربية الفصحى على المغاربة بدل التحدث ، في حياتهم اليومية بما تحفل به من معاملات و علاقات ، بلهجاتهم الدارجة ، سواء منها ذات المنبع الأمازيغي أو العربي أو التكلم باللهجة الحسانية ...
+ و كلمة "العروبة" لا تعني محو اللهجات المتحدث بها في منطقة كبيرة تمتد من الخليج إلى المحيط ، و إنما تعني فقط أن هذه المنطقة يجمعها أكثر من سبب يدعوها إلى التعاون الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي في أفق تحقيق الوحدة السياسية التي لا يمكن أن تقل عن الوحدة الأوروبية (الاتحاد الأوروبي) و ذلك متى توفرت شروط هذه الوحدة السياسية ، هذا الاتحاد الذي يعتبر أقوى من الجامعة العربية التي يطالب بعض "التمزيغيين" مغادرة المغرب لها ...؟!
ومن بين الأسباب التي تدعو المنطقة المعنية إلى التعاون في أفق الوحدة السياسية :
- الجوار الجغرافي .
- التاريخ الحضاري الذي يجمع أقطارها و الذي ساهم في إنجازه كل الشعوب و الفئات التي تعايشت في هذه الأقطار بمن فيهم الأمازيغ الأحرار .
- الكفاحات المشتركة لدفع الغزو الصليبي و إنهاء الاستعمار الأجنبي و مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين . و هل يمكن للشعب المغربي أن ينسى ، أثناء كفاحه ضد الاستعمار الفرنسي ، ما قدمته الدول العربية المستقلة وقتها ، و على رأسها جمهورية مصر العربية ، من مواقف سياسية و مساعدات مادية و دعم إعلامي داخلي و دولي ، و الذي لم يكن له مثيل سواء من قبل الدول الإسلامية أو من طرف الدول الغربية ...
- و النضال المشترك ضد التسلط و الظلم و الاستغلال و الحكم الفردي من أجل القضاء على هذه الوضعية غير المشروعة و معها الأنظمة الفاسدة و إقامة بديلا لها و هو الأنظمة الديمقراطية ..، و إلا كيف يمكن أن نفسر هذه الانتفاضات الشعبية العارمة المتفاعلة زمانيا ضد الأنظمة الفاسدة ، بالعالم العربي و التي لا زالت مستمرة في تجاوب ، تضامني ملموس بين شعوبها و مناضليها ...
- و الترسيم في دساتيرها للغة العربية الفصحى دون اللهجات المحلية و ما أكثرها .
- ولأن العروبة لا تعني الانتماء إلى الأصل العربي ، و إنما تعني الانتماء إلى الحضارة العربية التي ساهم و لا زال يساهم في بنائها مختلف الشعوب العربية و الإسلامية ، سواء منها التي تقطن العالم العربي أو خارجه . و من المعلوم ، حسب المؤرخين ، فإن العرب الأصليون لم يعد لهم وجود (العرب البائدة) و أن ما بقي منهم هم : العرب العاربة بدول الخليج العربي ، و العرب المستعربة ذوو الأصول غير العربية و مع ذلك تتكلم العربية و يقطنون بالشرق العربي ( العراق – سوريا – الأردن – فلسطين - لبنان ) و شمال إفريقيا ( مصر – ليبيا – تونس – الجزائر - المغرب ) و بجنوب غرب إفريقيا (موريتانيا) و تبعا لما ذكر ، فإنني أتحدى أي مغربي أن يثبت ، من خلال تحليل جينات دمه ، بأن أصله أمازيغي خالص أو عربي خالص .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق