السبت، أغسطس 20، 2011

المسألة اللغوية : استفاقة الأكاديميين بعد هيمنة السياسيين

بقلم : فؤاد بوعلي
( عن موقع حركة التوحيد و الإصلاح بتاريخ 06 ينوي 2011 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و أخيرا بدأت أصوات الباحثين والأكاديميين تصدح بمواقف علمية حول المسالة اللغوية بالمغرب . فبعد أن احتكر النقاش من طرف السياسيين و اتخذ طابعا شعوبيا و إيديولوجيا قزمت خلاله القضايا الهوياتية إلى تجاذب حول ترسيم لغة أو عدم ترسيمها ، بدا أن اللغويين و القانونيين و علماء
السوسيولوجيا و الإنسانيات قد استفاقوا على ضرورة الصدح بمواقف علمية بحثية بعيدا عن الأدلجة و التقزيم السياسوي لتوجيه النقاش نحو مزيد من الضبط العلمي .
فقد عرف  الأسبوع الماضي تنظيم ثلاث ندوات علمية ركزت كلها على محور واحد هو الموقف من دسترة الأمازيغية . الأولى نظمها مركز الدراسات و الأبحاث المعاصرة تحت عنوان : " دسترة الأمازيغية الرهانات و التحديات " ، و الثانية نظمها معهد الدراسات و الأبحاث للتعريب في موضوع " اللغات و الدسترة " ، و الثالثة من تنظيم الجمعية المغربية للدراسات المعجمية تحت عنوان : " الإصلاح الدستوري و اللغات الوطنية " . و قد يتساءل المتابع عن السر في هذا التوافق غير المقصود بين الجهات المنظمة لمعالجة نفس الموضوع و في نفس الوقت تقريبا . و لن يكون الجواب بطبيعة الحال غير الحاجة ، التي بدأت تتنامى ، للصوت الأكاديمي العلمي في زمن التجاذبات الهوياتية التي يطغى عليها الطابع السجالي التعبوي أكثر من العلمي الرصين ، و التي ترهن مستقبل المغرب إلى حسابات قبلية أو فئوية ضيقة .
لقد توافقت الندوات الثلاث على اختلاف المتدخلين فيها و تنوع مشاربهم على أمور أساسية :
1 ــ غياب الأكاديمي عن الفعل السياسي . ففي الوقت الذي تستفيد كل الأنظمة العالمية من نتائج و خلاصات دراسات المراكز البحثية و التقارير الصادرة عن مؤسسات الدراسات المختلفة ، بل جل أنظمة العالم المتحضر تعطي للبحث العلمي دور التوجيه و الاستشراف الذي يعتمد عليه في تخطيط السياسات ، و حتى الحروب و المواجهات العسكرية ، نجد السياسي في المغرب مصرا على التحكم في دواليب النقاش البحثي و عدم الاهتمام به إلا حين الحاجة للإشادة و التمجيد لمنجزاته . لذا غيب في مذكرات الأحزاب حول الإصلاح الدستوري التي طغى عليها المسح الإيديولوجي بدل العلمي .
2 ــ النقاش العلمي الهادئ هو السبيل إلى معالجة القضايا الهوياتية . فبدل من التصارع الإعلامي و محاولة كسب النقط ، في انتظار الإعلان عن مضامين الدستور الجديد يبدو أن  طرح موضوع الأمازيغية و دورها مستقبلا في النظام الدستوري الوطني ، يحتاج إلى ضبط علمي بعيدا عن الانتماءات الضيقة .
3 ــ إذا كان الأمر كذلك ستظل الإجابة عن أسئلة من نحو : هل الأمازيغية مؤهلة لتأخذ دور اللغة الرسمية ؟ و ما أثر ذلك على النسيج الاجتماعي ؟ و هل الإشكال الحقيقي للمغرب الجديد هو الأمازيغية و درجة تقنينها ؟ و كيف نستفيد من تجارب الدول العالمية ؟..... بشكل عقلاني و دون صبغ الأمر بصورة كليانية و الزعم الحقوقي هي الأجدر بحل الإشكال . فالإشكال يحل في منتديات البحث و ليس في الشارع أو داخل دواليب لجنة مؤقتة و معينة لتعديل الدستور .
و المتابع لمثل هذه النقاشات و المواكبة الإعلامية لجلساتها يخلص إلى أن هناك عدة عناصر جوهرية شكلت نقط توافق جل المتدخلين ، و يمكن أن تقدم باعتبارها مفاتيح للحل القانوني لواقع الأمازيغية في الدستور المرتقب و تستغل من طرف الفرقاء السياسيين كورقة بحثية للاعتماد أو على الأقل للتداول :
أولا ــ تداول العديد من المنافحين عن ترسيم الأمازيغية تجارب كونية حول كيفية التدبير القانوني للتعدد اللغوي: من بلجيكا إلى سويسرا مرورا بجنوب إفريقيا و الهند و إيرلندة و القائمة طويلة . لكن القراءة العلمية لهذه التجارب تثبت أنها قائمة على عناصر مبدئية هي : الوحدة الوطنية ، و التعدد اللغوي، و التنمية و مجتمع المعرفة ( و أضاف أحد الأساتذة : السيادة الوطنية ) . و كلها مبادئ ينبغي استحضارها في تنزيل النماذج الكونية . بل الأكثر من ذلك إن قراءة هذه التجارب تثبت عدم وجود حالة مماثلة للحالة الاجتماعية و الإثنية بالمغرب . لذا ، فالنموذج الذي ينبغي اعتماده يجب أن يكون مغربيا بالأساس و ناتجا عن قراءة خاصة للواقع المغربي و متوافقا بشأنه و إلا سيكون ظرفيا عارضا و يعرض الأمازيغية ذاتها إلى تكرار انتكاسة التجارب السابقة .
ثانيا ــ مرتكزات النقاش العمومي يلزمها أن تجيب عن سؤال جاهزية الأمازيغية للاستعمال كلغة رسمية . فبعيدا عن لغة الأرقام و العواطف و الدفاع القتالي ينبغي أن تكون لدينا الجرأة على قراءة منجزات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ، و هل استطاع أن يخرج بعد سنين من التنميط و المعيرة ما يمكن من التداول العمومي الرسمي للأمازيغية أم أن الترسيم ـ كما يعتقدون ـ سيكون بداية ؟ و هذه حالة غير سليمة منطقيا و لا عقليا .
ثالثا ــ هناك انحراف حقيقي في النقاش الجاري حاليا . فقضايا الهوية و التاريخ و الانتماء و الحق الثقافي ليست مبررات للترسيم بل قد تكون ذات جدوى في التعبير الثقافي دون أن تغدو عللا حقيقية لاعتماد الأمازيغية لغة رسمية .
رابعا ــ خطورة الترسيم على التوافق الاجتماعي في المغرب بدأت معالمها تلوح في الشارع من خلال الصراعات بين الفئات المختلفة و خلق جو من التوتر المشحون إضافة إلى رفع الأعلام الطائفية و شعارات قبلية ... إلى غير ذلك . هو تهديد حقيقي لمن ألقى السمع و هو شهيد .
هذه جملة من عناصر التداول التي تناولتها الندوات الثلاث ، و التي يمكن جعلها عناصر للبحث العلمي الأكاديمي الرصين و ليس للتجاذب الشعبوي الضيق .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق