السبت، أغسطس 20، 2011

إلى الأستــاذ عصيـــد وآخريــن ( 2/2 )


بقلم : النقيب عبد الرحمان بنعمرو
(عن موقع الجسور بتاريخ 24 ماي 2011 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
......

3 ــ إذا كانت اللغة العربية الفصحى المرسمة تختلف عن اللهجات العربية غير المرسمة ، فإن ذلك لا يبرر، حاليا ، ترسيم الأمازيغية المختبرية المنمطة و التي تختلف بدورها عن اللهجات الأمازيغية و ذلك للاعتبارات الآتية :
أ ــ إن اللغة العربية الفصحى يعرفها حاليا و في الوقت الذي يطالب فيه البعض بترسيم الأمازيغية المنمطة ، فئات واسعة من الشعب ، سواء منهم
المتكلمون باللهجات الأمازيغية أم باللهجات العربية ، على خلاف ما هو الأمر عليه بالنسبة للمعرفة بالأمازيغية المنمطة .
ب ــ إذا كانت الأمازيغية المختبرية المنمطة تختلف كل الاختلاف عن اللهجات الأمازيغية و غير واسعة الانتشار كما هو الحال بالنسبة للغة العربية الفصحى ، فلماذا يا ترى يطالب بترسيمها دستوريا بجانب العربية مع أنه لن يترتب عن ترسيمها سوى مضاعفة تكاليف الاستعمال ...
قد يقال بأن استعمال اللغة العربية الفصحى يعتبر بدوره مكلفا ماليا فلننزع عنها ( عن اللغة العربية الفصحى ) الرسمية ، و لكن يرد على هذا القول من زاويتين :
ــ الزاوية الأولى : لو أسقطنا الرسمية عن اللغة العربية ، فلن تبقى هناك لغة رسمية تقوم بالتواصل بين المواطنين ، و حتى الفرنسية " المرسمة واقعيا و ليس قانونيا " لن تستطيع أن تقوم مقام اللغة العربية ، ليس فقط لأنه ليست بلغة وطنية ، وإنما ، بالإضافة لذلك ، تعتبر محدودة المعرفة جدا بين فئات الشعب المغربي و يكاد لا يعرفها سوى فئات صغيرة من المتعلمين و المثقفين ، بالإضافة إلى أن استعمالها مكلف ماليا أكثر من استعمال اللغة العربية الفصحى .
ــ الزاوية الثانية : لا يمكن حذف ترسيم لأن الأمازيغية المنمطة لم ترسم ، لأنه ، و كما يقول الفقهاء ، فإن ما لا يدرك كله لا يترك بعضه .
و أحسن للمنظمات الأمازيغية أن تطالب بإنهاء استعمال اللغة الفرنسية في مرافق الدولة الأمر الذي سينتج عنه تحويل التكاليف المالية الناتجة عن استعمالها إلى تعزيز الدراسات و الأبحاث المتعلقة بالعربية و الأمازيغية . و كما قلت في مداخلتي ليوم 3 ماي 2011 فإنه لا مانع من ترسيم الأمازيغية دستوريا بجانب العربية متى توفرت فيها كافة شروط التأهيل ، بل ذهبت إلى أبعد حد من ذلك بالقول بأنه إذ تفوقت الأمازيغية على العربية في التأهيل ، فلا مانع من نزع الرسمية عن العربية و الاكتفاء بترسيم الأمازيغية ...
4 ــ لا يمكن القول بأن الأمازيغية يجب ترسيمها لكون لهجاتها تم تنميطها في لغة واحدة تحكمها قواعد معينة و أنها أصبحت قابلة للكتابة بحروف معينة ، هي حروف تافيناغ ، لا يمكن القول بذلك للاعتبارات الآتية :
ــ فمن ناحية : فإن كل لهجة لها قواعد معينة تحكمها سواء كانت لهجة عربية أو أمازيغية ، و في زمن الاستعمار كانت اللهجتان الأمازيغية و العربية تدرسان في مستويات معينة و لفئات خاصة ...
ــ و من ناحية أخرى ، فإن أية لهجة من اللهجات قابلة للكتابة بأي حرف من الحروف ( عربي – أمازيغي – لاتيني..)
ــ و من ناحية ثالثة : فكل مجموعة من اللهجات يمكن تنميطها في لهجة واحدة أو لغة واحدة في مختبرات التنميط ، و لكن من المؤكد أن ما سينتج عن ذلك هو لغة أو لهجة جديدة غير مفهومة من طرف المتحدثين باللهجات الأصلية المشكلة للغة أو اللهجة المنمطة ...
قد يقال أن عدم فهم اللغة المنمطة ، هو صعوبة مؤقتة سيتم التغلب عليها خلال مدة معينة و عن طريق التعليم ، و لكن يرد على هذا القول من جهتين :
ــ فمن جهة : فإن تنميط اللهجات المختلفة لا يمكن أن يخلق من هذا التنميط لغة مؤهلة للتعبير عن كافة الأفكار المجردة و لإنتاج المعرفة في كافة المجالات و الإبداع .
ــ و من جهة أخرى : إذا كان فهم اللغة المنمطة يتطلب زمنا و مجهودا لفهمها من قبل المواطنين ، فلماذا ، يا ترى لا يصرف هذا الزمن و الجهد في تعلم اللغة العربية الفصحى ، اللغة الرسمية و المؤهلة للتعبير المجرد في جميع العلوم و لإنتاج المعرفة و الإبداع في جميع المجالات . و من المعلوم أن اللهجات العربية هي بدورها عاجزة عن التعبير عن الأفكار و المفاهيم المجردة أو التجريدية .
ــ وإذا كان من القبول تنميط اللهجات الأمازيغية في لغة واحدة ترسم فلماذا لا يكون أيضا من المقبول ، كما يطالب البعض ، بتنميط اللهجات العربية في لغة واحدة هي التي ترسم في الدستور بدل اللغة العربية الفصحى ، و يتم التدريس بها ، و تستعمل في سائر المرافق العمومية ؟!
5 ــ وفما يخص التعقيب على ما جاء بخصوص تكاليف استعمال اللغة العربية و اللغات الأجنبية و من يتحملها ...، فإنه :
ــ من جهة : فإن التكاليف الضريبية يتحملها كل المغاربة و بدون أي استثناء و هي الضرائب التي تحسب نسبتها ، من الناحية القانونية ، على أساس حجم المداخيل .
ــ و من جهة أخرى : فإن العربية الفصحى إذا كانت تستعمل في بعض المرافق العمومية فإن هذه المرافق يستفيد منها كل المغاربة بدون استثناء .
ــ و من جهة ثالثة : فإن هناك لغة أجنبية واحدة ، و ليس أكثر ، و هي الفرنسية التي تستعمل في جل المرافق العمومية ، إن لم نقل في كلها و تكلف ميزانية الدولة أضعاف ما يكلفه استعمال اللغة العربية ...
ــ لقد مضى على ترسيم اللغة العربية ( الفصحى ) بمقتضى القانون الأساسي للمملكة المعلن عنه بظهير 2 يونيو 1961 ، نصف قرن ، و مع ذلك و لغاية تاريخه لا زالت الدولة المغربية ترفض العمل على استعمال اللغة العربية في جميع المرافق العمومية مع بعض الاستثناءات التي لا يعتد بها .
6 ــ أما فيما يخص تعدد الترسيم في بعض الدول فإنه :
أ ــ وكما قلنا في مداخلة 3/5/2011 ، فإن الأصل هو ترسيم لغة واحدة و الاستثناء هو أكثر و أن الاستثناء لا يقاس عليه و لا يتوسع في تغييره ...
ب‌ ــ إن تعدد الترسيم لأكثر من لغة كثيرا ما يتم في دول ذات نظام فيدرالي :
و النظام الفيدرالي هو عبارة عن اتحاد مركزي بين دولتين أو مجموعة من الدول أو الدويلات و تكون فيها الشخصية الدولية للحكومة المركزية مع احتفاظ كل وحدة من الوحدات المكونة للاتحاد نوع من الاستقلال الداخلي الذي يحكمه نظام أساسي يحدد للوحدة سلطاتها التشريعية و التنفيذية و القضائية ، و هكذا تكون هناك حكومة مركزية و حكومات خاصة بكل وحدة من الوحدات المكونة للاتحاد الفيدرالي ، و هي وحدات دستورية لا وحدات إدارية مثل الجهات و الأقاليم ...
و من بين ما يتميز به الاتحاد الفيدرالي :
- أن مواطنيه يتميزون بوعي سياسي مرتفع بالولاء للحكومة المركزية بصورة أكبر من الولاء للحكومة المحلية التي يقطنون بها أو على الأقل بصورة متساوية و ذلك على خلاف ما هو عليه الأمر في الدول المتخلفة . و ما أكثرها في إفريقيا ، حيث يكون الولاء الأكبر للقبيلة و العشيرة و الجهة أو المنطقة و التي يحكمها المثل العربي الذي يقول : " أنا و أخي على ابن عمي ، وأنا وابن عمي على الغير " . إن تصور تشكيل فيدرالية في مثل هذه الدول لا يمكن إلا أن يكون مقدمة للانفصال ...
‌- إن كل وحدة من وحدات الاتحاد الفيدرالي تقطنها مجموعة يتكلم أغلب أفرادها لغة واحدة .
- إن الاتحاد الفيدرالي يرسم لغة أو لغتين على الأكثر تستعمل في جميع دويلات أو وحدات الاتحاد و يضيف إليها ترسيم لغة أو أكثر لا تستعمل إلا على المستوى المحلي : إن الاتحاد الفيدرالي إذا كان يرسم أكثر من لغة فهو لا يذهب أبعد من ذلك فيرسم جميع اللهجات و اللغات المتحدث بها في دويلات الاتحاد بحيث تظل الأغلبية الساحقة منها بدون ترسيم .
و لنلق نظرة على نماذج من هذه الدول الفيدرالية التي رسمت أكثر من لغة و التي من بينها : سويسرا – بلجيكا – كندا – جنوب إفريقيا – الهند – استراليا :
- فسويسرا : رسمت ثلاث لغات هي الألمانية و الفرنسية و الإيطالية . و كل لغة من هذه اللغات تستعمل بصورة واسعة في الوحدة التي يسكن أغلبيتها المتكلمين بأحد اللغات الثلاث .
- بلجيكا : رسمت لغتين هما : الفلمنكية و الفرنسية و كل لغة تستعمل بشكل واسع في الوحدة التي يتكون أغلبية سكانها من الناطقين بالفلمنكية أو بالفرنسية .
- كندا : و هي فيدرالية أيضا و لها لغتان رسميتان هما الإنجليزية و الفرنسية التي لا تستعمل عمليا إلا في منطقة الكيبك بجانب الإنجليزية .
- جنوب إفريقيا : التي مساحتها 1.221.037 كلم مربع و التي تتعايش فيها العشرات من اللهجات لم يرسم بها على مستوى مجموع البلاد سوى لغتان هما الإنجليزية و الأفريكانية مضاف إليهما حوالي تسع لغات محلية .
- الهند : و هي شبه قارة يتجاوز عدد سكانها المليار يتحدثون بالمئات من اللهجات على مساحة من الأرض تصل إلى 3287762 كلم مربع ، بها فقط لغتان رسميتان على مستوى بلاد الهند و هما : الإنجليزية و الهندية مضافا إليهما 12 لغة رسمية محلية .
- أستراليا : و تسمى القارة الاسترالية ، مساحتها 7.682300 كلم مربع ليس بها سوى لغة رسمية واحدة تستعمل في مجموع القارة وهي اللغة الإنجليزية .
هذا ومن الخطأ القول بأن هناك الترسيم بالكامل و الترسيم بالتدريج ، فالترسيم لا يتصور إلا تاما كاملا على مستوى النوع و أن من المتصور أن يكون محدودا على المستوى الجغرافي و نقصد بالنوع أن الترسيم عندما يتقرر يجب أن يشمل جميع المرافق العمومية للدولة ، أما على المستوى الجغرافي فيمكن أن يشمل الترسيم على كل الوطن أو جزء منه ( الترسيم الجهوى ) ، و في بعض دول الاتحادات الفيدرالية ، التي ترسم أكثر من لغة واحدة ، كثيرا ما يتقرر نوعان من الترسيم : أحدهما ترسيم عام يترتب عليه استعمال اللغة المرسمة في مجموع دويلات أو وحدات الاتحاد . و ثانيهما ترسيم خاص يترتب عليه استعمال لغة خاصة بكل دويلة من دويلات الاتحاد ، و في جميع الأحوال ، أي سواء كان الترسيم عاما أو خاصا فإنه يجب أن يكون شاملا لجميع مرافق الدولة لا بعضها و دفعة واحدة و ليس بالتدريج .
7 ــ كما أنه من المغالطة القول بأن القناة الأولى و الثانية تنتجان أزيد من 80 ساعة بالعربية بينما لا تنتجان إلا ساعة و خمسين دقيقة في الأسبوع بالأمازيغية . كما لم يتعد تعميم الأمازيغية في التعليم نسبة 10% .
فلنفرض أن هذه النسبة صحيحة و دقيقة ألا يحتاج الأمر إلى مناقشة و جدال ؟!
- فمن ناحية فإن اللغة المستعملة بالقناتين الأولى و الثانية هي اللغة العربية الفصحى وهي اللغة الوحيدة المرسمة بالمغرب وبالتالي فهي لغة المغاربة جميعا سواء منهم المتكلمون باللهجة الأمازيغية أم باللهجة العربية أم باللهجة الحسانية . و إذا كانت هذه اللغة الفصحى لا يفهمها الأميون الأمازيغ فإن الأمر كذلك بالنسبة للأميين العرب و الحل الوحيد هو القضاء على الأمية بالمغرب .
- و من ناحية ثانية : فإن هناك قناة تلفزية خاصة باللهجات الأمازيغية تشتغل من الصباح إلى ساعة متأخرة من الليل الأمر الذي لا وجود لمثله بالنسبة للهجات العربية التي لم تحظ بقناة خاصة بها .
- و من ناحية ثالثة فإن الأستاذ عصيد لم يتساءل كيف أن لغة أجنبية و هي الفرنسية تكاد تساوي أو تفوق الحصص البرامجية المخصصة للعربية بالقناة الثانية التلفزية .
- أما لماذا لم يتم تعميم الأمازيغية في التعليم إلا بنسبة 10 % ، فبغض النظر عن صحة هذه النسبة ، فإن الجواب عن هذا السؤال متروك لوزارة التربية الوطنية و للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ...!!
8 ــ أما القول بأن ترسيم لغتين أو أكثر لا يهدد الوحدة الوطنية و أنه لا يمكن الركون إلى هذا القول لأنه يتناقض مع الديمقراطية التي وجدت أساسا ليس لمحو التعدد و الاختلاف و إنما لتدبيرهما بشكل سلمي و عقلاني ، فإننا نرد على ما جاء في هذا الخصوص بما يلي :
- بأن الحق في الاختلاف و في التعدد لا يعني ترسيم جميع اللغات و اللهجات المستعملة في التعبير عن الاختلاف . كما أن الترسيم لا يعني القضاء على تعدد الأفكار و التنظيمات سواء كانت سياسية أو غير سياسية ...
كما أن الترسيم لأكثر من لغة له جانبان أحدهما قانوني و الآخر سياسي :
ــ قانوني : و يتجلى في كون الترسيم يفرض استعمال جميع اللغات المرسمة في كل المرافق العمومية .
ــ و سياسي : و هو أن ترسيم أكثر من لغة في دولة معينة يساهم في تسهيل الانفصال و بالتالي في تقسيم الدولة لينبثق عنها أكثر من دولة ؛ و الأمثلة عديدة في هذا الخصوص :
- فبلجيكا ، التي تعيش أزمات سياسية باستمرار ، مهددة بالانقسام إلى دولتين ..
- و الكيبيك بكندا : المرسم به لغتان ( الفرنسية و الانجليزية ) مهدد بالانفصال عن كندا لأن أغلبية قاطنيه ، من الناطقين بالفرنسية ، يفضلون الانفصال عن كندا و كادت هذه الأغلبية أن تنجح في الانفصال عن كندا في أحد الاستفتاءات المتعلقة بهذا الخصوص .
- و المنطقة الكردية : بالعراق شاهدة على هذا القول ، فالدستور العراقي لسنة 1970 نص في مادته السابعة على أن اللغة الكردية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية في المنطقة الكردية و في ظل الاحتلال العسكري الأمريكي للعراق سنة 2003 ، بدعم من المجندين الأكراد (جيش البشمركة) و الذي لا زال قائما حتى الآن بالعراق ، أصبحت المنطقة الكردية تسير بخطى سريعة نحو الانفصال التام عن العراق بتأسيس دولة كردية و من مظاهر السير نحو الانفصال : إحداث علم خاص بالمنطقة الكردية و استعمال اللغة الكردية وحدها بالإدارة و التعليم و اعتبار العربية كلغة أجنبية لتعلمها و ليس للتعليم بها و تأتي رتبة تدريسها ، بعد الإنجليزية . هذا مع العلم بأن الأكراد احتفظوا بالحروف العربية في كتابة اللغة الكردية .
9 ــ أما فيما يخص موضوع علاقة ترسيم الأمازيغية بحقوق الإنسان ، فإنني أرد على ما جاء في هذا الخصوص بما يلي :
ــ أؤكد من جديد ما قلته في مداخلة 3/5/2011 بعدم وجود أي ميثاق لحقوق الإنسان يدعو الدول إلى ترسيم لغة أو أكثر من اللغات و اللهجات المتداولة بين مواطنيها ، و كل ما تدعو إليه هو حماية جميع الثقافات و اللغات و اللهجات ، المرسمة و غير المرسمة من التهميش و الاندثار ، و هذا هو الذي يفسر لنا لماذا رسمت الجمعية العامة للأمم المتحدة ست لغات فقط من بين الآلاف من اللغات التي يتكلم بها الملايير من المواطنين المنتمين للدول الأعضاء في الأمم المتحدة. هذا مع العلم أن الجمعية العامة للأمم المتحدة هي المصدر الوحيد لإصدار الإعلانات والمواثيق الدولية و العالمية لحقوق الإنسان ، إذن علاقة حقوق الإنسان ، كما هي متعارف عليها عالميا محصور في الحماية دون الترسيم ...
ــ و في نطاق الحماية الحقوقية للثقافة و اللغة الأمازيغية بكل تفرعاتها ، قمت بواجبي الحقوقي عندما كنت رئيسا للجمعية المغربية لحقوق الإنسان لولايتين متتاليتين ، و هو الواجب الذي لا زلت أسير على منهجه حتى الآن :
- ففي عهد رئاستي للجمعية المغربية صدرت عن الجمعية المطالب الحقوقية الآتية :
- حماية الثقافة الأمازيغية .
- حماية اللغة الأمازيغية
- تدريس اللغة الأمازيغية .
- تأسيس معهد لحماية و تطوير الثقافة و اللغة الأمازيغية .
بطبيعة الحال طول مدة رئاستي للجمعية و عضويتي بها ، و هي الوضعية التي لا زالت مستمرة حتى الآن ، كنت أعارض صدور أي قرار من الجمعية يطالب بترسيم اللغة الأمازيغية دستوريا ، لأن مثل هذا الطلب لن يكون حقوقيا طبقا للمعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان و حسب التفاصيل التي استعرضناها في مداخلة 3 ماي 2011 و في هذا الرد لأن مثل هذا الطلب لن يكون مشروعا و بالتالي يعتبر باطلا و لو صدر بالإجماع من المؤتمر الوطني للجمعية ، فمن باب أولي أن يصدر ، و لو بالإجماع ، من لجنتها الإدارية ...
- و يظهر أن خلفيات سياسية و انتخابوية تحكمت في الموضوع في المؤتمر الأخير للجمعية ( المؤتمر التاسع المنعقد في سنة 2010 ) فأحيل أمر المطالبة بترسيم اللغة الأمازيغية دستوريا للبث فيه من قبل اللجنة الإدارية المنبثقة عن المؤتمر و هو ما تم فعلا بحيث صدرت عن أحد اجتماعات اللجنة الإدارية المطالبة بترسيم الأمازيغية دستوريا ...
- على أن النقيب عبد الرحمن بن عمرو ، كحقوقي و كمحام ، و كمنتمي لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي ، لم يكتف ، خلال مشواره النضالي ، بالدفاع عن الحقوق الثقافية و اللغوية الأمازيغية من الوجهة الحقوقية ، و إنما تجاوز ذلك إلى الدفاع عن معتقلي حرية الرأي و التعبير من الأمازيغ حتى في الحالات التي تجاوز رأيهم الحدود الحقوقية للأمازيغية .. و إلى الأستاذ عصيد بعض الأمثلة :
- في سنة 1982 ارتأى المناضل الأمازيغي المرحوم الأستاذ صدقي أن يدبج مقالا في أحد المجلات من بين ما جاء فيه : أن الفتح العربي للمغرب لم يكن من أجل نشر الديانة الإسلامية وإنما هو غزو يستهدف تحقيق مصالح مادية للإمبراطورية العربية... و بسبب هذا المقال نسبت إليه تهم معينة ، أحيل بسببها إلى المحاكمة بابتدائية الرباط و كان المحاميان الوحيدان الذين دافعا عنه هما النقيب عبد الرحمن بن عمرو والمرحوم الصادق العربي شتوكي و كلاهما من حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي و طالبا ببراءته على اعتبار أن عبارة الغزو تدخل في إطار حرية الرأي و التعبير . و لم تقتنع المحكمة بوجهة نظر الدفاع حيث قضت عليه بسنة حبسا نافذا ... و عندما حكم علي في سنة 1983 بثلاث سنوات حبسا نافدا بمناسبة ما عرف باعتقالات 8 ماي 1983 التي استهدفت قمع المعارضة داخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و تم إيداعي ، مع عدد من رفاقي الحزبيين المعارضين ، وذلك بأمر من النيابة العامة ، السجن المدني بالرباط حيث التقيت بالأستاذ صدقي الذي كان يقضي عقوبته به...
- و المثال الثاني يتعلق بالأستاذ حسن إذ بلقاسم، المناضل الأمازيغي الحقوقي ، الذي سمح لنفسه ، منذ سنين ، أن يكتب على لوحة باب مكتبه وبالشارع العمومي التعريف به كمحام باللغة الأمازيغية وبحروف تيفيناغ وهو أمر لم يكن مسموحا به وقتها من قبل السلطة، فكانت النتيجة أن اعتقل من قبل الشرطة وحبس بأحد زنازين الأمن الإقليمي بالرباط لعدة أيام كنت خلالها أتردد يوميا على وكيل الملك لدى ابتدائية الرباط من أجل الإفراج عنه و هو ما تم فعلا بدون إحالته على المحاكمة ...
10 ــ بقي في الأخير الرد على موضوع معارضة إصدار توصية من مؤتمر الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان الذي سبق له أن انعقد بالدار البيضاء – المغرب و كنت وقتها رئيسا للجمعية .
- و بالفعل اعترضت على صدور توصية من المؤتمر تدعو الدولة المغربية إلى ترسيم اللغة الأمازيغية دستوريا ، و هي التوصية التي تقدم بمشروعها بعض الطوارقة الصحراويين المنتمين إلى جمعية حقوقية :
- و قد انبنى اعتراضي على الأسباب القانونية التالية :
1- إن مشروع التوصية لا يمكن مناقشته لأنه لم يكن مندرجا في جدول أعمال المؤتمر حسب الإجراءات التي ينص عليها النظام الأساسي للفيدرالية في مادته 18 التي تنص على أن جميع الوثائق المتعلقة بالمؤتمر و بالانتخابات و بالتقارير و بالتوصيات التي ستعرض عليه يجب أن تبعث إلى المنظمات المنخرطة في الفيدرالية و ذلك قبل شهرين على الأقل من انعقاد المؤتمر و هو الأمر الذي لم يتوفر في مشروع التوصية المعنية .
2- حتى مع الفرض جدلا بأن التوصية مقبول مناقشتها من الناحية الشكلية ، فإنها غير مقبولة من الناحية الموضوعية ، لأن موضع التوصية ، و هو المطالبة بترسيم اللغة الأمازيغية من طرف مؤتمر الفيدرالية لا يدخل ضمن المطالب الخاصة بحقوق الإنسان حسب التفاصيل التي بيناها في هذا الرد و في مداخلتنا ليوم 03/05/2011 ، هذا مع العلم بأن الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان ، و كافة الجمعيات و المنظمات الحقوقية في العالم ، لا تصنع مبادئ حقوق الإنسان الكونية ، و إنما تلتزم بتطبيقها و بالتالي تلتزم بعدم التعارض معها . إن الذي يصنع مبادئ حقوق الإنسان ، كما هي متعارف عليها عالميا ، هو الجمعية العامة للأمم المتحدة ، و كان أهم ميثاق صنعته هو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان . و قد أشارت الفيدرالية في المادة الأولى من نظامها الأساسي عن كونها : " ... تهدف إلى الدفاع و التفعيل للمبادئ المصرح بها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في سنة 1948 ."
3- إن رئاستي للجمعية امتدت من دجنبر 1994 لغاية أبريل من سنة 2001 ، و خلال هذه المدة لم يصدر أي قرار من الجمعية يطالب بترسيم الأمازيغية في الدستور و بالتالي لم يكن مسموحا لي قانونيا ، أن أساند توصية تصدر عن مؤتمر الفيدرالية ، الذي انعقد خلال مدة رئاستي ، و لو ساندتها ، وهذا ما لم أسمح به لنفسي ، لتعرضت ، وقتها ، للمحاسبة و المساءلة من طرف الجمعية ...
4- لو كانت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان ، التي يوجد مقرها بفرنسا و التي تضم ، أكثر من 143 جمعية حقوقية منبثة في مختلف بقاع العالم ، مقتنعة بأن ترسيم اللغات هو عمل حقوقي ، لقامت ، انسجاما مع قناعتها بما يلي :
أ‌- دعوة الدولة الفرنسية التي يقع مقرها المركزي بها (باريس) ، إلى ترسيم جميع اللغات السبع المتكلم بها بفرنسا بدستورها .
ب‌- لاستعملت جميع لغات المنخرطين بها في وثائقها و محاضرها و أجهزتها و أنشطتها و مؤتمراتها ، و لكنها لا تستعمل سوى الفرنسية أساسا تم يليها الإنجليزية و الإسبانية .
ج- لأعدت مشروع توصية عامة ، يعرض على أحد مؤتمراتها للمصادقة و يكون موضوعه : دعوة جميع دول العالم ، وليس المغرب وحده ، إلى أن تصبح جميع اللغات و جميع اللهجات مرسمة دستوريا لدى كل دول العالم التي تنتمي إليها هذه اللغات و اللهجات .

النقيب عبد الرحمن بن عمرو
الرباط في 20 ماي 2011

هناك تعليق واحد:

  1. لك كل الشكر والتقدير أستاذ بنعمرو

    ردحذف