السبت، مايو 28، 2011

دفاعا عن الأمازيغية ...

بقلم : فؤاد بوعلي
( نقلا عن جريد التجديد بتاريخ 25 ماي 2011 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يروى عن المختار السوسي أن أحد زعماء الحركة الوطنية أتاه أيام الاعتقال ليعلمه «الشلحية» فأمره بالجلوس لتعلم الأجرومية . في منطق المشيخة هذه رسالة عميقة مؤداها المعرفة المدققة بالتوزيع الوظيفي للغات في
المغرب . و استنارة بهذا العَلَم و الموقف نقول أن الدفاع عن الأمازيغية ينبغي أن يكون بناء على قواعد أساسية :
1 ـــ يخطئ من يتصور بأن الإشكال اللغوي قد حل بعد عشر سنوات من عمل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي يتفنن المنتمون إليه في تعداد منجزاته المرجعية و كتبه الممولة من دافعي الضرائب المغاربة . لكن ما يحاول هؤلاء القفز عليه هو حقيقة الوجود الأمازيغي في جوهره . فالأدبيات الأكاديمية التاريخية و اللسانية مازالت تراجع قضية الوجود في شمال المغرب باعتبارها أعراقا ، و اللغات باعتبارها لغات متناثرة ، و الأصول انطلاقا من تعددها : فكيف يتم الحسم في قضية هوياتية غيب عنها أبرز الخبراء فيها ؟ بل كيف يحسم في مسألة لغوية في غياب أبرز اللسانيين المغاربة الذين قدموا اللسانيات بمختلف مدارسها للعالم ؟
إن مسألة اللغة هي أكبر من مجرد سجال إعلامي و نقاش شعبوي تعود عليه بعض المنافحين عن الأمازيغية ، و هي أكبر من مجرد أرقام يمجد المنتسبون للمعهد في عدها ، بل هي نقاش علمي يظل حاضرا و غير محسوم فيه مادام أهل الفن مستبعدين منه . فكيف يعقل لبلد من أبنائه عبد القادر الفاسي الفهري وأحمد المتوكل و أحمد العلوي و محمد الأوراغي و غيرهم ممن قدم للعالم نظريات لسانية تدرس و تؤسس أن يتحدث في لغة دون الاستنارة بهم و الاهتداء برؤاهم ؟ بل كيف يحسم في تاريخ أمة ، و نحن نعرف كيف يصاغ التاريخ و قدرتنا على مضادته بنماذج واقعية من نموذج الاختلاف من حيث الأصول بين سوس (جبل سواسة في حضرموت) و الريف (الحضور الوندالي في الذات الريفية) كما تذكر العديد من المصادر ؟ بل الأدهى والأمر أن يتهم الذين ينافحون عن العربية بعدم إلمامهم بالأمازيغية و هم الذين قدموا للعالم نظريات لسانية تدرس و يقاس عليها . و من أبجديات الكليات اللغوية ، التي يعرفها المبتدئ في علم اللسانيات النظرية و التطبيقية ، أن النماذج المقترحة لا تخص لغة دون أخرى بل علميتها رهينة بتطبيقها على كل اللغات دون استثناء .
2 ـــ نكرر القول أنه ليست هناك هوية أمازيغية واحدة و نمطية تسري على جميع أبناء المغرب بل هي هويات تنضاف إلى عناصر تركيبة أخرى مثل الأندلسية و المتوسطية و الإفريقية و اليهودية ... و كلها تشكل الذات المغربية الحاضرة فينا . لذا لا يمكن التمييز بين العربي و الأمازيغي و الإفريقي و الأندلسي في الذات الواحدة . و ترسيم هوية غير ثابتة و هلامية الحدود يعني الارتهان للمجهول . لكن هذا لا ينفي إمكانية حضور التعبيرات الثقافية التي تحضر في الواقع المغربي و ينبغي الدفاع عن حق كل واحد من المغاربة في وجوده التعبيري الثقافي . فالأسماء و الفنون المتنوعة و الرموز التاريخية و الكتابات المتنوعة تعد كنوزا حضارية للأمة لا ينبغي التفريط فيها . إذ بها تتحدد معالم الإنسية المغربية .
3 ـــ تستهين كثير من الكتابات بمآل المجتمع حين تدرج الأمازيغية في الدستور و ترسم . فما يحدث اليوم و يصنف من خلاله المغاربة إلى أمازيغ و غيرهم ينذر بحدوث تشظي يبدأ نفسيا ليغدو مع مرور الزمن هوياتيا و أكثر عمقا . و ليس التشظي السياسي إلا نتيجة أخيرة لمسارات التشرذم . و البداية دوما تكون صغيرة . و الذي يتصور أنه سينتصر وقتيا في هذا التجاذب فهو مخطئ . و لا أتصور أن الأمازيغ في المغرب و أنا منهم ، بعد قرون من الوجود و الدفاع عن وحدة المجتمع و عن نواظمه المشتركة ، سيغامرون بذلك من أجل تفرد عرقي و أجندة هوياتية غريبة . و الأمازيغ الذي عاشوا في ظلال العربية و دافعوا عنها و آمنوا بها لغة للتواصل الرسمي ، قد حافظوا على لغاتهم في علاقتها بالعربية .
4 ــ من غريب ما طالعته تساؤل أحدهم :<< هل حماية الوحدة الوطنية تعني محاربة الأقليات اللغوية في شعب أمازيغي الهوية و الثقافة ؟ >> . فهل الأمازيغ أقلية ؟ سؤال ينم عن جهل لحقائق التاريخ و الحضارة حين يغلف بالتقزيم الإيديولوجي . لكن هل يرتبط الحق بالترسيم ؟ و حتى بعيدا عن الصياغة القانونية و ترسانات المراسيم ، هل الاعتراف بحق الأمازيغ الوجودي يكون بترسيم لغتهم ؟ و الأكثر من ذلك : هل الظلم المسلط على الأمازيغي الآن و قبل عقود كان سببه أمازيغيته أم انتماؤه لقاعدة المقهورين اجتماعيا و سياسيا ؟ و ألا يذكُر لنا هؤلاء بعض المشاهد التي نكل فيها الأمازيغي بابن بلدته أو عرقه ؟ اسألوا جبال الريف و الأطلس لتجيبكم . إن ربط الحق بالترسيم هي محاولة لإخفاء المطالبات الشعبية التي تتزايد من أجل التوزيع العادل للثروات و إعادة السيادة للشعب بعد أن سلبت منه لعقود طويلة .
5 ــ تحول النقاش الحالي حول التعديلات الدستورية إلى نقاش إيديولوجي أهم مميزاته الانتقائية . تتكرر النماذج المنتخبة من التجارب العالمية حول دسترة التعدد اللغوي . فمن بلجيكا إلى إسبانيا إلى سويسرا و الآن جنوب إفريقيا و الهند . لكن أهم مميزات هذا الانتقاء هو انعدام القدرة على القراءة العلمية المتعمقة للنماذج و اختيار النصوص المناسبة للمزاعم . فهل يعرف هؤلاء مثلا أن سبب الصراع في بلجيكا ليس الجهوية اللغوية و إنما سبب اقتصادي سياسي يعود إلى الزمن الهتليري ؟. و هل يعرف قراء الدستور الجنوب إفريقي أن تقرير المجلس الأعلى للغات يصر على أن وجود 11 لغة رسمية هو أمر مبالغ فيه ، و أن الاختيار المنطقي هو الاعتماد على لغة رسمية أو حتى لغتين باستحضار الإنجليزية التي تفرض نفسها عمليا ؟ صعب أن تقرأ الأمور بهذا الوضوح لأن الأدلجة تغيب الحقائق .
6 ــ أهم مميزات الخطاب المؤدلج هو الإطلاقية في الحديث باسم الأمازيغ و مطالب الأمازيغ . و كأن الأمر يتعلق بأقلية مقهورة في تاريخ المغرب تحتاج من يدافع عنها . و قد حاولت العديد من المنابر الإعلامية تكريس هذا التجاذب و تصويره و تسويقه دوليا على أنه صراع بين لغتين و إثنيتين : واحدة مسيطرة سياسيا و إداريا و ثقافيا ، و أخرى مهمشة و محتقرة بل و محاربة إعلاميا . و هذه الصورة تقوت و ترسخت مع النقاش الدستوري خاصة بعد دخول الأحزاب السياسية على الخط و استغلال البعض منها للموضوع من زاوية انتخابوية ضيقة .
7 ــ إن الدفاع عن الأمازيغية لا ينبغي أن يظل رهينا بدسترتها أو بتقنينها لأن حياتها خارج المؤسسات و كخطاب شفوي منحها القدرة على احتلال مواقع تعجز باقي اللغات عن احتلالها ، فلم السعي الدؤوب لدسترتها و فرضها على المجتمع بأكمله ؟ بل لم هذا التسارع لتقديم الأمر كأنه مسألة حياة أو موت للأمازيغ ؟ إن الأكيد أن الأمر لا يتعلق بالأمازيغية و لا بالأمازيغ و إنما بأشياء أخرى .
من حق كل مغربي أن يفتخر بهويته المتعددة . و من حق كل مغربي أن يفتخر بملكيته للأمازيغية كثقافة تؤثث ذاتيته الغنية . و من حق كل مغربي أن يدافع عن الأمازيغية التي اغتنت بوجودها جنبا إلى جنب مع كيانات ثقافية خلقت إنسيته المزايلة . لكن هذا الدفاع لا ينبغي أن يقزم في أدبيات عرقية و قراءات انتقائية للواقع العالمي ، بل يفترض في الدفاع أن يؤسس على وعي بلحظة الثورة العربية و تشكيلها وفق الحاجة الوطنية و عدم المقامرة بمصير الوطن . آنئذ يكون الدفاع قد تدثر بوطنيته .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق