الخميس، ديسمبر 15، 2011

مطالب لغوية

بقلم : الدكتور فؤاد بوعلي
( نقلا عن هسبريس بتاريخ 13 دجنبر 2011 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عديدة هي المطالبات التي توجه لرئيس الحكومة المقبل عدد أحلام المغاربة و أمانيهم الطوال . فبعد زمن طويل من التدبير السيء لكل الملفات و التمثيل الأسوأ للوطن و المواطنين ، استبشر المغاربة خيرا بأن سمح لهم بأن
يوجهوا دفة الحياة السياسية و لو جزئيا من خلال اختيار رئيس لحكومتهم القادمة . و كما نحبذ التأكيد دوما ، فالاختيار لم يكن من أجل أرقام واردة أو برنامج قطاعي أو حتى أعداد من المناصب و الأجور ، فالمغاربة على وعي بمقدار التحدي و عراقيل "كتائب التحريض" و هامش الحركة المتاح ، لكن الاختيار نابع بالأساس من رسالية الحزب و قائده . و رساليته التي يمكنها أن تغير وجه اللعبة السياسية تتجلى في نقطتين رئيستين : العمق الهوياتي للحزب كما تجلى في أدبياته و قدر من المصداقية الأخلاقية المتوفرة في أعضائه . لذا فمن المفروض أن يجد المغاربة في الحكومة المقبلة عناوين لانشغالاتهم اليومية التي تحتوي قدرا هاما من الاهتمامات الوجودية التي تضمن لهم أمنهم اللغوي و الهوياتي بقدر ضمان أمنهم الاجتماعي و السياسي .
فمنذ الاستقلال و مقومات الهوية المغربية تحارب تارة باسم الخصوصية و تارة أخرى باسم الحداثة و العلمنة ، في حين كانت السلطة و حوارييها منشغلون بالتوازنات السياسية و الصراعات الإيديولوجية ، فكانت النتيجة هي هذه الفوضى التي وسمت المشهد اللغوي لعقود ، و خلقت اضطرابا هوياتيا أدى إلى العديد من الاختلالات المعرفية تجلت في إدارة التعليم و الشأن العام حتى بدأ التبشير بالانتماءات البديلة . في هذا الواقع اللامعقول ينتظر من الحكومة القادمة الحسم في المسألة و تقديم البديل الحقيقي للفوضى اللغوية من خلال إجراءات عملية تنتظرها النخبة المثقفة و المواطن العادي الذي آمن بوجوده الهوياتي قبل الإيمان بزمنه العارض . و نعتقد أن البرنامج المستقبلي ينبغي أن يعالج الاختلالات التدبيرية من خلال سياسة لغوية واضحة و راشدة أهم ملامحها :
الوعي بدور اللغة في الوجود الوطني : لعل أهم ملامح المشهد الفوضوي الحالي هو انزواء الفاعل السياسي عن الحسم في الخيارات اللغوية اعتقادا منه بعدم جوهرية المكون اللغوي في نسيج المجتمع و بعدم الحاجة إليه في ضبط التوازنات السياسية و تغليب الاهتمام بالظرفي العرضي على الحاجات الاستراتيجية للأمة . فصحيح أن الدولة وعت أخيرا بأساسية المكون اللغوي لكن ليس من خلال رؤية شمولية و إنما من أجل خلق التوازن بين الأطياف الاجتماعية المختلفة كما بدا في التعديل الدستوري الأخير . لذا فمن الضروري تنزيل رؤية لغوية واضحة المعالم مؤطرة بالضوابط القانونية و المؤسساتية المؤسسة للتدبير اللغوي عالميا : ضمان الوحدة الوطنية ، و الاعتراف بالتعددية اللغوية ، و تحقيق التنمية الاجتماعية و الثقافية .
التوزيع الوظيفي للغات : جوهر الإشكال في مقاربة المسألة اللغوية هو جدولة اللغات وفق وظيفيتها . فإذا كان المغرب متعدد المكونات و موقعه الجيوستراتيجي مكنه من استقبال ثقافات وافدة متعددة ، فإنه الآن ، بعد التعديل الدستوري و التبشير بمجلس أعلى للغات ، في أمس الحاجة إلى توزيع مجالي بين لغاته سواء الوطنية منها أم الأجنبية . فلا يمكن للغة أن تحتل مكان أخرى أو تقوم بوظائفها التي منحها لها المغاربة منذ قرون طويلة . فبعد سلسلة من الندوات و اللقاءات العلمية تبين أن المشكل اللغوي من أهم المشاكل التي تعترض انتقال المغربي نحو مجتمع المعرفة . و الضعف اللغوي غير خاص بلغة دون أخرى ، و إن أخذت العربية النصيب الأوفر ، فقد بينت الدراسات أن الطالب المغربي قد فقد قدراته اللغوية المختلفة و غدا عجزه التواصلي متناميا . و أهم مفاتيح الحل فتح نقاش علمي حقيقي بعيد عن الأدلجة والسجالات الفئوية وتحضر فيه القراءات العلمية الأكاديمية للخروج من شرنقة الفوضى الحالية .
الحماية القانونية للغة الرسمية : بالرغم من إقرار العربية في مختلف الدساتير لغة رسمية للدولة، لم تستطع الحكومات المتعاقبة منحها هذا الوضع الاعتباري و القانوني . فقد توالى على تسيير الشأن العام أسماء و هيئات آمنت بالعربية و دورها الحضاري لكنها عجزت أو تراخت في أجرأة اعتقادها . لذا لن تفاجأ حين تسمع دعوات من شخصيات علمية و سياسية تزايد في إقصاء العربية باعتبارها لغة استعمار أو غير ديمقراطية أو تقزيم دورها من خلال التلهيج و الانتماء البديل . فيفترض في حكومة الأستاذ بنكيران أن تحسم في الخيار و تفرض العربية لغة رسمية بما يتعلق بها من إجراءات حمائية و قانونية و تشريعية كما صرح بذلك الدستور المعدل .
في انتظار الأكاديمية : تعب المتحدثون و الباحثون في شؤون العربية و اللسانيات من الحديث عن أكاديمية اللغة العربية حتى غدا الأمر أشبه بالحلم . فمنذ أن بشر الميثاق الوطني للتربية و التكوين بإحداثها في بحر موسم 2000-2001 و أعناق المهتمين مشرئبة نحو هذه المؤسسة التي من المنتظر أن تعد إطارا مرجعيا يهتم بالعربية و ينسق بين مختلف الباحثين في الشأن اللغوي و يمثل لغة الضاد في الهيئات المختصة وطنيا و دوليا . لكن تعودنا على أوهام و تسويفات وزراء الحكومات المتعاقبة الذين تفننوا في إبداع تبريرات التأخر في تنزيل النص القانوني . لذا فأهم مداخل الإصلاح اللغوي هو أجراة أكاديمية اللغة العربية و توفير الإطار القانوني و المالي و البشري لنجاحها .
إن المأمول من حكومة السيد بنكيران كثير و كثير جدا . لكن القراءة الجيدة لمبررات التصويت و دلالاته التي أعطت للحزب و حلفائه المرتبة الأولى كفيلة بأن تحدد مسار التغيير المنتظر . فالتصويت كان هوياتيا قبل أن يكون اجتماعيا أو اقتصاديا لذا فالجواب يلزم أن يكون كذلك . و أهم مداخل الحفاظ على هوية المغاربة ضدا على المنظومات القيمية الوافدة و الانتماءات البديلة هو النهوض باللغة العربية عنوان الوحدة و الهوية و العقيدة ... من هنا البداية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق