السبت، سبتمبر 10، 2011

سؤال الهوية اللغوية في المغرب المتعدد (2/3)


بقلم : الدكتور فؤاد بوعلي
( نقلا عن جريدة هيسبريس بتاريخ 21 أكتوبر 2010 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العربية و الديمقراطية

منذ نشرنا لمقال (إعلان دمشق) حيث ثمّنا فيه المبادرة العربية في الحفاظ على لغة الأمة ، توالت العديد من الكتابات المؤولة لاجتماع رؤساء الجمعيات الأهلية و المدنية للدفاع عن اللغة العربية في الوطن العربي في العاصمة السورية دمشق محاولة ربطه بطبيعة النظام السوري المحتضن
للقاء . و لأننا ما زلنا بعيدين عن صياغة أسلوب حواري جاد في معالجة السؤال اللغوي بالمغرب يقدم أطروحات حقيقية بعيدًا عن المغالطات المتعمدة ، تهافتت هذه الكتابات إلى الربط بين نظام سوري وصف فيها باللاديمقراطي و اللاشرعي و الديكتاتوري ، و بين اجتماع عادي لجمعيات تشترك في همّ الدفاع عن لغة الأمة . و إذا كان هذا اللقاء قد أغاظ البعض بحكم فرادته و تأسيسه لمسار عودة العربية من باب الأمة فإن منتقديه تناسوا أمورًا أو حاولوا القفز على حقائق معينة :
1ــ اللقاء عقد تحت مظلة الجامعة العربية و ليس النظام الحاكم في سوريا الشقيقة و المغرب عضو في هذه الجامعة ، كما أنه أتى تتويجا لمسار انطلق منذ مؤتمر القمة العربية الذي عقد في دمشق عام 2008 ، و مرورا بقمة الدوحة 2009 ، و إعلان الرياض ، و توصيات وزراء الثقافة في الوطن العربي في اجتماعاتهم بصنعاء و مسقط و الجزائر و دمشق ، وصولا إلى مشروع النهوض باللغة العربية للتوجه نحو مجتمع المعرفة الذي كلفت به المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم .... إلى غيرها من المشاريع التي لم يحتضنها نظام سياسي بعينه و إنما هي إرادة كل الدول العربية بما فيها حكومة المغرب .

2 ــ لم يكن اللقاء موجها نحو فئة أو تشكيلة لغوية بقدر ما هو بداية لنهوض عام تعيشه مختلف الدول العربية في تواءم فريد بين الأنظمة و المعاهد البحثية الرامي إلى إعادة الاعتبار للغة العربية باعتبارها لغة هوية و ضمان الحضور و الوجود في زمن تبعثر الهويات . و إذا كان البعض قد حاول تأويل مقتضيات الإعلان و مختلف قرارات القمم العربية و تسارع وتيرة الاهتمام الأكاديمي بالعربية إلى حرب على اللهجات و اللغات المختلفة فهذا يثبت من جديد ما نؤكده دوما أن إثارة هذه المواضيع في كل مرة يتم الحديث فيها عن العربية يثبت أن المقصود ليس الدفاع عن لغة أو لهجة بقدر ما هو حرب على العربية تحت عناوين عديدة تتفق كلها في الانتماء إلى معسكر الحرب على مقومات الهوية الإسلامية العربية للأمة . و الدليل على ذلك بسيط هو دفاع هذه الأصوات عن الأمازيغية في نفس الوقت الذي تنافح فيه عن اللهجات و اللغات الأجنبية باسم الحق في الوجود . إنه دفاع ليس عن لغات وطنية و إنما حرب على العربية .

3 ــ أثبت القرار الأخير لأكراد العراق ، و الذي بدأ لغويا و ثقافيا و وصل الأمر إلى المطالبة بتقرير المصير و الاستقلال ، أن بداية التجزئة تأتي من نقاشات مغلوطة . فباسم الحقوق الثقافية يتم الإجهاز على عناصر الوحدة ، و باسم الحق في اللغة يتم الإجهاز على أمن الأمة ، لنصل في النهاية إلى تفتيت لا جمع بعده . و لذا نلح دوما على أن العربية من خلال تراكمها التاريخي و حضورها الوجداني و قدرتها المعجمية أداة لتوحيد المغاربة على اختلاف انتماءاتهم و ألسنتهم .

4 ــ اعتادت المؤسسات العلمية على فتح النقاش حول السؤال اللغوي في المغرب . و إذا كانت هذه المؤسسات تنتقي محاضريها و مؤطري ندواتها فلأن البحث العلمي الرصين يحتاج إلى باحثين أكفاء يقدمون رؤية علمية تأسيسية و ليس حديثا وجدانيا ـ شعبويا يصلح في منتديات أخرى ـ و لذلك فمثل هذه المؤسسات التي تشتغل في أبحاث علمية رصينة لا تحتاج إلى من يحدثها عن التهيئة و التخطيط اللغويين للعربية ما دامت تقدم فيه بحوثا حقيقية و ليس كلاما يلقى على عواهنه لمن ينظر من منطق الصراع المأجور .
5 ــ إن الرهان على الانتماء العربي هو جزء من وجود الأمة فالتاريخ يشهد بالعلاقات التداخلية بين أمازيغ المغرب و الوافدين من العرب ، كما أن الانتماء الحقيقي للمغاربة يؤكد عضويتهم التاريخية و الإثنية في فضاء الشرق العربي . و هذا ضمان وجودهم . و بلغة المصلحة و الواقع ، يؤدي الانحسار في إقليمية ضيقة إلى غياب عن مسرح الحدث عالميا و جهويا .

6 ــ إن الاعتماد على معطيات الواقع العالمي التي تثبت المواقع التي بدأت تحتلها العربية سواء داخل المنتظمات الدولية ، أو في التواصل العلمي و الإعلامي ، و وصولها إلى مراتب عليا في الإحصاءات المعتبرة في الأنترنت ، إضافة إلى رهان كل تقارير التنمية البشرية ـ التي تعتمد بدعم من الأمم المتحدة ـ عليها كلغة تنمية و ضمان ولوج المجتمعات العربية و من بينها المغرب إلى مجتمع المعرفة ، ليس كلاما وجدانيا أو عارضا بل هو مؤسس على واقع معيش و معترف به ينبغي الانطلاق منه في تأسيس رؤية حقيقية للسؤال اللغوي بالمغرب .

إن الذين يحاربون العربية باسم الديمقراطية و الحقوق الثقافية ينطلقون من فهم غريب للديمقراطية لا يوجد إلا في مخيلتهم و عقلية الصراع التي بنوا عليها أطروحاتهم . و يكفي أن نقرأ ردودهم على إعلان دمشق لنتفهم أن أطروحتهم بنوها على محاربة العربية . فلم يذكر الإعلان أي شيء لا عن الأمازيغية و لا عن الكردية أو غيرها ..، فالتجارب الواقعية أثبتت أن الأمن يسبق الحق ، و أنه لا يمكن الحديث عن حقوق الإنسان في ظل تنازع الهويات و حروبها . فلا أحد يمكن التنكر للتعدد الثقافي في المغرب، لا أحد يمكنه أن يهدد أمن الوطن باسم الحرية و الهوية المتنوعة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق