السبت، سبتمبر 10، 2011

سؤال الهوية اللغوية في المغرب المتعدد (3/3)


بقلم : الدكتور فؤاد بوعلي
( نقلا عن هسبريس بتاريخ 12 يناير 2011 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحركة الأمازيغية المغربية : محاولة في تصحيح المسار .

تحتفي الحركة الأمازيغية هذه الأيام بمختلف مكوناتها السياسية و الثقافية ، الرسمية و المدنية ، بما اصطلحت على تسميته بالسنة الأمازيغية . و أحببنا في هذا الإطار أن نفتح بابا للنقاش في مسار هذه الحركة و طريقة تناولها للمسألة الهوياتية بالمغرب . فلا أحد يمكنه أن يتجاهل التعدد اللغوي الذي
تكتنزه الذات المغربية ، كما أن لا أحد بإمكانه أن يجادل في وطنية فضلاء الأمة كيفما كان لسانهم ، و لا أحد يمكنه تجاوز الحركة الأمازيغية كمكون أساسي في النقاش الهوياتي المغربي و ما حققته من تراكمات و من إيجابيات عديدة على هذا النقاش الذي كان مضمرا في أدبيات المفكرين و السياسيين ، لكن لا أحد ـ في نفس الوقت ـ يمكنه القفز على جملة من السّمات التي طبعت مسار هذه الحركة منذ بدايتها إلى الآن و رسمت توجهها الذي يأبى التغير بالرغم مما تحقق في العهد الجديد ، ما دام المنحنى قد رسم في المنطلق . ونود أن نفتح هذا النقاش مستوعبين للاختلاف الذي تكتنزه هذه الحركة بشكل يصعب معه الحديث عن خطاب واحد و مُوحّد أو عن منظومة فكرية و إيديولوجية واحدة ، لكن هناك معالم وصوى بادية في مختلف بيانات و وثائق و مذكرات و كتابات هذه المكونات ، و التي يمكننا تحديدها في ستة أخطاء رئيسة . و تحديدنا لهذه الأخطاء يعني مساهمة جدية في النقاش حول الأمازيغية و الدور الذي ينبغي أن يناط لها في المغرب الجديد و محاولة في تصحيح المسار حتى تغدو الحركة وطنية بامتياز و يمكن للحوار معها أن يخلص إلى نتائج ملموسة و حقيقية :

 1 ــ الصراعية : انطلقت الكتابات الأمازيغية بحرب ضروس ضد مكونات الساحة السياسية و الاجتماعية المغربية . حيث لم يسلم أي تيار من نقدها اللاذع الذي تأرجح بين التخوين تارة و المؤامرة على حقوق الأمازيغ تارة أخرى و إلصاق تهم الرجعية و الشوفينية و غيرها من الأحكام الجاهزة في أحيان كثيرة . فالحركة الوطنية التي قادت الاستقلال هي حركة عروبية قومية سلفية معادية لقضية الأمازيغ . و اليسار كيان متآمر على الأمازيغية من خلال تشبعه بمبادئ الفكر القومي الذي يربط تحرر الشعب المغربي بتحرر الشعوب العربية في فلسطين و العراق . و الحركة الإسلامية ما هي إلا حركة مستغلة للدين لأهداف سياسية و مقدسة للعربية . و النظام السياسي نظام لا ديمقراطي و عربي و محارب لمظاهر الهوية الأمازيغية خاصة الأسماء . و من خلال هذه الجبهات المتعددة التي فتحتها اتسمت الحركة بمنطق صراعي رافض للآخر كيفما كان توجهه و انتماؤه الإيديولوجي و هو ما سينعكس على الخطاب المؤسس لأدبياتها .

2 ــ الحرب على العربية : لا تختلف أدبيات الحركة الأمازيغية بتجلياتها العديدة ، الرسمية و المدنية ، منذ الانطلاق و حتى يومنا هذا في الإعلان صراحة بحربها على العربية . حيث اتخذت من العربية عدوا مصيريا و مشتركا بين أطيافها المتنوعة . فكلما ذكر الحديث عن العربية أو التعريب ، و كلما نهضت جهة لمناقشة وجود العربية و تحليلها علميا و أكاديميا نجد الأصوات الأمازيغية تتسارع للإعراب عن كون الدفاع عن العربية هو حرب على الأمازيغية . و إذا علمنا أن التعريب منذ أن كان شعارا في أدبيات الوطنيين كان موجها ضد الفرنكفونية و الاستعمار اللغوي الفرنسي ، يمكننا التساؤل عن حقيقة ما تدافع عنه الحركة الثقافية الأمازيغية هل هو الأمازيغية أم أنها تحارب العربية مع ما يحمله ذلك من قيم عقدية و أصول التاريخ المشترك ؟

3 ــ الانغلاقية : المتأمل في خطاب بعض الفاعلين الأمازيغيين يلزمه التوقف مليا لملاحظة الخرجات المتكررة للمنافحة عن قضايا بشكل إقصائي للآراء المعارضة . فتارة نجدهم يعلنون العصيان في وجه المجلس الأعلى للتعليم لأن أحد الأساتذة قد تجرأ و انتقد ، في ندوة علمية ، سياسة تدريس الأمازيغية بغياب الوضوح و ضبابية الآفاق فتطلب الأمر وقفات احتجاجية لتكميم المجلس و باحثيه . و تارة أخرى يتصيدون المواقف و الأخطاء لوُعّاظ المنابر بدعوى اتهامهم بمحاربة الأمازيغية و ربطها بالصهيونية فاستوجب الأمر توجيه رسائل احتجاج إلى وزراء في الحكومة حتى يزجر الواعظ ما دام قد تجرأ على القول في موضوع قد حسم فيه القول . و أخرى عندما يُعاد طرح مسألة الحرف و اللغة من طرف أحد المسؤولين الحكوميين يفترض الأمر بيانات و بلاغات . و أخرى عندما يطرح أحد الصحفيين مقاربته لتحركات بعض الأفراد خارج الوطن من أجل الحكم الذاتي بالريف يكون الحل هو التظاهر ضد جريدته و من وراءها . و حتى في الأنشطة الإشعاعية التي تنظمها هيئات هذه الحركة لا تختلف الصورة كثيرا ، فبدل التركيز على النقاش العلمي الرصين تجد الحوار يتخذ طابعا تعبويا و شعبويا . فهل يبدو الأمر مبشرا بحوار ديمقراطي و نقد ذاتي ؟

4 ــ هدم المشترك الحرف و أسطرة التاريخ و الجغرافيا: لا أحد يمكنه أن يناقش في كون البحث في التاريخ و الكشف عن كنوزه أحد مقومات الذاكرة المغربية و عنوان تميزها ، لكن أن يغدو هذا البحث عنوانا للتنقيب عن رموز مغايرة للواقع المشترك الذي توافقت عليه عناصر الذات المغربية أمرا يغدو صعبا قبوله في زمن تبحث فيه الأمم عن مكونات وحدتها و ليس تجزيئها . فإحياء أسماء الآلهة و الأساطير التي عاش فيها سكان المغرب قبل الإسلام بل و النضال من أجلها كحق من حقوق الأمازيغ يعتبر هدما للمشترك . تنضاف إلى ذلك قصة الحرف الذي فضل متكلمو الحركة أن يبحث عن الخاص الذي يضمن التميز و التجزئ الهوياتي بدل الاستناد إلى المتاح المشترك الذي يضمن للجميع إمكانية الانصهار داخل الذات المغربية و هو الحرف العربي . و يصل الأمر أقصاه عندما نحاول تضييق مجال الرموز الوطنية و إعطائها طابعا أمازيغيا ضيقا مع ما يحمله ذلك من تحريف للتاريخ القريب و البعيد و خير الأمثلة التأويل القبلي لحركة محمد بن عبد الكريم الخطابي . و حين تصل إلى الجغرافيا تبحث كتابات الحركة عن انتماء آخر تعوض به الانتماء العربي الإسلامي للمغاربة هو الانتماء إلى بلاد تمازغا .

5 ــ العلمنة : غدا التوجه العام للمتحدثين باسم الأمازيغية علمانيا بامتياز . فجل الأصوات التي تتعالى للدفاع عن الأمازيغية و قضاياها تحمل روحا علمانية أهم أسسها هو تقديم قراءة مخالفة للتاريخ و القيم و المجادلة في كل ما يتعارض مع الهوية الإسلامية للشعب . و هذا التيار و إن انطلق من حرب على العربية و ما تحيل عليه من أصول عقدية فإنه يشكل خطرا وجوديا على الحركة الأمازيغية نفسها لأسباب عديدة أهمها : أن الخطاب العلماني غير مقبول في الذات المغربية ـ لأسباب كثيرة أهمها طبيعة التركيبة الاجتماعية للمغاربة ـ و ربطه بالأمازيغية يعني نهايتها الحتمية ، و ثانيا أن الأمازيغ كانوا في مقدمة حملة العلم الإسلامي و دليل ذلك دور القرآن المنتشرة في المناطق الأمازيغية ، لذا كان و سيظل التدين عنصرا مشكلا لهويتهم .

6 ــ المنطق الحقوقي : في استيراد مطلق لنماذج هوياتية تتحدث بمنطق الأقليات غدت مكونات الحركة الأمازيغية تسوق نفسها مدافعة عن شعب أصيل مقهور في المغرب بالارتكاز على مقولة حقوق الإنسان و حقوق الشعوب الأصلية . ففي تجوالها على المنتديات الأجنبية طالبة الدعم لدفع الحكومة المغربية من أجل ترسيم الأمازيغية و استعمالها في الحياة العامة ، و الترخيص للأسماء الأمازيغية ، و تنمية الجهات الأمازيغية الفقيرة اقتصاديا و اقتسام الثروات الطبيعية . و قد وصل الأمر أحيانا إلى تهديد مطالبة المؤتمر العالمي الأمازيغي للبرلمان الأوربي بإلغاء اتفاقية الوضع المتقدم التي منحها الإتحاد الأوربي للمغرب في 13 تشرين/ أكتوبر 2008، و إلى تدخل أممي تمثل في تقرير اللجنة الأممية الخاصة باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري التي طالبت المغرب بتقديم جواب حاسم حول الخريطة الإثنية داخله ، مع ما نعرفه عن تاريخ التدخلات الأجنبية في الدول .

إن هذه المعطيات ، و تراكم التوجه نحو الخارج مثل عقد بعض الهيئات الأمازيغية لاتفاقيات مع الأكراد و بعض الجمعيات الإسرائيلية ، و إن كان لا يعني الجميع ، يهدد صراحة وجود الحركة الثقافية الأمازيغية كحركة مغربية وطنية أصيلة و من ثمة : << تنزلق المسألة الأمازيغية من إطارها الوطني التعاقدي إلى إطار تدويلي تتدخل فيه أطراف خارجية تحت شعارات عدة منها حقوق الإنسان ، و العلمانية ، و حقوق الشعوب الأصلية ، و الحكم الذاتي ، و التمثلات الأسطورية أو هويات تحجيمية تفصل بين ما هو "مشترك مغربي" و بين ما هو خصوصي أمازيغي >> (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ــ في ضرورة النقد والنقد الذاتي:الحركة الامازيغية نموذجا: محمد انعيسى الحوار المتمدن - العدد: 1734 - 2006 / 11 / 14

(2) ــ تدبير المسألة الأمازيغية بالمغرب: المبادرات والمواقف والتفاعلات:سعيد بنيس .20 تموز (يوليو) 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق