الجمعة، سبتمبر 09، 2011

من أجل نقاش راشد حول الأمازيغية

بقلم : فؤاد أبو علي
( نقلا عن جريدة التجديد بتاريخ 08 شتنبر 2011 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استطاع الدستور الجديد أن يحقق قفزة هامة في التناول الاجتماعي و السياسي للقضية الثقافية الهوياتية . فبعد ردح من الزمن كان تناول المسألة اللغوية أمرا متجاوزا أو مهملا في التعديلات الدستورية المتتالية ، باعتبارها أمرا محسوما فيه ، أتى الدستور الجديد ليعلن عن مركزية البعد الهوياتي في كل
الإصلاحات المنتظرة و الديمقراطية المأمولة ، خاصة بعد النقاش اللغوي المحتدم الذي عرفته الساحة الفكرية و التربوية و السياسية بالمغرب ، و تدخل فيه مفكرون و أدباء وأكاديميون و لسانيون ، و طرحت فيه قضايا تجمع بين العلمي و الإثني و الهوياتي . لكن تعترض هذا الإعلان جملة من العراقيل و العقبات التي حملها في ثناياه النقاش المحتدم مؤخرا حول الأمازيغية و شروط تنزيل النص الدستوري ، مما يهدد فاعلية التعديل الأخير و إمكانيات أجرأته . لذا نعتقد أن تأطير النقاش حول الأمازيغية بضوابط و نواظم واجب علمي و حضاري يدفع نحو مزيد من التلاقي و البحث عن المشترك الوطني بين فئات الشعب المغربي . بل إن النقاش برمته و قبل الدخول في أجرأة النصوص التنظيمية و التشريعية ينبغي أن يحدد مجاله و صواه . و في اعتقادنا ، إن أهم معالم النقاش حول الأمازيغية في مغرب الدستور الجديد هي :
1 ــ الابتعاد عن المنطق الصراعي :

جميل أن يتحدث بعض الفضلاء عن أنه "قد حان الوقت لنطرح موضوع القضية الأمازيغية بروح أخوية نسعى من خلالها إلى بناء مغرب مبني على العدالة و المساواة و الديمقراطية الحقة "(1) ، لكن قراءة مسار الخطاب الثقافي الأمازيغي منذ انطلاقته و بداياته الجنينية تخلص إلى انبنائه على "الصراعية" . حيث خاض صراعا ضد كل الفاعلين السياسيين و الاجتماعيين و الثقافيين . " فالحركة الوطنية التي قادت الاستقلال هي حركة عروبية قومية سلفية معادية لقضية الأمازيغ . و اليسار كيان متآمر على الأمازيغية من خلال تشبعه بمبادئ الفكر القومي الذي يربط تحرر الشعب المغربي بتحرر الشعوب العربية في فلسطين و العراق . و الحركة الإسلامية ما هي إلا حركة مستغلة للدين لأهداف سياسية و مقدسة للعربية . و النظام السياسي نظام لا ديمقراطي و عربي و محارب لمظاهر الهوية الأمازيغية خاصة الأسماء " (2) . لذا لن تفاجئنا فورة هذا الخطاب و عدم قدرته على الدخول في النقاش العلمي الموضوعي حول قضايا الحرف و التعليم و موقع الأمازيغية في قائمة اللغات الوطنية ، و تخوينه لكل من يرفض مسار التداول بل تسييس الأمر و جعله مرتبطا بأحزاب دون أخرى ، و الدعوة إلى حل أحزاب لها مواقف مخالفة لتوجهاته . لذا ، فاعتقادنا الراسخ أن النقاش الأكاديمي الهادئ و الرصين هو الذي سيحسم في كل القضايا المرتبطة بالهوية و مكوناتها بعيدا عن صراعية الخطاب الثقافي الأمازيغي الذي رهن وجوده على صناعة أعداء موجودين أو متوهمين على الصيغة الدونكشوتية .

2 ــ استيعاب اللحظة الدستوري :

إذا كان الدستور قد أدرج الأمازيغية في مناط الترسيم فإن الصيغة التي أدرجت بها جعلت الجميع يقدم تأويلاته الخاصة بعيدا عن نص الدستور . لكن اللحظة التي أدخلت المغرب في مسار من التوافق حول قضايا مختلف حولها ، و جعلت الفرقاء السياسيين يقتنعون بمفصليتها ، يجب أن تستوعب جيدا من خلال فتح جميع الملفات حتى التي حسم فيها سلفا من قبل بعض الأطراف. فما قبل الترسيم غيره ما بعد الترسيم . و لأن موضوع الأمازيغية يهم جميع المغاربة ، فإن للجميع الحق في إبداء رأيه و موقفه من شأنه اللغوي . كما أن الجميع ينبغي أن يتدخل في شكل كتابة هذه اللغة و موقعها في مساره التنموي . فليس الأمر قاصرا على نخبة محددة تدبر أمر الأمة ، و ليس الأمر خاصا بقضية دون أخرى ، فالترسيم يعني فتح جميع الملفات و كيفية تدبيرها السابق و التمويل الخاص بها للنقاش العمومي .

3 ــ وطنية النقاش حول الأمازيغية :

تحاول مجموعة من الأقلام و الفعاليات المحسوبة على التيار الأمازيغي ربط الانتماء بكيانات مغايرة ، مما يعيد النظر في تاريخ المغرب و وجوده الإقليمي و الاستراتيجي . و بعيدا عن الدوافع التي تحرك هذه الأطراف ، خاصة مع دخول بعض الأسماء السلطوية و المرفوضة شعبيا على الخط ، و استغلالها للربيع العربي لتحقيق أجنداتها الخاصة ، و استغلال بعض الأحزاب للورقة الأمازيغية لأهداف انتخابوية مضمرة و معلنة ، فإن نجاح النقاش رهين بمغربيته و رفض كل الجهات التي تسعى لتدويل الأمازيغية باعتبارها قضية شعوب أصيلة مظلومة . خاصة بعد أن أثبتت هذه الجهات أن حديثها عن الأمازيغية من باب الحقوق و الديمقراطية ليس إلا عنوانا لاستغلال سياسوي و خدمة لمصالح خارجية عن المغرب ، حيث الوثائق علاقاتها الراسخة من الأنظمة الديكتاتورية التي طردها الربيع العربي (3) .

4 ــ النقاش و الظلم التاريخي :

في كل حديث عن مسار النقاش حول الأمازيغية يتحدث عن الظلم و العدالة ، و كأن الأمازيغ في المغرب عاشوا لعقود طويلة في ظل حيف خاص بهم دون غيرهم ، و كأن السنوات التي وُوجهت فيه الحركات الاجتماعية كانت تحت عناوين هوياتية ، و كأن ما يحدث حاليا بنواحي مريرت سببه الانتماء لا الاحتجاج الاجتماعي . لذا ، فالأصوب تصحيح مسار النقاش بدل الحديث عن تصحيح التاريخ . لأن الذين تنتفض إثنيتهم الآن و تتغلب على اعتقاداتهم الإيديولوجية و السياسية و الدينية ، لا يتحدثون عن نماذج مشرقة من الأمازيغ الذين خدموا العربية و الإسلام في المغرب و الأندلس ، قديما و حديثا ، إلا من باب النقد و الهجوم بغية إثبات الذات كأبي حيان النفزي الأندلسي و المختار السوسي و عبد الله كنون ... لكن الواقع التاريخي يثبت أن رهان الحركة الوطنية على الوحدة الهوياتية و المزايلة عن النمط التجزيئي الذي صاغه الاستعمار هو الذي حفظ بيضة الأمة في زمن الانقسام و خلق الكيانات القزمية . و في الواقع العالمي ما يستدل به على صواب هذا الخيار ، حيث تنحو جل الدول المتقدمة نحو التوحيد بدل التجزئ . و النقاش الدائر في ألمانيا حاليا حول موقع اللغة الألمانية خير الأمثلة .

5 ــ الصراع ضد العربية :

لقد أثبت النص الدستوري أن العربية ستظل محافظة على مكانتها باعتبارها اللغة الرسمية للدولة . و منطوق النص يثبت موقعها في الإدارة و الشأن العام الذي ينبغي على كل المغاربة بمختلف انتماءاتهم النضال من أجل إحلالها المكانة التي تليق بها . لكن رهان بعض الكتابات على جعل العربية و التعريب العدو الرئيس بدل الانكباب على معالجة واقع اللغات الوطنية و التهديد الفرنكفوني لكل المظاهر الهوياتية ، يجعل النقاش صعبا و بعيدا عن كل روح وطنية . لذا ستجد من يدافع عن لاتينية الحرف الأمازيغي ، و من يستجدي مساعدة الغرب ضد وطنه و حكومة وطنه ... لكن منطق التوافق يفترض أن النقاش ينبغي أن يؤطر بتحديد شمولي للأدوار الوظيفية للغات الوطنية و الأجنبية بعيدا عن كل انغلاقية مميتة أو عدائية مقيتة . فالأصل هو النظر إلى الأمازيغية كمكون لغوي قابل للتوظيف في مجالات تعبيرية و اجتماعية معينة تحدد من خلال حوار وطني حقيقي .

6 ــ مؤسسة النقاش :

يبقى الآن أن نحدد المؤسسة الكفيلة بالإشراف على هذا الحوار . لا نتصور أن لدى المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية القدرة و الكفاءة المطلوبتين للإشراف على حوار جاد و مسؤول و شامل يحضره مختلف الفرقاء و الفاعلين في الحقلين الثقافي و اللغوي ، و الأسباب كثيرة و متعددة يعود جلها إلى نشأته المرتبطة بمحاولة استيعاب التيار الأمازيغي داخل الدائرة السلطوية ، إضافة إلى غياب الإجماع حتى داخل هذا التيار على منجزاته و قراراته ، و الأهم هو انبناء خياراته العلمية في الترجمة و الحرف و الإعلام و التعليم على مرتكزات إيديولوجية كما يبدو في الكتب المدرسية المقررة . كل هذه العوامل تجعل من الصعب إسناد الإشراف على الحوار إلى هذه المؤسسة ، و من الضروري التفكير جديا في مؤسسة بديلة لعل أهمها المجلس الوطني للغات الوارد في النص الدستوري .

كل هذه النواظم تجعل النقاش أكثر فعالية و علمية و مستحضرا لحاجيات المرحلة و ضرورات الانتماء و الوحدة و الوطنية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ــ سعد الدين العثماني : حتى لا تظلم الأمازيغية .

(2) ــ أنظر مقالنا : الحركة الأمازيغية المغربية : محاولة في تصحيح المسار . التجديد :12/1/2011

(3) ــ أنظر تصريح رئيس الكونغريس الأمازيغي العالمي بعد لقائه للرئيس الليبي المخلوع معمر القذافي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق