الأربعاء، سبتمبر 14، 2011

"أمازيغ" واشنطن !..


بقلم : الدكتور فؤاد أبوعلي
( نقلا عن جريدة التجديد بتاريخ 13 شتنبر 2011 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طالعت العديد من الردود على الوثيقة التي نشرتها جريدة التجديد نقلا عن ويكيليكس ، تحت عنوان : " ناشطون أمازيغ مغاربة يطلبون دعم أمريكا ضد العرب" . و كم وددت أن تكون الظروف قد نضجت لمناقشة مثل هذه الوثائق و الأخبار و الوقائع بطريقة موضوعية و حوارية بحثا عن الحقيقة ، و بعيدا عن المزايدات الإيديولوجية و حجب الحقائق بالغربال . فالواقع لا
يستطيع إنكاره إلا من اقتنع بأن الحقيقة الكاشفة تهز أركان المعتقد و تهدم المعبد ، و مهما مرّ الزمن فالتاريخ كشاف للأحداث و لمجريات الكواليس . إضافة إلى أن النقاش حول القضايا المتعلقة بموضوع الأمازيغية في المغرب ينبغي أن ينحو منحى آخر، ما دامت رصيدا مشتركا لجميع المغاربة ، و مِلكا جماعيا كما عبر عن ذلك في النص الدستوري ، و ليست إقطاعا خاصا بالبعض .
باستثناء رأي خاص لأحد فضلاء التيار الأمازيغي الذي اعترف بوجود تيار صهيوــ أمريكي داخل الحركة الأمازيغية "الذي يتاجر بالقضية الأمازيغية على الصعيد الدولي، وسبق لبعض رموزه أن نظموا زيارات لإسرائيل " (1) ، تأرجحت باقي الردود بين الإنكار التام و الهجوم على الجريدة الناقلة و على انتمائها و مصداقيتها . حيث ذهب أحد نشطاء التيار الأمازيغي إلى أنه لا وجود لهذه الوثيقة أصلا و هي اختراع حزبي لأغراض انتخابوية زاعمًا أنه يزور موقع ويكليكس بشكل دائم دون أن يعثر لها على وجود (2) . في حين ذهب البعض الآخر إلى محاكمة النية الثاوية وراء نشر الوثيقة المتمثلة في" تبخيس نضالات الحركة الأمازيغية و محاولة تأليب الرأي الوطني عليها" ، مشككا في العلاقة بين العنوان و مادة الوثيقة . و كالعادة ذهب البعض الأكثر تطرفا إلى ربط النشر بالتيارات "الدينية الرجعية و القوى العروبية الشوفنية " ، و الزعم بأن الأمر هدفه التحريض الإثني .
و تذكرنا هذه الردود و طريقة صياغتها بالنقاش الذي أعقب نشر جريدة "التجديد" تقرير مركز موشي ديان التابع لجامعة تل أبيب الذي طلب فيه من الحكومة الصهيونية "استغلال" الحركة الأمازيغية من أجل تكسير جدار الممانعة لدى المغاربة . و كالعادة بدأت تتناسل الردود آنئذ بين التشكيك و التخوين ، حتى أثبتت الأحداث مصداقية الجريدة الناقلة و حقيقة العلاقة مع الكيان الصهيوني من خلال بيان وزارة الشؤون الخارجية الذي طالب إسرائيل عدم التدخل في ملف الامازيغية حتى لا يتحول الملف إلى قضية دولية ، و قيام صاحب التقرير الباحث في مركز موشي دايان ، بريس مادي و يتزمان ، بزيارة المغرب و إجراء لقاءات مع نشطاء في الحركة الامازيغية .
ــ فما الجديد الذي أتى به تقرير ويكليكس ؟
ــ و هل العلاقة مع واشنطن جديدة و مفاجئة ؟
ينبغي التأكيد دوما أن الحركة الثقافية الأمازيغية ليست كتلة واحدة متجانسة و منمطة ، بل تضم في ثناياها العديد من التوجهات التي تختلف حدّ التناقض . لكن ، و كما هي العادة في مختلف التيارات و المذاهب ، يكون التيّار الشاذ هو الأعلى صوتا و الأقل عمقا نظريا و اجتماعيا و شعبيا . و قد تعوّدنا منذ مدة طويلة أن تطالعنا الأخبار باستنجاد هذا التيار و استقوائه بالخارج على وطنه و شعبه و حكومة بلاده . فقد سبق للكونغرس العالمي الأمازيغي أن طالب البرلمان الأوربي بالتدخل لدى المغرب لإرغامه الانصياع لمبادئ حقوق الإنسان و للاتفاقات التي تربطه بالاتحاد الأوربي . لكن الجديد في وثيقة و يكليكس ، و هو ما شكل حرجا لبعض المنتسبين لهذا التيار أمران :
أولهما ــ توقيت النشر الذي لا يتعلق بالجريدة و إنما بويكيليكس التي قررت نشر وثائقها دفعة واحدة ، و كان حظ المغرب منها العديد من الأسرار التي تكشف العلاقات مع السفارة الأمريكية . فبعد ترسيم الأمازيغية و استعانة بعض الجهات بأسماء سلطوية لفرض انتماء جديد على المغاربة تأتي هذه الوثيقة لتحذر المغاربة مما هو آت و ما يطبخ في فرن واشنطن باسم الأمازيغ .
ثانيهما ــ الجرأة التي اكتسبها هؤلاء المحسوبون على الأمازيغية . ففي جل الخرجات الإعلامية و اللقاءات الخارجية يقدمون أنفسهم كممثلين لأمازيغ المغرب باعتبارهم يعانون من "ميز" و يطالبون بإنصافهم ، لكن في هذه الحالة يقدمون أنفسهم كبديل عن التطرف العربي ، و كدرع حامي للعم سام ضد العدو المشترك : العرب . و بهذا اختاروا بيع انتمائهم الحضاري و التاريخي من أجل قناعات إثنية و فئوية ضيقة و مصالح استراتيجية لواشنطن .
لكن الأكيد أن الأمر ليس جديدا على الإدارة الأمريكية و "أمازيغييها" الذين اختاروا استجداءها من أجل خدمة مشروع التجزئة الهوياتية . فجميعنا يتذكر دعوة صقور اليمين في عهد جورج بوش الابن إلى سن قانون خاص لحماية الأقليات في العالم مستهدفة حماية أقباط مصر و زنوج السودان و البهائيين في ايران و أمازيغ شمال إفريقيا ... و هو ما انعكس على لجنة حماية الأقليات العرقية و مقاومة التمييز العنصري التابعة لهيئة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بجنيف التي أوصت بحماية الأقليات في العالم العربي و الأمازيغ على رأسهم . كما أننا نتذكر رسالة اللجنة الوطنية لإنصاف الأمازيغية في الإعلام سنة 2008 إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية و مجلس الشيوخ الأمريكي و السفير الأمريكي بالرباط حول واقع الإعلام الأمازيغي بالمغرب . و قد قال أحد زعماء هذا التوجه :" علاقاتنا مع الولايات المتحدة مفتوحة منذ مدة و ليس اليوم فقط . و تربطنا علاقات منتظمة مع سفارتها بالرباط ".
إن اختيار بعض نشطاء التيار الأمازيغي السقوط في شرك واشنطن ليس غريبا عن توجهاتهم الشوفينية الضيقة التي ترهن أمة بأسرها لمعتقدات إثنية عرقية ضيقة ، و تقرأ الوطنية عبارات في التمسح بالبيت الأبيض ، لكن الغريب هو أن يختار بعض المنتسبين لهذا التيار الدفاع عن "أمازيغ واشنطن" بعبارات متوهمة .
ألم يأن لهؤلاء أن يستوعبوا الدرس الأمريكي في العالم العربي ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ــ إبراهيم بوغضن، رئيس جمعية سوس العالمة: التجديد 9/9/2011
(2) ــ أنظر حوار أحمد أرحموش في جريدة المساء. ونعتقد أن السيد أرحموش يتحدث عن ويكيليكس آخر غير المتعارف عليه دوليا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق