الأحد، سبتمبر 11، 2011

التيار الأمازيغي الراديكالي و المقامرة بمستقبل المغرب


بقلم : محمد مصباح
( نقلا عن جريدة هسبريس بتاريخ 11 شتنبر 2011 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إرادة الوحدة أم إرادة التشتيت...

مقدمة
لقد أثارت وثيقة ويكيلكس الصادرة في دجنبر 2007 (رقم RABAT 185707) جدلا واسعا حول وجود تيار أمازيغي راديكالي يعمل على الإستقواء بالخارج من أجل انتزاع مكاسب للمسألة الأمازيغية في المغرب . فقد طلبت شخصيات "وازنة" في صفوف الحركة الأمازيغية ( لحسن
أولحاج، الذي تعرفه الوثيقة بأنه عميد كلية الحقوق أكدال بالرباط و صديق للملك و زميله في الدراسة ، بالإضافة إلى محمد أودادس و أحمد الدغرني وسعيد باجي و يوسف أكوري و إرحاز ميمون) في لقاء مع السفارة الأمريكية التدخل من أجل الحد من الوجود العربي في المغرب ، و دعم تكوين "قومية أمازيغية" في المغرب على غرار دعم فرنسا و بريطانيا للقومية العربية في بداية القرن العشرين من أجل الحد من نفوذ الإمبراطورية العثمانية في العالم العربي .
طبعا ، جميع الفاعلين السياسيين و الحقوقيين يعقدون لقاءات مع السفارات الأجنبية ، من أجل تبادل وجهات النظر و التعاون على عدد من القضايا ، و هذا من حقهم . إلا أن طلب هؤلاء الفاعلين من الولايات المتحدة التدخل من أجل تأسيس "قومية بربرية" و تطهير المغرب من " العرب"، يدعوا فعلا إلى القلق حول مستقبل المغرب في ظل تنامي هذا النوع من الخطابات الإقصائية و الكراهية ، و الإستقواء بالخارج لإضعاف موقف المغرب ، من طرف نخبة من المفترض أن تلعب دورا في تقوية الانسجام المجتمعي بدل العمل على إضعاف الإجماع الوطني حول قضايا وجودية ، علما أن الخطاب الثقافي الأمازيغي كان دائما يعتبر بأن قضية الوحدة أساسية في مشروعه الذي يتبناه ، و هو ما جسده مثلا شعار الجامعة الصيفية التي نظمته جمعيات أمازيغية بأكادير سنة 1991 : " التنوع في إطار الوحدة " .
ليست هذه المرة الأولى التي يقوم بها راديكاليون من التيار الأمازيغي في الإتجاه نحو الخارج من أجل كسب الدعم للمسألة الأمازيغية، فقد أشارت دراسة صادرة في شهر غشت 2010 ، للباحث الإسرائيلي في مركز موشي ديان بريس وايتزمان [1] إلى أن هناك توجها متناميا في صفوف الحركة الثقافية الأمازيغية نحو تقوية العلاقات مع إسرائيل ، مقابل أن تقوم هذه الأخيرة بدعم هذا التيار الراديكالي داخل الحركة الأمازيغية في المغرب ، و اعتباره مدخلا من أجل التطبيع مع إسرائيل ، في محيط يتجه فيه الرأي العام المجتمعي و السياسي إلى رفض ربط علاقات معها . فقد اعتبر وايتزمان بأن رعاية فاعلين في الحركة الأمازيغية في المغرب هو جزء من السياسة الخارجية لإسرائيل في المنطقة لمواجهة القوى التي تصنفها إسرائيل بأنها عدائية مقابل أخرى تصفها بكونها معتدلة ، " فمن وجهة نظر إسرائيلية ، فإن علاقتها بالرباط تشكل امتدادا لسياساتها مع "المحيط" ، فرعاية الفاعلين غير العرب في محيط الشرق الأوسط هو من أجل إقامة التوازن مع ضغط الدول العربية الراديكالية و العدائية " [2] .
بعيدا عن التعميم و التسطيح ، لا يمكن القول بأن التيار الأمازيغي هو كيان متجانس و واحد ، فبالرغم من أنه تيار علماني في عمومه ، إلا أنه تخترقه تعددية داخلية بارزة ، بين تيار علماني معتدل ، و تيار علماني راديكالي ، و بين تيار وطني و تيار صهيو-أمريكي، و هو ما يستدعي القيام بعدم التسرع بإطلاق الأحكام المسبقة و التعميم على كل مكونات الحركة الثقافية الثقافية الأمازيغية .
فمن خلال عدة مقابلات أجريتها مع عدد من الفاعلين الأمازيغ في إطار دراسة أقوم بإنجازها منذ سنتين تقريبا ، برز لي وجود ثلاثة توجهات في التيار الأمازيغي بخصوص الموقف من الخارج :
الأول : التيار الوطني ، و هو مكون من نخبة من المثقفين والأساتذة والباحثين، تعتبر أن خدمة الأمازيغية تتم من خلال العمل الثقافي أولا ، عبر إنماء هذه الثقافة و تعميق البحث فيها ، فالعمل الثقافي في رأيهم هو المدخل الأول لتنمية الأمازيغية في المغرب ، طبعا هذا التيار لا يمكن القول عنه أنه غير مسيس ، فبالرغم من أنه ضد تأسيس حزب سياسي أمازيغي ، إلا أنه يعتبر بأن من واجب الدولة و الأحزاب العمل على تنمية الأمازيغية و النهوض بها في المغرب ، في ظل الإستقرار و الوحدة ، و جنبا إلى جنب مع اللغة العربية .
الثاني : التيار الثقافي-السياسي ، يمكن اعتباره مزيجا بين الحركة الثقافية و العمل الحقوقي ، فلا هو ثقافي كامل ، و لا سياسي-حقوقي كامل ، بل يشتغل بالإستراتيجيتين معا ، و يقود هذا التيار الجيل الثاني الملتحق بالحركة الثقافية الأمازيغية بعد توقيع "ميثاق أكادير" في بداية التسعينيات من اليسار، لا يرفض هذا التيار تدويل المسألة الأمازيغية في المغرب ، و يعتبر بأن الضغط على الحكومة المغربية من طرف الخارج ضروري لكي يتم انتزاع بعض المكاسب للأمازيغية في المغرب ، إلا أنه يرفض أن يتم معاقبة المغرب من طرف الخارج بناء على هذا الأمر .
الثالث : التيار الصهيو-أمريكي ، و هو توجه راديكالي متنامي في صفوف الحركة الأمازيغية في المغرب ، يعتمد على استراتيجية الضغط من الخارج و الإستقواء به ، يقود هذا التوجه بعض أعضاء الكونجرس الأمازيغي العالمي ، و بعض الوجوه الأمازيغية في المغرب ، التي لا تخفي عداءها للوجود العربي في المغرب و دعمها للكيان الصهيوني في مواجهة العرب ، بل و تعتبره جزءًا من إستراتيجيتها للدفاع عن وجودها . حيث أنها تعتبر أن وجودها لا يبرز إلا من خلال غياب مكون آخر ، هو الوجود العربي ، و هو ما يجعل هذا التيار يقع في عكس ما يحذر الآخرين منه ، و هو التشجيع على خطابات الكراهية و التمييز على أساس العرق ، و ينمي النزعات الراديكالية و ردود الفعل المتشنجة داخل المجتمع .
إلا أن المفاجئ فعلا ، أن يسكت التيار المعتدل في صفوف الحركة الأمازيغية على مثل هذه الاستفزازات التي يقوم بها التيار الراديكالي ، و هو ما قد يسيء إلى الحركة و يضعف التعاطف معها ، علما أنها في الحقيقة حركة نخبوية و غير قادرة على التعبئة ، بسبب افتقادها إلى الإمتداد الشعبي ، و هذا موضوع آخر . فإذا كانت الحركة الإسلامية المعتدلة مثلا ، قد تبرأت من السلوكات التي تقوم بها التوجهات المتشددة في صفوفها ، مثل إدانتها الواضحة للإرهاب و استعمال العنف ، فإن الأمر يتطلب نفس المجهود في نبذ التيار الراديكالي و رفضه في صفوف الحركة الأمازيغية ، و إلا فإنها تقر بصوابية هذا الإختيار .
بكلمة ، على التيار الأمازيغي المعتدل إبراز موقفه من قضية الإستقواء بالخارج ، و عدم الإستهانة بهذه الدعوات التي يقوم بها التيار الأمازيغي الراديكالي الرامية إلى زرع بذور الخلاف بين مكونات المجتمع الواحد . كما أن تدبير المسألة الأمازيغية في المغرب اليوم يكشف أنه من الضروري أن تتوفر إرادة سياسية حقيقية من كل الفاعلين من أجل تفادي اللعب بـ"ألغام الهوية" ، التي يمكن أن تفجر تناقضات داخلية يكون المغرب في غنى عنها ، و العمل على بناء المشترك الديمقراطي باعتباره المدخل لحل الإشكالات التي يعاني منها المواطن المغربي ، أمازيغيا كان أو عربيا ، إذ إن بنية التسلط ليست مؤسسة على أساس إثني ، و إنما على أساس مصالح اقتصادية و سياسية (زواج السلطة بالمال) ، تجعل الأقلية المتنفذة في السلطة أو القريبين منها هم المستفيدين من الوضع ، في حين أن باقي المجتمع يطاله التهميش و الفقر ، سواء في المناطق ذات الكثافة السكانية الناطقة بالأمازيغية أو العربية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] Bruce Maddy-Weitzman, The limits and potentials of Israel-Maghreb relations, IPRIS Maghreb Review, (August 2010).
[2] نفس المرجع، ص: 15.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق