الثلاثاء، أغسطس 03، 2010

الأمازيغية و التدافع الهوياتي بالمغرب

بقلم : مصطفى الخلفي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المتأمل في تطور الخطاب الأمازيغي في المغرب في السنوات الأخيرة يقف على جملة تحولات عميقة و وازنة ، سواء بالنظر للتطور الحاصل على مستوى بنية الفاعلين في إنتاجه أو بالنظر للمقولات الجديدة التي بدأت تؤطر هذا الخطاب أو بالنظر للتفاعلات الناجمة عن تنزيل مقتضيات هذا الخطاب في التدافع الهوياتي القائم في
المغرب ، لاسيَّما على مستوى باقي الفاعلين من خارج التيار الأمازيغي.



تعود جذور الحركة الثقافية الأمازيغية الحديثة إلى الستينيات من القرن الماضي ، و تطورت مع بداية التسعينيات في إطار ما عُرف بميثاق أكادير الذي ركَّز على تحديد المطالب الثقافية الأمازيغية القائمة على إعادة الاعتبار للغة والثقافة و التاريخ الأمازيغيين ، لكن ضمن مقاربة تركز على التنوع في إطار الوحدة و تعتبر الهوية المغربية هوية متعددة الأبعاد و تنأى عن الاصطفاف لصالح هذا الطرف أو ذاك في الصراع السياسي أو الفكري الدائر في المغرب ، بل على العكس من ذلك انخرطت في دينامية الانفتاح على مختلف الأطراف السياسية والفكرية و المدنية في المجتمع المغربي ، لكن منذ صدور البيان الأمازيغي و بعده السجال حول الحرف المطلوب اعتماده لكتابة اللغة الأمازيغية بدأت إرهاصات التمايز الأيديولوجي في خطاب الحركة الثقافية الأمازيغية ، و هي إرهاصات أخذت تتضح في السنوات الأخيرة لتحول الخطاب الأمازيغي من مجرد فاعل في إدماج الأمازيغية كمكون من مكونات الهوية المغربية إلى فاعل في التدافع الهوياتي ككل في المغرب.



ما سبق نجده بوضوح أكبر عند التوجه العلماني داخل التيار الأمازيغي ، والذي يتسم خطابه الأمازيغي بتركيز على عدد من القضايا ، أهمها :



• الدعوة لسمو المرجعية الدولية على المرجعية الإسلامية .



• الدفاع عن العلمانية و المطالبة بفصل السلطة عن الدين .



• مناهضة البعد العربي و الدفع في إعادة صياغة التاريخ المغربي في اتجاه تحجيم هذا البعد ، وصولا إلى اعتبار العرب عند بعض متطرفي النزعة العلمانية القومية مجرد غزاة سيأتي زمن عودتهم للشرق .



• المطالبة بتحجيم موقع المرجعية الإسلامية في مجال التشريع .



• القول بأحادية الهوية المغربية و ارتكازها على الأمازيغية و أن باقي الأبعاد ليست إلا وافدة و مؤثرة .



• القول إن الحركة الأمازيغية عنصر توازن ميداني إزاء تنامي الحركة الإسلامية .



• حالة اللامبالاة إزاء القضايا الإسلامية و العربية مثل القضية الفلسطينية ، و هي حالة تصل عند بعض المغالين في النزعة القومية إلى مستوى دعم التطبيع مع الكيان الصهيوني والانخراط المحموم فيه .



و قبل تقديم نماذج من الخطاب العلماني الأمازيغي الدال على ما سبق ، من اللازم الإشارة إلى أن تلك المواقف محدودة العلاقة بالتوجه المشروع نحو إعادة الاعتبار للغة و الثقافة الأمازيغية ، و تعكس توجهات أيديولوجية و قومية طارئة على الأمازيغية.



قد يبدو ما سبق مفاجئا للبعض ممن لم يتابع تطور المشروع الثقافي الأمازيغي ، لكن نظرة على أدبيات الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة و التي تأسست في سنة 2002 يفيد كثيرا في تجاوز حالة المفاجأة هاته ، فمثلا المذكرة المطلبية للشبكة والتي جاءت تحت عنوان << مذكرة مطلبية تروم الملاءمة واستئصال جميع النصوص المكرسة للتمييز ضد الأمازيغية>> (2004) اعتبرت أن : << التأكيد بديباجة الدستور أن الدولة دولة إسلامية ، و عدم الاعتراف بباقي الديانات ، كرَّس بشكل كبير تمييزا بسبب الدين >> و أن << مدونة الأسرة الجديدة وعلى شاكلة ما جاء في المادة 13 من الدستور ما زالت نصوصها تكرِّس الحيف المضاعَف ضد المرآة سواء في مجال الزواج أو الطلاق أو الإرث ، والأهلية ، و تبقى المدونة المذكورة ما زالت بعيدة عن إحقاق المساواة المقررة بالمادة الثالثة من العهد ؛ بحيث بقي المشرع في هذا المجال حبيس مرجعية أحادية مهمشة لالتزامات الدولة المغربية في مجال حقوق الإنسان و منها المادة الثالثة من العهد وغيرها >> لتدعو وبصراحة إلى << مراجعة كل التشريعات الوطنية لملاءمتها مع التشريعات الدولية لحقوق الإنسان و رفع التحفظات المعلن عنها و استئصال جميع النصوص المكرّسة للميز بالتشريع الوطني >> ، أما مذكرة الهيئة نفسها و التي صدرت بمناسبة ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ديسمبر 2009 فقد دعت إلى << إقرار دستور ديمقراطي يفصل السلطة و الدين عن السياسة و الدولة >> .



أما على مستوى الإطار التاريخي فتكفي العودة لما كتبه أحمد عصيد من المرصد الأمازيغي للحقوق و الحريات و ذلك قبل أكثر من 10 سنوات في كتابه (الأمازيغية في خطاب الإسلام السياسي)؛ حيث كان صريحا في القول : << اتجه العرب إلى غزو شمال إفريقيا كان الشعار دينيا هو "جعل كلمة الله هي العليا" غير أن الوقائع و الأحداث ستبين أن الهدف لم يكن يتجاوز احتلال الأرض و استرقاق أهلها و انتهاب خيراتها، أي جعل كلمة العرب هي العليا >> (ص 28) .



و بخصوص أحادية الهوية المغربية و التي كان الخطاب الأمازيغي في البداية يتسم بالدفاع عن هوية متعددة الأبعاد ؛ حيث نص ميثاق أكادير حول اللغة والثقافة الأمازيغيين بالمغرب - الصادر في أغسطس 1991- على أن الهوية المغربية تتمثل في كل << البعد الأمازيغي و البعد الإسلامي و البعد العربي و البعد الإفريقي و البعد الكوني ، و هي أبعاد لا يمكن اختزالها في بعد أو نموذج واحد على حساب الأبعاد الأخرى ، و يظهر تكامل و انصهار هذه الأبعاد كلها في اللغة و الفكر و العادات و التقاليد و مظاهر الحضارة ، من عمران و فنون و آداب وغيرها من الجوانب الحياتية للإنسان المغربي >> ، و بعد حوالي العقد نجد أن عددا من الفاعلين في خطاب الحركة الأمازيغية يتحدث عن << الجوهر الأمازيغي >> للثقافة المغربية و أن بقية الأبعاد ليست إلا مؤثرات وافدة (جمعية تاماينوت ، مشروع الورقة الثقافية المؤتمر الوطني لجمعية « تاماينوت » 4-5 أبريل 2002 ).



وحول الموقف من قضايا التطبيع فإن التطورات المتراكمة في سنة 2009 التي بلغت مستوى استضافة أكثر من 20 من نشطاء الحركة الثقافية الأمازيغية من قِبَل معهد ياد فاشيم الإسرائيلي للاستفادة من دورة في مجال تدريس الهولوكوست و القيام بحملة إعلامية مكثفة للترويج لها ؛ حيث ظهر أن تأسيس جمعية سوس العالمية للصداقة الأمازيغية - الإسرائيلية في يوليو 2007 أثمر في توفير الأرضية لهذا الاختراق الثقافي.



ليس ما سبق سوى مؤشرات عن تحول وازن في المشهد الأمازيغي له آثاره الدالة على حركية التدافع حول الهوية في المغرب ، و التي تفسر تبلور توجه إسلامي أمازيغي متنام ٍ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق