الأحد، أغسطس 22، 2010

النعرة اللغوية في المغرب و ترجمة القرآن إلى العامية


بقلم : مراد زروق
( 26 ماي 2010 ـ عن موقع حركة التوحيد و الإصلاح )
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هناك سؤال قلما توقف عنده الأكاديميون رغم أنه يصب في صميم النقاش حول النزاهة العلمية و التجرد من الأهواء عند دراسة موضوع ما : هل يمكن للباحث في مجال العلوم الإنسانية أن يكون صاحب قضية و يتأبطها ليدخل بها إلى مشرحة العلم ؟ من يجيز هذا الأمر يركز بالأساس على الحوافز المعنوية التي لا تندثر معها الرغبة
في مواصلة البحث ، لكن المطبات كثيرة ، لأنه في أغلب الأحيان يدخل الباحث غمار التحليل و قد وصل إلى النتيجة التي توافق هواه مسبقا . هذا حال الكثير من الأكاديميين في العالم ، إلا أن بعضهم يجيد المداراة و البعض الآخر يخونه تعصبه و ميوله.



للأسف الشديد لا زالت المعارك الإثنية أمرا عاديا في الساحة الأكاديمية في العديد من الدول المتخلفة ، فنجد أن الناس لا تتقزز من المفاضلة العرقية و الثقافية في مجال يفترض فيه أنه مخصص للتفكر في قضايا أكثر جدية.



رغم أن القوميين سواء أكانوا عرباً أم أمازيغ أم أكراداً هم أصحاب قضية جرداء تنم عن ضحالة فكرية و أخلاقية ، إلا أنهم مع ذلك حملوا معهم قضاياهم المتخلفة إلى الجامعات و الأوساط الأكاديمية في الدول العربية و وجدوا لترهاتهم صدى في محيطهم ، و هذا الأمر ينسحب على القوميين العرب أيام تغولهم ، و هذا هو حال بعض الأمازيغيين المتطرفين الذين عوض أن يعتنوا بلغتهم و ثقافتهم ، اختاروا معاداة كل ما جاء من الشرق في يوم من الأيام ، سواء تعلق الأمر باللغة أو بالعادات و التقاليد أو بالدين.



في المغرب كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن تفعيل العامية المغربية لتقوم مقام العربية ، و هي القضية التي تبنتها ثلة من المفرنسين و الأمازيغيين ، ظناً منهم أن فصل المغاربة عن اللغة العربية سيكون مقدمة لفصلهم عن القيم و التقاليد التي دخلت إلى المغرب قبل قرون عديدة عبر بوابة اللغة العربية. البعض الآخر تورط في الدفاع عن العامية المغربية ، إيماناً منه بوهم الخصوصية الذي لا يُراد منه إلا التميز العنصري عن الآخر ، خصوصا إذا كان هذا الآخر مشرقيا . فأصبح الدفاع عن العامية المغربية درعا يتخفى وراءه كل من يريد أن يصرف مشاعره العنصرية بطريقة لائقة.



في نفس هذا السياق كثر الحديث في الأيام الأخيرة عن ترجمة القرآن إلى العامية المغربية ، بل و ترجم أحد المغاربة – و قد اعتنق المسيحية مؤخراً - القرآن إلى العامية ترجمة كاريكاتيرية ، و ادعى أنه أراد أن يقرّب أهل المغرب من القرآن و هو ادعاء تفنده برامجه التي تبثها إحدى القنوات التلفزية ، لكن هذا موضوع آخر لا مجال للخوض فيه الآن.



نشرت صحيفة الصباح المغربية الأسبوع الماضي حوارا مع أحمد عصيد رئيس المرصد الأمازيغي للحقوق و الحريات دعا فيه إلى ترجمة القرآن إلى العامية المغربية و الأمازيغية ، و قال : إن << ترجمة القرآن إلى الدارجة المغربية أو إلى الأمازيغية هو مشكل العقيدة التي رسّخت لدى المسلمين أسطورة سمو لغة القرآن و إعجازها و كذا أسطورة عدم تحريف النص باعتباره نصا أصليا تحرسه السماء بعنايتها ... ترجمة القرآن إلى اللغات الشعبية تجعله أقرب إلى الوجدان العام للناس ، و إلى حساسيتهم اليومية و أنماط عيشهم الخاصة ، و هو ما يتعارض تماما مع فكرة مصدره السماوي المتعالي ... ترجمة القرآن لها خصوصية إسلامية واضحة ، إذ لا يوجد كتاب ديني في العالم يقول المؤمنون به إنه لا يجوز اعتماد ترجمته إلى لغات الشعب... >> .



لقد اختلط في هذا الحوار طغيان الأهواء القومية مع الأخطاء المعرفية ، و الأمران يتداخلان في آخر المطاف ، لأن كراهية الآخر و ثقافته تمنع صاحب القضية القومية من التعمق في البحث ، مما يؤدي بالضرورة إلى الأخطاء المعرفية.



لقد توغل هذا الناشط الأمازيغي في حقلين مختلفين : جانب لا يكاد يعرف من الفقه الإسلامي و تاريخ الترجمة.



لقد تناول أشهر الفقهاء قضية ترجمة القرآن و منهم الإمام أحمد و أبو حنيفة النعمان و ابن حزم و الشاطبي و أهل اللغة و أشهرهم الجاحظ و لم يحرّم أحد منهم ترجمة القرآن ، بل دار النقاش حول جواز قراءة الفاتحة مترجمة في الصلاة ، و هذا ما أحله الإمام أحمد دون غيره من العلماء . النقاش انطلق من العلاقة المتينة التي تربط المعنى بالمبنى في القرآن ، أي المضمون و الأسلوب و هو ما أجمع عليه المسلمون عبر التاريخ ، اللهم إذا استثنينا مفهوم «الصرفة» عند المعتزلة . و هذه العلاقة هي التي جعلت ترجمة القرآن لا تقوم مقام النص الأصلي ، و هذا الأمر ليس حكرا على القرآن ما دامت كل النصوص التي توجد فيها أبعاد جمالية ، كالنصوص الأدبية تتغير بالضرورة عندما تطالها يد المترجم ، حتى و لو كان على جانب كبير من الكفاءة ، و قضية التغيير و تبدل معنى النص و انفصاله عن مبناه هي التي جعلت الترجمة تفسيرا للنص القرآني بلغة أخرى ليس إلا.



لم يتحدث أحد عن قداسة اللغة العربية أو سموها ، أو ما إلى ذلك . لقد انطلق الناشط الأمازيغي من نفس الواقع الذي عاشه المسيحيون في السياق الإصلاحي ، لأن النقاش آنذاك كان يدور حول ضرورة تقريب الإنجيل من وجدان المسيحيين بترجمته إلى اللغات المتشعبة عن اللاتينية عوض تداوله باللغة اللاتينية التي كان يتكلمها القساوسة الذين جعلوا من ترجمة القديس جيروم للكتاب المقدس إلى اللاتينية نصا شبه أصلي . فجاءت ترجمة لوتر إلى الألمانية لتكسر احتكار الكنيسة لتعاليم الدين المسيحي . لكن الأمر يختلف تماما في السياق الإسلامي ، لأنه ليست هناك مؤسسة دينية و لا يمكن مقارنة وضع اللاتينية بالعربية ، و أغلب المسلمين من غير العرب وعندهم ترجمات عديدة للقرآن منذ القدم . و عندما ترجم أحد زملاء الناشط الأمازيغي القرآن إلى الأمازيغية لم تقم أية ثورة ، رغم أنه بدأ يقول عن نفسه إنه لوتر المسلمين . خاب ظن المترجم ، لأنه لم يكن يعلم ربما أن الأمازيغية مثل باقي اللغات التي تُرجم إليها القرآن، ولم يَسْـمُ إلى مقام المترجم وليام تندال البريطاني الذي أُحرق لأنه ترجم الإنجيل إلى اللاتينية في عصر النهضة ، فذهب جهده أدراج الرياح و لم يصل الشهرة التي كان يطمح لإدراكها . و مع ذلك يمكننا أن نقول إن ترجمة القرآن إلى اللغات الأمازيغية المختلفة ليست من الناحية العملية أمرا خارقا للعادة ، لأنها ترجمة من اللغة العربية إلى لغة أخرى ، و إن كانت من الناحية الوظيفية مبهمة ، لأن غرض التبليغ و الإخبار منتف ما دام الأمازيغ يعرفون العربية الفصحى أحيانا أحسن من العرب نفسهم ، و في أسوأ الأحوال تكون لغتهم العربية ساكنة ، يفهمونها دون أن يتكلموا بها . أما ترجمة القرآن إلى العامية المغربية فهي تحمل في طياتها بالضرورة أغراضا أيديولوجية تفنيدية لا يمكن في أي حال من الأحوال أن تتسلل إلى البحث العلمي تحت عباءة العلم.



لقد أساء بعض الناشطين الأمازيغيين اختيار ساحة جديدة لمعركتهم القومية ، فكانت قضية الترجمة عندهم بمثابة طواحين الهواء التي بارزها دون كيشوط دي لا مانتشا ، فخرج خالي الوفاض من معركته شبه الخيالية.

هناك تعليق واحد:

  1. هذا المقال نُشر في صحيفة العرب القطرية قبل أن ينقله موقع حركة التوحيد و الإصلاح، إذن المصدر هو صحيفة العرب القطرية و ليس موقع حركة التوحيد و الإصلاح

    ردحذف