الأحد، أغسطس 08، 2010

نقد الأطروحة العلمانية في الحركة الأمازيغية

بقلم : محمد يتيم
ــــــــــــــــــــــــــ
يجد المتتبع للحركة الأمازيغية و لمطالبها نفسه على أرضية ملغومة تقتضي منه السير على حذر ، و التحفظ في التصنيف و إطلاق الأحكام ، أو التبني غير المشروط لمطالبها و الانسياق وراء حججها ، و ذلك لسبب بسيط هو أن هذه الحركة طيف يمتد من المطالب الثقافية و اللغوية التي ليس عليها غبار و إن كان يمكن الاختلاف في
الحيثيات و الحجج التي تم تأسيسها عليها إلى الدعوات الشوفينية المعادية للعقيدة الإسلامية و اللغة العربية و المشككة في التاريخ الإسلامي و المتنكرة لقضايا الأمة مثل قضية فلسطين ، و المتبنية لأطروحات الشعوب الأصلية ، بما تتضمنه من نزعة انفصالية و مضمرات تجعل المتتبع يطرح ألف سؤال حول ولائها الوطني . و إذا تجاوزنا هذا التكوين الطيفي المتوج الذي يجعل مقاربة هذا الموضوع محفوفة بمخاطر الإفراط أو التفريط و التساهل أو التجني ، و الانغلاق على مطالب مشروعة أو الاستدراج نحو تبني أو دعم أهداف مشبوهة في نهاية الأمر ، فإن البناء المعرفي الذي يؤسس عليه البعض للحركة الأمازيغية أطروحتهم كما هو الشأن عند الأستاذ أحمد عصيد ، يستدعي عدة ملاحظات نوردها بسرعة :

علمانية متدثرة بالمطالب الأمازيغية
لا يحتاج الملاحظ إلى تحليل كبير كي يلمس عن كثب اختراق الرؤية العلمانية ( اللادينية ) لتحاليل بعض منظري الحركة الأمازيغية بما في ذلك بعض من يقدمون أنفسهم في ثوب الاعتدال ، أي بعض رواد الحركة الثقافية . و من المعلوم أنه قد وقع توظيف متبادل بين الحركة الأمازيغية و التيار الماركسي اللينيني ، حيث ركب هذا الأخير على مطالب الحركة ، كما وظفت هذه الأخيرة مقولاته و أدبياته الفكرية و الفلسفية ، في إطار منهج تلفيقي يجمع بين أدوات مفاهيمية و منهجية متنافرة للتشكيك في تاريخ الإسلام عامة و في التاريخ الاسلامي المغربي و في اللغة العربية بدءا بالمفاهيم الاستشراقية و الأدوات اللسانية ، بل أيضا أدوات منهجية تراثية مثل الاستشهاد بالقرآن الكريم و السنة النبوية ، حينما يخدمان أطروحة المحلل ، و في نفس الوقت مهاجمة بعض التصورات الإسلامية أحيانا أخرى تحت ذريعة مهاجمة الرؤى الأصولية أو رؤية أصحاب الإسلام السياسي ، كل ذلك للدفاع عن تصور شوفيني غير تاريخي لمسألة الهوية و الثقافة و المسألة اللغوية التي يدعي الانطلاق من رؤية حداثية ومن تصور حداثي لها و لمفهوم التعددية و استخدام المعطيات النظرية للعلوم الإنسانية .

و من خلال ذلك كله ، نجد أنفسنا أمام خطاب معاد للإسلام عقيدة ، وشريعة ، و تاريخا و للرؤية الإسلامية للتاريخ ، بدعوى مهاجمة الإسلام السياسي أو الأصولية ، و حتى إن تم الاعتراف بميزة أو فضل للإسلام أو للتاريخ أو للحضارة الإسلامية ، فهو فضل أمازيغي ناهيك عن الحساسية المفرطة لكل ما هو عربي ، سواء كان تاريخا أو لغة أو ثقافة أو فتحا ... إلخ.

التناقض بين الخطاب أو الأطروحة و بين أدواتها المنهجية و الحجاجية
نجد عند بعض المنظرين للحركة الأمازيغية كما هو الشأن عند أحمد عصيد قطيعة بين الأطروحة و الخطاب و بين الآليات و الأدوات الحجاجية المستخدمة لبنائه و الدفاع عنه . فنحن أمام خطاب ظاهرهُ الانتصار للتعددية اللغوية و الثقافية ، و لكن حقيقتهُ الترويج لنزعة شوفينية مآلها النهائي تكريس التجزئة ، و نحن ظاهريا أمام خطاب حداثي ، و لكنه يستخدم من أجل تكريس فكر نكوصي منغلق ، و نحن أمام خطاب يشكك في الإسلام عقيدة و شريعة و تاريخا وحضارة ، و لكنه يلجأ أحيانا و بطريقة انتقائية إلى أدوات حجاجية من القرآن والسنة حين تخدم أطروحته ..، و يشكك فيها أو يتهجم عليها حين لا تسعفه أوتسير في عكس مراده ، و نحن أمام خطاب يستلهم بعض المناهج و المفاهيم التاريخية ، و لكن من أجل الدفاع عن تصور سكوني غير تاريخي لمفهوم الهوية.

و مما يؤكد هذا التناقض بين الخطاب و الأدوات المستخدمة فيه ، بين الأطروحة و أدواتها الحجاجية ، ما نجده في تصور بعض المنظرين للحركة الأمازيغية لمفهوم الهوية . إننا على مستوى الخطاب و المنهج نحسب أنفسنا أمام خطاب حداثي يوظف معطيات الفكر الفلسفي الغربي الذي يحتل فيه مفهوم الجدل أي الحركة و التغير مكانا مركزيا في تحديد مفهوم الهوية ( هِيكل ، ماركس) ، أي الخطاب الذي يجعل الهوية مفهوما يتغير باستمرار و نتيجة عملية تركيب بين مكونات متعارضة ، و هكذا دواليك...

و لكننا على مستوى النتائج نجد أنفسنا في الواقع أمام تصور سكوني لمفهوم الهوية ، فبعض المنظرين للحركة الأمازيغية إذ يستعيرون المنطق التاريخي ، و ينعون على الحركة الإسلامية كونها تتحدث عن لحظة ذهبية و تلغي التاريخ السابق على الإسلام و تعتبر الفتح كفعل تأسيسي للتاريخ ... إلخ ، إن هؤلاء المنظرين المتعصبين للهوية الأمازيغية لغة و ثقافة و تاريخا رغم أنهم في هذه اللحظة لا يطالبون إلا بالاعتراف بالأمازيغية ، و الكف عن ممارسة حرب الإبادة عليها أو هكذا يقولون يغفلون و هم الذين يدّعون الحداثة و الاستعانة بالعلوم الإنسانية و معطياتها ، أن اللغة و الثقافة ظواهر متغيرة متحركة تغتني باستمرار ، و أن العناصر الجوهرية القومية التي تحتاجها المجتمعات تصمد وتستمر كلما كانت تعبر عما هو أكثر أصالة و ثبات في الهوية ، و أن التفاعلات الاجتماعية و الثقافية التاريخية تؤدي طبيعيا إلى إحداث تغييرات في الجوانب الأقل ثباتا في الهوية مثل العادات و التقاليد في المقام الأول ، و مثل اللغة في المقام الثاني ، و مثل العقيدة في المقام الثالث ، باعتبارها من أكبر عناصر الهوية ثباتا خاصة إذا كانت وحيا منزلا من عند الله ، كما هو الشأن بالنسبة للعقيدة الإسلامية.

و بهذه المناسبة ، فنحن لسنا دعاة إبادة الأمازيغية لغة و ثقافة ، بل على العكس ندعو إلى إعادة الاعتبار لها لغة و ثقافة سواء في الإعلام أو التعليم ، لكننا لا نرى ما يذهب إليه بعض الأمازيغيين من أن التعريب هو عملية إبادة منهجية للأمازيغية ، بدليل أن الدولة لم تكن يوما جادة في التعريب ، و لم تمارسه كما كان ينبغي أن يمارس ، إننا نقول على العكس من ذلك أن اللغة العربية كانت ضحية لعملية الفرنسة المتواصلة للتعليم و الاقتصاد و الإدارة ، كما أننا لا نرى في الحديث المبالغ فيه عن إبادة الأمازيغية و التعصب المفرط لها و المبالغة في ادعاء شرفها و كمالها و صمودها و ثباتها و أصالتها و عبقريتها ، و من ثم المطالبة بدسترتها سوى بداية لمطالب لا ندري ما هي نهايتها.

إعادة تأسيس مطلب إنصاف الأمازيغية
انطلاقا من ذلك نرى أن المطالبة بإنصاف الأمازيغية تحتاج إلى إعادة تأسيس على أسس موضوعية ، و لذلك ينبغي أن تنطلق من منطلقات و معطيات مختلفة عن منطلقات بعض المتعصبين من الحركة الأمازيغية ، و من هذه المنطلقات:

1) ــ معطى تاريخي : و هو أن الأمازيغية و اللغة العربية تساكنتا على طول التاريخ الإسلامي ، و لم ير المغاربة المسلمون في الأمازيغية و استخدامها ما يسيء إلى الإسلام ، خاصة و قد كانت الأمازيغية وعاء من أوعية الثقافة الإسلامية.

إن الأمازيغ على طول التاريخ لم يروا في اللغة العربية ضرة للأمازيغية و لا في انتشارها ، و حتى في تقدمها و لو على حساب الأمازيغية ، اضطهادا و إبادة ما دام الأمر يتعلق بلغة إسلامية بل بلغة القرآن ، و بالمناسبة نحن نقول إن شرف اللغة العربية ليس من ذاتها ، بل من شرف مضمونها و رسالتها ، و إلا فإن العربية يمكن أن تكون جاهلية : أي لغة تعبر عن نعرات مضرة بالإسلام تماما حينما ركبتها النزعات الشعوبية أو القومية المتطرفة في عصرنا هذا ، و حينما تستخدمها اليوم كما استخدمتها في التاريخ البعيد اتجاهات معادية للإسلام من أجل محاربة العقيدة الإسلامية.

لا يشمئز من انتشار اللغة العربية و انتشارها و تعميمها بين الأمازيغ إلا المعلمنون أو المتمركسون ؛ أي الذين يركبون الدعوة إلى إنصاف اللغة و الثقافة الأمازيغية و هذا حق من أجل تصفية الحساب مع الإسلام عقيدة و شريعة وانتماء حضاريا و تاريخيا ، و هذا باطل . و ينبغي التأكيد على أن هذا التضايق الشوفيني من اللغة العربية ليس سوى موقف نخبة معزولة لا تمثل عموم المغاربة الأمازيغ الذين هم من أكثر مكونات الشعب المغربي حبا لدينهم و عناية بتعليمه و تعلم قرآنه و لغته كما تشهد على ذلك المدارس العتيقة بسوس.

2) ــ معطى اجتماعي واقعي : و نقصد بذلك أننا لا نطرح المطالبة بإنصاف اللغة و الثقافة الأمازيغية في السياق المشار إليه ، و لكن نطرحها في سياق الإقصاء الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي الذي أدى إلى مسافة شاسعة بين ما كان يسمى بالمغرب النافع و المغرب غير النافع . تبعا لذلك فنحن نرى أن الإقصاء الذي تعاني منه الأمازيغية هو جزء لا يتجزأ من الإقصاء الذي تعاني منه البادية المغربية بمكوناتها الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية سواء منها العروبية أو الأمازيغية . و قد تصادف أن الجزء الأكبر من البادية المغربية أمازيغي ، لكن الإقصاء المذكور و التهميش المشار إليه قد نالت منه البادية العروبية أيضا اقتصاديا و اجتماعيا و لغويا و ثقافيا على حساب ثقافة المركز أو النخبة . و على المستوى المركزي ، النخبة تشهد إقصاء أو تمييزا من نوع آخر بين النخبة المعربة و بين النخبة الفرنكفونية.

الإشكال الجوهري هو الإقصاء الذي يمارس على المغرب العميق لمكوناته الثقافية و اللغوية و الاقتصادية و الاجتماعية عربية أو عروبية أو أمازيغية من لدن مغرب آخر تكون في المركز مع دخول الاستعمار الفرنسي واستمرار نفوذه بعد الاستقلال.

و النخبة الأمازيغية التي تركب اليوم على مطلب إنصاف الثقافة و اللغة الأمازيغية لا تفعل ذلك من أجل المغرب العميق و لا بمنطق إقصاء مغرب الهامش أو مغرب الأطراف : مغرب البادية ، بل تفعله في إطار منطق ثقافة المركز ، بدليل أنها أكثر استعدادا للتواصل و التعبير باللغة الفرنسية منه بالأمازيغية أو العربية ، فهم يتحدثون عن الإبادة اللغوية و يسعون إلى تعميم أمازيغية معيارية مصنوعة في المختبرات اللسانية ، و ينسون ما ينتقدونه على اللغة العربية ، أي كونها كانت على الدوام لغة الخاصة في مقابل الأمازيغية التي كانت لغة الشأن اليومي ، أي يريدون إبادة تشلحيت و تاريفيت و تمازيغت من أجل لغة مخبرية ، ينتقدون من يعلي من شأن اللغة العربية بحكم كونها لغة القرآن و يمارسون تقديسا من نوع آخر للأمازيغية ، على اعتبار أنها لغة صمدت للتقلبات بينما اندثرت اللغات الأخرى، باختصار يرفعون دعوى الانتصار للأمازيغية لغة و ثقافة ، و لكن بحجج يمكن أن تنقلب عليهم بسهولة ، و الأمازيغيون العلمانيون لا يبالون ما دام ذلك خطوة نحو تحجيم اللغة العربية و تحجيم قنطرة تواصل مجتمعنا مع القرآن و مع غيره من الشعوب العربية و الإسلامية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق