الثلاثاء، أغسطس 17، 2010

الفرنكفونية و الصراع مع العربية عبر « العامية » بالمغرب


بقلم : مصطفى الخلفي
( 01 غشت 2009 ـ عن موقع حركة التوحيد و الإصلاح )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثمة جبهة جديدة انطلقت في المنطقة العربية و ترتكز على تشجيع ترسيم و تقنين استعمال اللهجات العامية ، و الترويج لذلك تحت مسميات عدة ، بيد أنها تلتقي في هدف واحد ، و هو استهداف اللغة العربية ، و رغم اشتراك هذه الدعوة بين عدد من الدول العربية ، فإن المغرب يمثل نموذجاً بارزاً للمدى الذي يمكن أن تصل إليه مثل
هذه الدعوة القديمة من حيث الأهداف، والجديدة من حيث الوسائل . يمكن القول إن الدعوة لاستعمال اللهجة العامية دعوة قديمة تجد جذورها مع مجيء الاستعمار و إحداثه لكرسي اللغة العامية المغربية في معهد «الإنالكو» بباريس والخاص باللغات الشرقية الحية وذلك في العشرينيات من القرن الماضي، وتطور الأمر إلى حد اعتبار اللغة العربية لغة ميتة وأن الحل هو في اعتماد العامية كلغة وتسميتها بالمغربية، وبعد تراجع هذه الدعوة بفعل مقاومة الحركة الوطنية، أخذت تنتعش من جديد مع التسعينيات وما شهدته من ترويج لخطاب مسؤولية سياسات التعريب عن الصعود السياسي للحركات الإسلامية، ومعه القول بأن تخلّف النظام التعليمي يعود لهذه السياسة الفاشلة، لكن المسار العملي لهذه الأطروحة سيتعزز مع تأسيس جمعية «خبار بلادنا» في 2002 وانطلاق الحديث عن فعالية اعتماد اللهجة العامية في محاربة الأمية، ثم إصدار ملف في إحدى الأسبوعيات الفرنكفونية يتحدث صراحة عن «العامية» -أو «الدارجة» وفق التوصيف المغربي- باعتبارها لغة وطنية، لكن بعد التفجيرات الدامية بالدار البيضاء في 2003 سينتقل الحديث إلى ضرورة مراجعة سياسة التعريب والتي أدت لتعميم التعصب والتطرف، وأن التفجيرات تعكس أزمة هوية لا يمكن علاجها إلا بحل المشكل اللغوي، وهو نفسه الخطاب الذي ظهر في الجزائر مع بداية التسعينيات، أما الأزمة التعليمية فحلّها لا يمكن أن يتجاهل اللغة الأم للطفل وهي «الدارجة»، وأي تجاهل سيعني استفحال الأزمة التعليمية، مع العلم أن الدراسات اللسانية الحديثة وتجارب دول وكيانات كثيرة تكذب ذلك. ومع منتصف 2006 سينم الترخيص لعشر إذاعات خاصة سينهج أغلبها خيار التواصل مع المستمعين بـ «الدارجة»، كما سيتم إطلاق جائزة للأعمال الأدبية المكتوبة بـ «الدارجة»، كما ستحتضن المراكز الثقافية الفرنسية نقاشات مثيرة في هذا المجال، قام بعضها على الترويج للمقولات السابقة، وفضلاً عن ظهور جيل من الفرق الموسيقية الحديثة المعتمدة «للدارجة» بشكل أساسي فإن أبرز تحول حديث هو قرار دبلجة المسلسلات المكسيكية إلى «الدارجة»، والذي تم البدء فيه هذه السنة. بحسب ما سبق، فإن الوضع الحالي هو نتاج مسار اعتمد مقولات مضللة ولاعلمية وسلك وسائل متعددة ومتوازية، تعكس في عمقها مرحلة جديدة من الحربِ على اللغة العربية وخدمةِ سياسات تهميشها واعتبار ذلك إحدى أدوات فصل المغرب عن عمقه العربي والإسلامي، وصولاً إلى تأسيس قطيعة تاريخية مع ماضي المغرب وذاكرته المكتوبة بالعربية، بيد أن المثير في الخلفيات المؤطّرة هي أن هذا التوجه يمثل حلقة في مشروع خدمة الفرنكفونية وتعميق الإلحاق الثقافي بها باعتبار أن الدارجة تضعف اللغة العربية كلغة رسمية عالِمة وموحِّدة لتحل محلها الفرنسية لتضطلع بهذا الدور، وهو مشروع أراد أن يوظف الأمازيغية ولم يحقق أهدافه كلية، وهو الآن يلعب ورقة «الدارجة». ما حظوظ نجاح مثل هذا المشروع؟ لا نعتقد أن له حظوظاً للنجاح برغم ما يبذل من جهد لتوثيقه والدعاية له، خاصة مع استحضار التجربة الاستعمارية والتي مُكّن فيها لأدوات عدة لكنها سرعان ما انهارت أمام الواقع العنيد، لكن العامل الأهم في توقع فشل مثل هذه التوجهات، رغم ضعف المقاومة لها، هو التعقيد الكبير لواقع اللهجات بالمغرب والذي يقف كتحدٍ ضخم أمام وهْم بناءِِ لغةٍ مغربيةٍ من «الدارجة»، فهناك «دارِجات» بحسب المناطق المغربية المتباينة من حيث الجغرافيا والأعراق، والتباين بينها سيجعل من تلك المحاولات نفخاً في الرماد لن يتجاوز أثرُهُ إعاقة وتعطيل سياسات التنمية بالمغرب لسنوات قبل أن نستفيق على فشلها الذريع .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق