السبت، أغسطس 21، 2010

الأمازيغية.. اللغة و الكتابة و رهانات الهوية (2)

بقلم : الدكتور جمال بندحمان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4 ــ إشكالية الحرف
أكدنا في الفقرات السابقة على الترابط بين مختلف القضايا ، إذ لا يمكن عزل الوجه اللساني عن الاجتماعي و الديني و التاريخي و القانوني و النفسي ، و هو ما تؤكده الآراء المقدمة حول إشكالية حرف كتابة الأمازيغية (المفترضة) ، ذلك أن هذه الآراء تبين أن موضوع الحرف هو نتيجة للمقدمات السابقة ، فهو يركب التاريخ و القانون
و العلم ، و يجادل بمبادئ التعددية و الحرية وفق قراءة مخصوصة للمعطيات ، و استغلال ظرفي لها . هكذا تتغير المواقف من سياق إلى آخر مما يؤشر على طبيعتها غير المبدئية ، و هو ما سنعمل على تأكيده و كشف خلفيته ، لكن ذلك لن يعفينا من استدعاء التاريخ و الاستشهاد به .

عندما نبحث في الأدبيات الأمازيغية نجد أن مرحلة الستينيات و السبعينيات شكلت منطلقا عمليا لإشكالية حرف الكتابة ، لكن المشروع في كليته يعود إلى الفترة الكولونيالية التي حاولت إيجاد صيغ لكتابة "البربرية" بحروف لاتينية . و هي قضية لا تهمنا هنا إلا من حيث الإحالة على واقع تاريخي قد يفيد أصحاب القراءة التفكيكية الباحثة عن الأشباه و النظائر .

لنترك هذه المهمة لأصحابها ، و لنبحث في منتوج الخطاب الأمازيغي الذي نمثل له ، في البداية ، بمسار جمعية رائدة هي الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي ، لكونها وفرت أثرين مهمين يغطيان مرحلة تمتد إلى ما يقارب ثلاثة عقود ، فقد أصدرت نشرة وثائقية أسمتها << أراتن >> ما بين سنتي 1974 و 1975 ، ثم أصدرت كتابا بعنوان << من أجل ترسيم أبجدية تيفناغ لتدريس الأمازيغية >> سنة 2002 .

مكنت التجربة الأولى من تنميط كتابة الأمازيغية بالحرف العربي ( طريقة أراتن ) ، و لم تحسم في أشكال تنميط الحرف اللاتيني . و حسم مؤلَّف سنة 2002 في الاختيار ، إذ أن << تدريسها بغير حروفها الأصلية لا يقبله المنطق ، و لا تستغيه البيداغوجيا ، و لا ينسجم مع تاريخ شمال إفريقيا ، و لا يستجيب لمعالمنا الحضارية الرمزية منها و المادية ، و لن يعمل على تحقيق الشعار << الوحدة في التنوع >> الذي توافقت حوله كل مكونات المجتمع المغاربي و المتعلق باللغة و الثقافة الأمازيغيتين ، خدمة للسلم اللغوي و الثقافي و الحفاظ على مقومات هويتنا الحضارية >> . ما بين << طريقة أراتن >> (1974) و << طريقة تيفناغ >> (2002) تقع مواقف و اتجاهات ، و تختفي حقائق لن يكشف عنها إلا "التشارح" paraphrasage أي شرح النصوص بالنصوص ، و المواقف بالمواقف . و لن يكون ذلك خارج دائرة الخطاب الأمازيغي الذي أفرز ثلاثة اتجاهات مثلما هو الحال في الجزائر .

دافع الموقف الأول عن الكتابة بحرف تيفناغ ، و تحمس الثاني للحرف اللاتيني ، و انتصر الثالث للحرف العربي . غير أن هذا التصنيف ليس ثابتا ، إذ تغير حسب السياقات و الأهداف ، لذلك وصفناه بالموقف غير المبدئي .

لنحاول اختزال حجج كل موقف :

أ ــ المدافعون عن خط (تيفناغ)
انطلق المدافعون عن خط (تيفناغ) من تصور يرى أن << المكون اللغوي هو المكون الأساسي للهوية الأمازيغية... >> ، و تغنوا بالمثل الأمازيغي << و انا ييران سيدي علي بوغانيم ييريت دقلوشن نس >> ، الذي قادهم إلى جعل هذا الحرف تعبيرا عن الهوية الأمازيغية ، مما يقوي دوره السيكلوجي في الاعتزاز بالذات لارتباطه بالذاكرة الجماعية للمغاربة ، كما أن هذه الحروف قابلة للتطوير على نحو ما تشهد بذلك المجهودات التي بذلت بفرنسا و التي أثمرت تيفناغ الجديدة . لكن فرنسا نفسها هي التي صدر منها هذا الحكم القاسي : << إن تاريخ شمال إفريقيا ، كما يدرس الآن ، كله تزييف و تحريف ، و يجب على البربر أن يتحدوا ضد جريمة اسمها العروبة >> ، بل إن الأكاديمية البربرية الفرنسية ترسل دروسا بالمجان بحروف تيفناغ ، و ذلك موضع العجب .

ب ــ المتحمسون للخط الفرنسي (اللاتيني)
كثرت مستندات المتحمسين للخط الفرنسي (اللاتيني) ، و تراوحت بين الغلاف المعرفي (العلمي) ، و دعوى العالمية و مشروعية التاريخ . فهذا الحرف عالمي يسهل مهمة التواصل و الإعلاميات ، و يمكن الأمازيغية من الانتشار عبر أقطار المعمور ، و يمكنها من التواصل مع باقي بلدان تامزغا ، و مع الدول الأجنبية التي سبقت إلى تدريس الأمازيغية بها ، كما يتجاوز معوقات الحرفين العربي و الفينيقي (تيفيناغ) ، بل إنه << ضرورة إفريقية و أوربية >> .

إن أنصار الحرف اللاتيني لم ينطلقوا في واقع الأمر من مسوغات موضوعية ، لعلمهم أن كتابة الأمازيغية بالحروف اللاتينية هي وليدة القرن 19 لغايات معلومة ، كما أن منطق "العالمية" لا يخضع لمقياس محدد ، لأن الحروف جميعها قابلة لأن توظف في المعلوميات ، و أكبر دليل على ذلك مثال اليابان و الصين . علما أن اختيار الحرف اللاتيني لم يقدم الصومال التي اختارته منذ زمن ، أو مالي التي عملت به منذ سنوات ، و لم يحقق لتركيا منذ 1928 ما رغبت فيه من تطور تكنولوجي و معرفي ، كما أن كتابة الصينية بحروفها لم يمنعها من التقدم ، و كتابة الفارسية بالحروف العربية لم يحصر عنها المعرفة و العلوم . و هذه الأغاليط مجتمعة تناست تاريخ الأمازيغ مع اللاتينية و حروفها ، إذ لما كانت تهمه العربية و حرفها هي الهيمنة ، فلماذا تم القفز على تاريخ الحرف اللاتيني و علاقته بالأمازيغ و غيرهم ؟ و كي لا نكون مجانبين للصواب ، لنترك مؤلف ( وصف إفريقيا ) يحدثنا عن ذلك :

يخصص الحسن الوزان لموضوع الكتابة جانبا يعنونه بـ << الكتابة المستعملة عند الأفارقة >> . فيتحدث عن اختلاف المؤرخين العرب بين قائل بعدم وجود كتابة أخرى للأفارقة غير الحروف اللاتينية ، و قائل بوجود << لغة مكتوبة خاصة بهم ، لكنهم افتقدوا هذه الكتابة من جراء احتلال الرومان لبلاد البربر >> ، بل إنه يقدم دليلا يراه كافيا، << ذلك أن بلاد البربر كلها ... لا تحتوي أية كتابة في الأضرحة أو في جدران أي بناء إلا و هي بالحروف اللاتينية دون استثناء . و لا أظن أن الأفارقة استعملوا هذه الحروف و اتخذوها لكتابة لغتهم الخاصة ، إذ لاشك أن الرومان لما انتزعوا هذه الأماكن من أيدي أعدائهم ، محوا - حسب عادة المنتصرين- جميع النقوش الحاملة لآثار المغلوبين بخطهم قصد إذلالهم >> .

لو تأملنا نص الوزان لوجدنا فيه عبارات دالة بؤرتها... << قصد إذلالهم >>، و هذا ما يعني أن العرب لم يجدوا خطا متداولا ليحاربوه ، و أن الحرف اللاتيني لم يكن ذلك الأخ الرؤوف الرحيم (العالمي) ، و أن ربط الصلة به لا تعلل بالتاريخ ، و لا تؤكدها الاستدلالات العلمية و التواصل العالمي ، إذ التواصل الحق ، هو بمنطق اللغة القوية اقتصاديا و معرفيا ، و ذلك ما لا يمكن أن يتحقق بحروفها فقط .

يشهد التاريخ ، إذن ، أن الحرف اللاتيني كان دمويا ، فتبطل بذلك حجة التاريخ ، و يشهد الواقع أن قوة اللغة ليست في حروفها ، فتبطل حجة الانتشار و التوسع ، و يشهد منطق العالمية أن معاييره عامة ، و تنطبق على العربية ( عددا و قانونا ) ، فتبطل تهمة العالمية ، و تؤكد المعطيات اللسانية أن حروف العربية قادرة على أداء أصوات الأمازيغية ، فتبطل الحجة اللسانية . يقول محمد شفيق : << الأبجدية العربية صالحة لأن تكتب بها اللغة الأمازيغية شريطة أن يضاف إليها : 1 ـ زاي مفخمة ؛ 2 ـ كـــاف معقـــودة ؛ 3 ـ كاف معقودة مليئة >> .

إن حكاية الخط اللاتيني ليست جديدة في تاريخ الشعوب ، فقد طرحها البعض بديلا للعربية نفسها ، و طرحت في الصين خلال الأربعينيات من القرن العشرين حيث كتبت بها جرائد معينة ، لكن التجربة استنزفت نفسها بقوة روح المجتمع و منطق التاريخ .

ج ــ المنتصرون للخط العربي
تشكل المنتصرون للخط العربي من صنفين ؛ صنف استند إلى الاستدلالات التاريخية و الدينية و النفسية ، و صنف استند إلى الاستدلالات اللغوية مجتهدا في تقديم تصورات علمية تفند ادعاء قصور الحرف العربي عن أداء مهمة الكتابة الأمازيغية .

تبدو حجج الصنف الأول متماسكة و منسجمة مع نفسها ، لأنها ترتبط بتربة الوطن و عرق الأجداد ، و لأنها تفكر كثيرا في اتساق المجتمع ، و ضمان تلاحمه . يقول سعد الدين العثماني : << فأنا مع الحرف العربي لأنه هو الحرف الذي كانت الأمازيغية ، تاريخيا ، تكتب به في المغرب ، و أنا أمازيغي و أرجع إلى مخطوطات والدي و أجدها مكتوبة بالعربية >> . و يؤكد محمد العربي المساري أن << الكتب و الوثائق الأمازيغية عندنا في الريف ، مثلا ، مدونة بالحروف العربية ، فكيف نحدث قطيعة مع هذا التراث الغني ؟ >> .

يستلزم هذا الاستفهام إنكارا مقصودا ، إذ يمكننا تسويد صفحات عديدة ، و الإتيان بحجج كثيرة تبين أن الأجداد اختاروا الحرف العربي دون إكراه ، لأنهم يعلمون أن العربية ليست لغة عرق أو قوم ، بل هي لغة حضارة ساهم فيها الفارسي و الأمازيغي و الحبشي ... و على من شك في ذلك أن يعود إلى الفهرست لابن النديم ليقف على مسوغات تعريب الدواوين ، و لو أردنا التخصيص لاكتفينا بالتاريخ القريب الذي نستدل منه بنموذج أحمد أمزال الذي دون 72 قصيدة أمازيغية بالحرف العربي ، مما دفع باحثا في الأمازيغية إلى القول : << و لقد استعمل الحرف العربي في التدوين على غرار فقهاء سوس في كتابة المخطوطات الأمازيغية >> . نترك صنف المستدلين بالتاريخ و الدين ، و نستحضر المستدلين باللغة ذاتها .

قد تكون مجهودات محمد شفيق نموذجا لذلك ، فقد راكم هذا الباحث اجتهادات تنم عن وعي عميق بطبيعة الإشكال ، إذ بين أن << الأبجدية العربية صالحة لأن تكتب بها اللغة الأمازيغية... >> . و هو ما فعله في معجمه الذي يدل عنوانه على مضمونه (المعجم العربي الأمازيغي) الذي تبنت طبعه مؤسسة رسمية هي أكاديمية المملكة المغربية ، و في ذلك إشارة لا تخفى على اللبيب . و إذا كان المعجم دلاليا بالأساس ، فإن اجتهاداته الأخرى خصصت للأصوات أو التراكيب . و هو ما يؤكده كتاب << أربعة و أربعون درسا في اللغة الأمازيغية : نحو ، صرف ، اشتقاق >> (1991) ) الذي يبتدئ بعنوان دال هو << قواعد لكتابة الأمازيغية >> . و هي قواعد تقيس نفسها على العربية ، و تكتب بحروفها .

إن هذه الأفكار هي التي نجدها في مؤلف << اللغة الأمازيغية ، بنيتها اللسانية >> (2000) . حيث تتم مقارنة الأمازيغية بالعربية ، ففي الحروف الصامتة يقول : << العين غير أصلية في البربرية ، إذ لا يزال بعض متكلميها يعجزون عن النطق بهذا الحرف . و الملاحظ أن أغلبية الكلمات الأمازيغية المتضمنة للعين ، إما عربية الأصل ، وإما بربرية عربت ثم عادت إلى الأمازيغية في صيغتها الجديدة >> ، أما الصوائت (الحركات الثلاث) << أي الفتح و الضم و الكسر ، مشتركة بين الأمازيغية و العربية ، و قد اتخذت لها علامة في الكتابة الألف و الواو و الياء، إذ لامانع لذلك ، بما أن المد منعدم في بنية الصوتيات البربرية ، فلا يحدث إلا عرضا عند النداء أو التعجب أو الاستهزاء مثلا >> ؛ كما يقدم نماذج أخرى للصوامت و الصيغ الصرفية و القواعد النحوية .

قوبل هذا المشروع العلمي بالرفض استنادا إلى حجج غير علمية . << المدافعون عن أطروحة كتابة الأمازيغية بالحرف العربي وراءهم رهان بقاء الأمازيغية ضمن الأيدلوجية العربية و عدم استقلالها في نسق خاص >> .

يختزل هذا الكلام خلفيات الموقف الذي يمكن تأكيده بما ورد في البيانات المختلفة ، إذ تتم مصادرة حق الآخرين في الاجتهاد ، عوض اعتماد الحجاج و الاستدلال و الحوار باعتبارها آليات التواصل التي لا تعني اشتعال << حرب الحرف >> بقدر ما تعني التداول في شأن مغاربي عام يهم الجميع ، لأنه يرسم آفاق المستقبل القريب و البعيد .

بتجاوز عقم النقاش يتقوى برهان الحجة التي لن نجد لها أحسن مما قدمه الأستاذ شفيق ، حيث تتبين مرونة الحرف العربي بتكييفه أحيانا مع الاختلافات البسيطة الموجودة بين الأمازيغية و العربية كالجيم القاهرية [g] التي ترسم كافا بثلاث نقط فوقها ، أو الزاي المفخمة التي ترسم بخط فوقها زَ أو [v] التي ترسم قافا بثلاث نقط فوقها ... و هكذا إذا أضفنا إلى ذلك أوجه التشابه المعجمي و التركيبي مع العربية أصبح الأمر مقضيا ، لأن مسوغ يسر اللاتينية يرتفع ، ما دامت تفتقد إلى ما يعضد سندها الصوتي مثل الأصوات المفخمة (الصاد) ، أو الحروف اللثوية و الحلقية و غيرهما .

خاتمة

يبدو الخطاب الأمازيغي ملتبسا عندما يرتدي لباس النضال ، و يفقد أصحابه ميزة الباحث الهادئ الذي يرمي إلى إبراز الحقائق ، و لو كانت ضد أهدافه و اقتناعاته . و يقع في التناقض بين خطاب أنتجه في مناخ تفاعلي و خطاب مؤطر بخلفيات أخرى ؛ و نموذج محمد شفيق شاهد أمثل على ذلك ، وفق ما تشهد به مؤلفاته المتعددة ، و مواقفه المختلفة التي يلغي بعضها بعضا .

هناك تعليق واحد:

  1. si vous venez d'un autre pays que le Maroc on aimerait le savoir. SM le roi a déjà tranché cette question. vous devez actualiser vos savoirs.
    le peuple amazigh qu'a écris avec le tifinagh -traduit en amazigh notre découverte-depuis bien de temps n'a pas besoin de réflexions sur ce genre de sujet sans issu.
    c'est les arabes qui ont besoin d'un caractère pour écrire leur langue ils utilisent alharf nabati

    ردحذف