الأربعاء، أغسطس 04، 2010

نظرات في القضية الأمازيغية

بقلم : عمر أمكاسو
ــــــــــــــــــــــــــــــ



نحو معالجة شمولية للمسألة الأمازيغية



في البداية ، لابد من التأكيد على بعض تصوراتنا تجاه تغيير واقعنا بصفة عامة و على مختلف المستويات بما في ذلك المستوى الثقافي الذي تندرج فيه المسألة الأمازيغية.



فنحن نلح دائما على أن البوابة الطبيعية لأي تغيير سليم هي أن تتداعى كل المكونات
المجتمعية ، السياسية منها و الثقافية و غيرها ، إلى التوافق على إطار عام جديد للعمل الوطني يكون بمثابة ميثاق جامع يعرض على التصويت الشعبي (1). و ضمن هذا الميثاق يمكن إدراج كل القضايا و التحديات ، و التوافق على حلول شاملة لجميع القضايا بما في ذلك القضية الثقافية التي تشكل المسألة الأمازيغية جزءا منها . و ليكون هذا الميثاق جامعا ، و لكي تكون تلك الحلول شاملة و متناسقة فلا بد في نظرنا من توفر الميثاق السالف على عدة شروط ، أهمها:



أن يركز على القواسم المشتركة التي تجمع عليها كل مكوناتنا الوطنية ليضمن لنا الحد المطلوب من الوحدة في عصر تجتاحه العولمة و تتحكم فيه التكتلات الاقتصادية و السياسية . و لن نجد هذه القواسم المشتركة إلا في ديننا الإسلامي الحنيف الذي نشترك فيه جميعا و الذي يعتبر أساس هويتنا و ضامن وحدتنا. و بالتالي فأي معالجة للقضايا المطروحة يجب أن تستند على مقتضياته و مقاصده و مطالبه.



مما يجب أن ينبثق عن هذا الميثاق دستور جديد تشرف على وضعه هيئة منتخبة و ممثلة لجميع المكونات ، و لهذا الدستور الحسم في اختياراتنا الثقافية و غيرها بما يكفل لنا الوحدة و القوة و المناعة و الديمقراطية و العدل والكرامة...



يجب أن ينفتح هذا الميثاق على جميع المكونات و أن يساهم الجميع في صياغته بعيدا عن أي إقصاء ليحظى برضا الجميع و ليكون دافعا لعمل وطني جديد يتوخى ترسيخ مقوماتنا المشتركة و دعم هويتنا الجماعية بكل أبعادها ، وليكن شعارنا كلمة الشهيد حسن البنا رحمه الله : << لنتعاون في ما اتفقنا عليه، و ليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه >> .



يجب صياغة هذا الميثاق بعيدا عن جو الكولسة و الكوطا و التآمر على الشعب و القفز على إرادته ـ على غرار ما اعتدنا في المواثيق المخزنية ـ بل إن الميثاق الذي ندعو إليه يجب أن يصاغ على مرأى من الشعب و أن يحظى بموافقته و يعبر عن إرادته و تطلعاته.



يجب أن تأخذ معالجتنا للمسألة الثقافية ـ و الأمازيغية ضمنها ـ بعدها الطبيعي كمسألة وطنية تهم كل المواطنين و ليس فئة منهم ، و يجب أن تكون هذه المعالجة منطلقة من مقتضيات هويتنا الإسلامية الجامعة و مدعمة لوحدتنا ومبنية على إرادة وطنية صادقة ، دون أن يعني ذلك طبعا الإهمال و التعليق و التأجيل والتماطل ، أو المعالجة المستندة أساسا على الهم الأمني قبل كل شيء كما هو حال المبادرات المخزنية الأخيرة.



إن أي تهميش أو سوء تقدير لهذه المسألة الحساسة من شأنه أن يدفع في اتجاه تسييسها و تدويلها ــ و قد انطلق هذا المنحى و بسرعة فائقة للأسف ــ ما لم تبادر جميع المكونات و الهيئات إلى التفاهم و التوافق على ميثاق وطني شامل ، يحدد بوضوح هويتنا بأبعادها المختلفة ، و مرجعيتنا ، و أي مغرب نريد في عصر العولمة و الأمركة و في ظل نظام دولي جديد أو بالأحرى فوضى دولية ــ على حد تعبير مفكرنا الكبير المهدي المنجرة ــ يوظف ضمن وسائل اشتغاله وهيمنته مسألة الإثنيات ، و ما وقع و يقع في أوربا الشرقية و بلدان البلقان خير دليل على نجاعة و خطورة هذا السلاح الحساس في تفجير الأوطان و تمزيقها وجعلها كانتونات يسهل بلعها و التلاعب بها . نسأل المولى القدير أن يقي بلادنا مثل هذا المصير ، آمين، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه.



و الله من وراء القصد و هو يهدي إلى السبيل القويم .



ملاحظات حول الخطاب الأمازيغي



مهما حاول مناضلو الحركة الأمازيغية أن يُجذّروا خطاباتهم في الواقع المعيش ، و مع اتفاقنا معهم في وجود العديد من العوامل الداخلية التي ساهمت في إفراز هذا الخطاب و إعطائه بُعدًا نضاليا و مطلبيا ، و تفهمنا لذلك ، و إدانتنا للسياسة المخزنية القاصرة و الإقصائية التي ساهمت كثيرا في إفراز المسألة الأمازيغية تماما كما أفرزت الإخفاقات الأخرى(2) ــ و ما أكثرها ــ في مختلف المجالات التدبيرية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية ؛ رغم ذلك كله ، ومهما قدرنا وطنية و غيرة و سلامة طويّة مناضلي الحركة الأمازيغيية ــ و ذلك كله حاضر و لاشك ــ لا يمكننا غض الطرف في أي تناول شامل للقضية الأمازيغية عن دور العوامل الخارجية في ظهور و نمو و تطور هذه القضية ، و المرتبطة للأسف الشديد بالدوائر الاستعمارية.



سواء وقفنا عند حدّ الدراسات التقعيدية للمسألة في المجالات التاريخية أو الأركيولوجية أو اللسانية أو السوسيولوجية ، و مهما استحضرنا الروح العلمية و النزعة الموضوعية المفترضة في هذه الدراسات ، فلا يمكننا الزعم بخلو هذه الدراسات من الروح الاستعمارية بكل ما تختزنه من الرغبة في التشتيت و التشويش على الوحدة الوطنية للشعوب المستعمرة.



و إذا تجاوزنا هذه الدراسات ــ التي لا تزال تشكل المنطلق "العلمي" للحركة الأمازيغية و مرجعيتها التقعيدية ، رغم ظهور مختصين داخل الحقل الأمازيغي في مثل هذه الدراسات و الذين بقوا للأسف حبيسي "السقف العلمي" الذي أثلته هذه الدراسات الكولنيالية ــ إذا تجاوزنا هذه الدراسات فلن نعدم مظاهر أخرى سافرة أحيانا لهذا البعد الخارجي للحركة الأمازيغية ، مثل الجهود "الأكاديمية" (3) التي تبذلها المراكز و الأقسام المختصة في الجامعات الغربية ، و الدعم اللوجستيكي و السياسي و الإعلامي الذي تبذله كثير من الدوائر الغربية ــ دُوَلاً و منظمات و شخصيات ــ للمسألة الأمازيغية ، و ما موقف الحكومة الفرنسية تجاه أحداث "تيزي وزو" و القبايل بجارتنا الجزائر منا ببعيد.



و لذلك فالمعالجة الموضوعية للمسألة يلزمها استحضار البعدين الداخلي والخارجي و مدى تضافرهما و تأثيرهما في الخطابات التي ينتجها الأمازيغيون وخاصة ذوي النزعة القومية أو الأمازيغوفونية (4) ، و هذه ملاحظة أولى.



الملاحظة الثانية ، أن طرح المسألة في كثير من هذه الخطابات ينبني على أسس تقدم للقارئ و المتلقي كمسلمات لا يتسرب إليها أدنى شك ، في حين أنها لاتزال قيد البحث و التحقيق و النقاش و الأخذ و الرد ، و مع ذلك تبنى عليها استنتاجات و مواقف و مطالب و حقائق ، لفرط تكرارها و الإلحاح عليها ، كاد الجمهور أن يعتبرها مسائل محسوما فيها . و من ذلك الحديث المستفيض عن الحضارة الأمازيغية ما قبل الإسلام و تصويرها بشيء غير قليل من المبالغة والتضخيم (5) ، مع ما يصاحب ذلك من إشارات إلى طمس الفتح الإسلامي لمعالم هذه الحضارة ، على غرار ما قام به الاحتلال الروماني . و الحديث المبالغ فيه عن "التيفناغ" و عن عبقريتها و عن طمس الإسلام لها ، و عن أن تعريب المغرب فُرض بالحديد و النار من أجل محاربة الأمازيغية المجيدة.



و من ذلك أيضا تلك المغالطة الخطيرة التي يرتكبها كثير من المتناولين لهذه المسألة ، حيث يتحدثون عن أن للمغرب هوية ذات أبعاد كثيرة و هي البعد الأمازيغي و العربي و الإسلامي و الإفريقي و الإنساني . و هم بذلك يساوون بين الإسلام و بقية الأبعاد و يعتبرونه مجرد بعد من هذه الأبعاد . والواقع أن الإسلام أسمى وأجل وأوسع من أن يكون مجرد بعد ثقافي حضاري يتماهى مع باقي الأبعاد . و الصحيح أن نقول أن للمغرب هوية إسلامية ذات أبعاد مختلفة ، و لا حرج بعد ذلك من استحضار كل الأبعاد السالفة ، فموقف الإسلام من الثقافات والحضارات الأخرى معروف ، و يقوم على احتضانها و صهرها في بوتقته الجامعة لتصير كلها مكونات متكاملة و متناسقة و معبأة في تأكيد عبودية الإنسان لخالقه و تصديه لعمارة الأرض وفق ما تقتضيه تلك العبودية ، دون أدنى حرج في توظيف جميع اللغات و الثقافات أيّا كانت في هذه التعبئة . و هذا ما عرفه التاريخ الإسلامي على امتداد العصور.



و سبب تأكيدنا على هذه المسألة هو أن الانطلاق من المغالطة السالفة من شأنه أن يقحم الإسلام في ساحة الصراع الثقافي بين مختلف المكونات والأصل أن يكون الإسلام حلا لهذا الصراع و محتويا له و ليس طرفا فيه . كما أن هذه المغالطة أدت إلى ظهور تيارات داخل الحركة الأمازيغية تعادي الإسلام والفتح الإسلامي ، و تنادي بإحياء الأمجاد الأمازيغية لما قبل الفتح الإسلامي.



نعبر كذلك عن تحفظنا على ما ينزع إليه كثير من مناضلي الحركة الأمازيغية من قطع جذور الأمازيغية لغة و حضارة مع الإسلام و العربية ، من خلال الدعوة إلى اعتماد خط التيفيناغ في تدريس الأمازيغية و التأليف بها ، مع العلم أن نسبة هذا الخط للأمازيغية لم يحسم فيها أركيولوجيا و تاريخيا ، فضلا عن أن هذا المنزع من شأنه أن يقطع صلة الأمازيغ مع خمسة عشر قرنا من تاريخهم أبلوا فيها البلاء الحسن في ترسيخ الإسلام و نشره بالمنطقة و خارجها في الأندلس و غرب و جنوب إفريقيا.



و الإشكال الذي يتناساه أصحاب هذا الطرح أن تعريب المغرب هو قرار تلقائي اتخذه أجدادنا لمّا وجدوا في العربية من فضائل فهم الإسلام من أصوله وعلى رأسها القرآن الكريم المنزل بلسان عربي مبين حكمة من الله و تشريفا لهذه اللغة ، و سُنة النبي الكريم صلى الله عليه و سلم . و لأن المغرب كباقي بلدان الشمال الإفريقي لم يكن من العراقة الحضارية و الكثافة البشرية (6) في مستوى يجعله متمسكا باللغة الأمازيغية كما كان الشأن بالنسبة للغة الفارسية في إيران مثلا . و عليه فالحديث عن تعميم الأمازيغية و دسترتها و غيره من المطالب لابد له أن يستحضر هذا الأمر ، و إلا فنحن أمام ضرورة مراجعة اختيارات مضى عليها خمسة عشر قرنا مهما اختلفنا في تقويم تلك الاختيارات ، و هذا أمر عسير و صعب المنال و يحتاج منا إلى بذل جهود نحن أحوج ما نكون إليها في معارك بناء دولة الحق و القانون و مواجهة العولمة و التصدي لمهمتنا الرسالية التي تنتظرها منا البشرية المعذبة ببعدها عن شرع ربنا القويم.



و الملاحظة الثالثة ، أننا حين نتحدث عن المسألة الأمازيغية ، فنحن لا ننطلق من نظرة خارجية عدائية أو منفصلة عن الهم الأمازيغي ، بل إننا نعتز بتراثنا الأمازيغي الثري و بمساهمته الرائدة في بناء هذا الوطن و ترسيخ الإسلام فيه، و نستعمل الأمازيغية في دعوتنا على نطاق واسع دون مركب نقص أو غيره.



و الملاحظة الرابعة أننا نعبر عن تحفظنا من الطابع الذي تضفيه بعض المكونات الأمازيغية على المسألة ، حينما تعالجها في إطار قومي مغلق يطرح نفسه مناقضا لهويتنا الإسلامية ، مع تفهمنا للظروف التي أفرزت هذه المعالجات الخاطئة كما أسلفنا و المتمثلة أساسا في سياسة التهميش و الإقصاء و احتكار السلطة التي مارسها المخزن المغربي و ساهمت بعض فصائل الحركة الوطنية في التأسيس لها للأسف الشديد . فنحن نعتبر مثل هذه المعالجات لعبا بالنار و خطرا يتهدد مستقبلنا .



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ــ انظر تفصيل هذا الميثاق في كتب الأستاذ عبد السلام ياسين وخاصة حوار مع الفضلاء الديمقراطيين و العدل: الإسلاميون والحكم
(2) ــ انظر تفصيل هذا الموقف في كتاب حوار مع صديق أمازيغي، للأستاذ عبد السلام ياسين، مطبوعات الأفق
(3) ــ من تلك الدوائر" العلمية" مثلامعهد الدراسات الشرقية بباريس والأكاديمية البربرية بباريس
(4) ــ المصطلح للاستاذ عبد السلام ياسين في كتابه السالف ويقابل به مصطلح العربيفون الذي يشير إلى القوميين العرب
(5) ــ انظر مثلا كتاب" أربعون قرنا من تاريخ الأمازيغ" للأستاذ محمد شفيق
(6) ــ أرجو الا يفهم أنني أنكر تاريخ الأمازيغ وأمجادهم، وأنا منهم بل أذكر حقائق تاريخية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق