الأحد، أغسطس 08، 2010

الأمازيغية و التعريب

بقلم : عبد الله أوباري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في منتصف يوليوز الماضي ، اعتبرت كنفدرالية الجمعيات الثقافية الأمازيغية بشمال المغرب ( 100 جمعية ) مقترح قانون يتعلق بتعريب الإدارة والحياة العامة ؛ و المحال على لجنة العدل و التشريع و حقوق الإنسان بمجلس النواب ، محاولة لفرض العربية و إلغاء للتعدد اللغوي بالمغرب ، حيث طالبت هذه الجمعيات بسحب مقترح القانون
حول التعريب . كما شنت حملة شعواء على الفريق الإستقلالي الذي تقدم به إلى البرلمان . لن أتحدث عن مصداقية هذه الجمعيات و مدى تمثيليتها للأمازيغ ، فأغلبها موجود على الورق إن لم نقل أن أغلبها قضى عليها الموت منذ زمان فلم يبق منها إلا الإسم فقط ...

في مقال له نشرته الجريدة الأولى العدد 467/8/ ,08 أنزل السيد عصيد جام غضبه على حزب العدالة و التنمية ، و نعته بأشنع الأوصاف ، علما أن هذا الأخير لا علاقة له بمقترح القانون ، لا أدري كيف التبس عليه الأمر ؟.. كما استنكر على التجديد وصفها لمقترح القانون بـ : قانون تعريب الإدارة و الحياة العامة ، علما أن "بيان اليوم" سبقت التجديد في وصفه بذلك !.. ربما منعه من ذلك كونها الجريدة التي يكتب فيها عموده الأسبوعي !.. ديباجة مقترح القانون كانت واضحة جدا في تحديدها للغة المستهدفة و بألفاظ صريحة و مكررة ، لامجال للبس فيها و لا لأي تأويل يمكن أن نفهم منه أن اللغة المعنية هي الأمازيغية ... وقد جاء فيها : << بناء على مقتضيات الدستور التي تنص على أن المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة لغتها الرسمية هي اللغة العربية و نظرا لكون الإدارات و المجالس الجماعية و المؤسسات العمومية و شبه العمومية والمصالح ذات الإمتياز التي لا زالت تعتمد على اللغة الأجنبية لغة للعمل بداخلها أو في مخاطبتها للمواطنين ، تتسبب أحيانا كثيرة في ضياع أو تعطل حقوق ومصالح المواطنين الذين لا يفهمون اللغة الأجنبية ... و حيث أن الادارة التي كانت تعتمد على عدد كبير من الأجانب في بداية الاستقلال قد تمغربت ... و بذلك لم يبق هناك داع للاحتفاظ باللغة الأجنبية لغة للإدارة >> .

و مقترح القانون جعل من مراجعه منشور الوزير الأول رقم 69 بتاريخ فبراير1972 ؛ الذي يحث على مراسلة المواطنين باللغة العربية و المنشور رقم 232 بتاريخ 13 أكتوبر1978 الذي يحتم على السلطات المختصة بباقي الإدارات و المؤسسات العمومية و الجماعات المحلية ، أن تعمل كل ما في استطاعتها على تطبيق مبدأ اعتبار اللغة العربية وحدها لغة العمل بداخلها ، و ذلك تعميما لما هو معمول به داخل المؤسسات الدستورية ... و كذا منشور السيد الوزير الأول رقم 98,53 بتاريخ 11/12/98 باستعمال اللغة العربية بالإدارة العمومية << لكل هذه الاعتبارات نقترح إصدار قانون يقضي بما يلي ... >> ( و هذه الجملة الأخيرة حاسمة ) .

و واضح أيضا أن مقترح القانون يجعل العربية في مواجهة اللغة أواللغات الأجنبية خلال كل فصوله الإثنا عشر ، و أن المقترح له مرجعية قانونية تعود إلى أزيد من 36 سنة . كان من الأجدى أن يطالب بإضافة تعديلات على المقترح ، و فتح حوار حول الموضوع عوض المطالبة بإلغائه وشن حملة عليه ، و تجييش المشاعر ، و ممارسة الكذب و التضليل على صفحات الجرائد . علما أن مقترحات القوانين تعرض على الحكومة ثم على لجنة العدل و التشريع الممثلة فيها جميع الفرق البرلمانية ، حيث تناقش و تخضع للتصويت ، ثم تعرض في الجلسة العامة حيث تتعرض لنفس الإجراء قبل أن تكتسب صفة قانون . و هو مسار كفيل بتغيير الكثير من مضمون المقترح حتى يتلاءم مع الثوابت الوطنية بما فيها اللغة الأمازيغية . و هذه الأخيرة ما زالت في حاجة إلى مزيد من الوقت حتى يتم تقعيدها و معيرتها و تعميمها ــ رغم الجهود الجبارة التي بدلت خلال السنوات السبع الأخيرة ــ و إلا فإني أتحداه أن يترجم لي وثيقة إلى اللغة الأمازيغية الممعيرة مكتوبة بحرف تيفيناغ و كيف بعموم الأمازيغ ؟!

إشكالية السيد عصيد أنه متمرس على التلاعب بالألفاظ و ليّ أعناق النصوص ... اختار فقرات من مقترح القانون بشكل انتقائي مخدوم حيث أغفل أخرى توضح منطوق النص كما حدده واضعوه . إن المشروع المذكور ، ليس جديدا ، بل يعود إلى سنة 1998 ، و أن طرحه لا يعني رفض الحرف الأمازيغي أو اللغة الأمازيغية ، على اعتبار أن اللغة الأمازيغية لم تتم دسترتها بعد ، و بناء عليه فمقترح القانون يبدو طرحه إصلاحا للوضع الحالي المخالف للدستور ، والذي تسود فيه اللغة الفرنسية عمليا ، كما لا يمكن التحدث عن استهداف اللغة الأمازيغية لأنها غير معتمدة الآن لا في الدستور و لا في الإدارات ، عكس الفرنسية التي تسود و تتوغل في الحياة العامة ، فهو ــ حسب منطوقه - يستهدف انتشار الفرنسية في الإدارة و ليس الأمازيغية .

* * * * *

الاشكال الذي نعاني منه ليس هو التعريب القسري أو التمزيغ القسري ؛ بل هو العلمنة القسرية التي توحد الجهود داخل الحركة الأمازيغية و خارجها من أجل فرضها .. يزكي ذلك انخراط جريدة تقدمية حداثية في دعم مطالب الجمعيات المذكورة ، فصاحب << ربع كلمة >> (23/7/08) أو << ربع عقل >> كما يصفه أحد الظرفاء ، أكد حميمية العلاقة بين المشروع الأمازيغي و المشروع الفرنكفوني ، و قال عن الوزير الأول أنه أخرج من عالم الأموات مشروع قانون حول التعريب ، دفن في محفل جنائزي رهيب سنة 1998 . و اعتبر أن الأمازيغيين مستهدفين من دعاة التعريب قبل أن يعبر عن رأيه بصراحة شخصيا أنه مع رفض مزوار لقرار عباس و مع الجمعيات الموقعة على البيان ، و دعانا إلى قراءة التاريخ و الجغرافيا قراءة واقعية تضع المغرب على سكة التنمية .. وهي إيحاءات تؤكد على الإبقاء على اللغة الفرنسية في وضعها الحالي المريح ..

لكي نفهم الظاهرة ، لا بد من وضعها في سياقها التاريخي ، من معركة الحرف مرورا بمحاولات صهينتها و أطروحة الحكم الذاتي و جولات الإستقواء بالخارج خاصة في ظل التحولات العالمية و إفرازاتها . فهي محددات لا تخفي تغلغل تيار معين في الملف الأمازيغي ، و استغلاله من أجل أهداف مكشوفة لا تمت بصلة إلى القضية .. فمشكلة التعريب لم تثر في صفوف النخبة الأمازيغية إلا في منتصف تسعينات القرن الماضي ، مع أن التعريب طرح منذ بداية الثمانينات .. أطروحة التعريب القسري هذه ، ليست في الواقع متماسكة و لا تقوم على أي أساس . فلا يوجد مصدر تاريخي واحد ذكر أن المغرب سبق و أن عرف محاولات لفرض العربية لغةً لجميع السكان . و الدليل على ذلك أن الأمازيغ احتفظوا بلغتهم و تقاليدهم و نمط عيشهم و موروثهم الثقافي و الفني إلى يومنا هذا .. إضافة إلى أن أغلب الأسر التي حكمت المغرب منذ الفتح الإسلامي أسر أمازيغية ، و كانت الأمازيغية لغة المحادثة عند سلاطين المرابطين و الموحدين و المرينيين والسعديين و غيرهم ، بينما كانت العربية لغة الكتابة و التأريخ و التوثيق ، و كان القاسم المشترك بين هذه الأسر أنها أعزت الإسلام و أجلت العربية.

يدافع السيد عصيد باستمرار و باستماتة عن منتسبي الحركة الأمازيغية الذين يستعملون الفرنسية باستفزاز مقصود . ففي أواخر يوليوز المنصرم ، أصرّ مقدمو برنامج المهرجان المتوسطي الرابع للثقافة الأمازيغية بطنجة - حسب صحيفة المساء 08729 ــ على تقديم فقراته باللغة الفرنسية مع إحدى لهجات اللغة الأمازيغية ، و هو ما أثار استهجان جمهور المهرجان . و بدت مقدمة المهرجان متحمسة أكثر من اللازم و هي تقدم فقرات البرنامج باللغة الفرنسية ، بينما كان زميل لها يترجم الفرنسية إلى الأمازيغية . و استبعد منظمو هذا المهرجان اللغة العربية بشكل شبه كامل ، و هو ما اعتبره جمهور المدينة استفزازا متعمدا ، خصوصا و أن أزيد من 90 في المئة من سكان المدينة لا يتحدثون الأمازيغية ، كما أن اللغة الأجنبية السائدة في المدينة هي الإسبانية وليست الفرنسية . نعلم أن الكثير من مستعملي الفرنسية في المغرب يفعلون ذلك لأسباب موضوعية ، و لا علاقة لها بإهانة أو إقصاء العربية ، عكس ما هو الحال عليه عند من يدافع عنهم عصيد ، فالمسألة عند هؤلاء مسألة أدلجة و عناد !..

الذي يشكل الخطورة حقيقة على الأمازيغية ؛ هو توجهات هؤلاء المتأمزغين المنسلخين من هويتهم باستغلالهم لها من أجل تمرير خطاب و أجندة اديولوجية معينة ، تستهدف سلخ الأمازيغ عن هويتهم و تاريخهم و حضارتهم ، و الاعتزاز بلغة الأجنبي و حضارته و خدمة أطروحاته و أجندته في المنطقة .. واهتمامهم بموضوع العلمانية و العرقية و الاعتزاز بفترة ما قبل الإسلام ، ومناهضة العرب و العربية و همزاتهم غير الودية للدين ، تجعل الأمازيغية والاهتمام بها و السعي إلى تطويرها مسألة ثانوية . إذا كانت الحركة الأمازيغية قد جاءت أساساً للمطالبة بالاعتراف بالثقافة الأمازيغية كرافد من روافد الهوية المغربية ، فمعنى ذلك ، منطقياً و موضوعياً ، أنها تعترف بوجود روافد أخرى لهذه الهوية عليها أن تتفاعل و تتكامل معها ، لا أن تسعى إلى محوها و إلغائها. إن التطرف يخلق ، بالضرورة ، تطرفا مقابلا بحيث يعطي الذرائع لمتطرفين من الجانب الآخر . و في المواجهة بين هذا و ذاك قد تضيع على المغرب فرصة بناء ثقافته الوطنية المنفتحة ، التي تهدف إلى تعزيز مساحات التكامل بين كل المكونات ، بحيث يجد فيها كل مكون مكانه .. فلا بد من الحرص على هذا التعدد و ضرورة العمل على إثرائه حتى يكون بدوره رافدا من روافد الإغناء و الإثراء للوحدة الوطنية المغربية . العربية و الأمازيغية لغتان وطنيتان ، يجب أن يتم الإهتمام بهما في مسارين متوازيين و تتعاونان على تقوية بعضهما ، و ليس أن تبنى علاقتهما على التضاد و العداوة كما يرغب في ذلك دعاة الفتنة الجدد ..

إذا كان الأمازيغ قد استقبلوا الإسلام والعربية بحفاوة في منتصف الألفية الأولى ، فالمؤكد أنهم أشد ارتباطا و التصاقا و اعتزازا بهما في مستهل الألفية الثالثة ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق