الأربعاء، أغسطس 04، 2010

غلاة الأمازيغ يحاولون محو ذاكرتنا

في حوار مع : الأستاذ عمر أمكاسو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــ بماذا تفسرون هذا الغلو الذي يبديه هؤلاء " المناضلون " الجدد ؟ هل هذا راجع لظلم التاريخ (الدغرني نموذجا) ، أم لأطماع الجغرافيا (رشيد رخا نموذجا) ؟

ــ صحيح ، يمكن للمتتبع للحركة الأمازيغية ان يلاحظ بدون عناء كبير أن هناك غلوًّا ملحوظا عند بعض دعاة هذه الحركة ، و يتجلى هذا أساسا في إدراج المطالب
الأمازيغية في سياق تقابل مضاد مع الإسلام و العربية و إقحام الإسلام بشكل فجّ في هذا الصراع ، و كذا في الرفع من سقف هذه المطالب إلى حد المطالبة بحق تقرير المصير " للشعب الأمازيغي " و وطن " تامازغا" (نموذج رشيد رخا) ، أو الدعوة إلى تأسيس حزب أمازيغي (نموذج الدغرني) ؛ و إذا حاولنا تلمس أسباب هذا التصعيد فيمكننا أن نجد عدة أسباب أهمها في تقديري:

1 ــ أن كثيرا من أصحاب هذا الطرح المتطرف لهم أصول فكرية و فلسفية تقوم أساسا على مثل هذه المقولات و تتأسس على رفض الانتماء الإسلامي والعربي ، و ينطبق هذا على بعض دعاة الحركة الذين كانوا بالأمس القريب مناضلين ماركسيين ، و نحن نعلم موقف الماركسية من الدين و بسقوط الشيوعية فقَدَ هؤلاء غطاءهم الإيديولوجي هذا ، و لم يجدوا بُدّا من مواصلة نهجهم تحت غطاء الدفاع عن الأمازيغية ، كما أن هناك فريقا آخر من هؤلاء الدعاة استقوا أصولهم الفكرية من دراسات و أبحاث أنجزها جنرالات الاستعمار الذين حرصوا في هذه الدراسات على قطع أية صلة بين الأمازيغ و تاريخهم و انتمائهم الإسلامي، و طبيعي أن نجد صدى لهذا الحرص في مقولات و أطروحات تلامذتهم هؤلاء.

2 ــ يمكننا اعتبار كثير من هذا التصعيد و الغلوّ انعكاسا للمزايدات التي تعرفها الحركة الأمازيغية مؤخرا خاصة بعد استحداث المعهد الملكي للأمازيغية ، فقد أثار هذا الحدث و مستجدات الأمازيغية في الجزائر نوعا من المزايدات بين دعاة الأمازيغية حيث حاول كل طرف أن يثبت أنه أكثر وفاء للأمازيغية ، و من خلال ذلك يحاول هؤلاء تأمين مستقبلهم السياسي و الفكري بإزاء ما يلوح من آفاق أمام الحركة الأمازيغية ، خاصة و قد حظى البعض بمناصب سامية في المعهد ، و كأن هذا الغلو محاولة من هؤلاء للضغط على الأطراف الأخرى للفوز بأكبر قدر ممكن من المكاسب.

3 ــ لا يمكننا أن ننفي كون هذا الغلو ردّة فعل على غلو مضاد يمثله من يرفض أي حديث عن المطالب الأمازيغية ، إلاّ أن أثر هذا العامل أمام العاملين السالفين يبقى ضعيفا في نظري.

ــ ألا تعتبرون تحركاتهم مجرد ردود أفعال ؟ أم أنها خاضعة لنظام التحكم عن بعد ؟ أي هل هي بعيدة عن الأطماع الاستعمارية ؟

ــ يصعب الحسم في طبيعة هذه التحركات أهي ردود أفعال أم هي مرتبطة بالأطماع الاستعمارية ، فكلا العاملين له نصيبه في تفسير هذه التحركات ، و إذا أردنا الحديث عن المسألة في إطارها الوطني و هذا ما يجب أن نحرص عليه جميعا فيمكننا تغليب العوامل الداخلية من ردود أفعال و ما تعرفه بلادنا من هامش الحريات العامة و الصحوة الحقوقية . لكننا رغم ذلك لا يمكننا غض الطرف عن العوامل الخارجية و إلاّ فكيف نفسر الدعم "الأكاديمي" و اللوجيستي و السياسي الذي تبذله الدوائر الغربية لبعض دعاة الأمازيغية ؟ و إلى أي حد يمكننا اعتبار تسلم محمد شفيق مثلا للجائزة الهولندية مجرد سلوك علمي يتوخى تشجيع البحث العلمي و الثقافي ؟ هذه تساؤلات تفرض نفسها و تحتاج إلى أجوبة عملية من دعاة الأمازيعية لإزالة الشكوك عن تحركاتهم و مطالبهم..

ــ لماذا يتهمون العرب "الإسلاميين" بمحاولة محو ذاكرتهم ؟

ــ لابد في البداية من التذكير بالموقف المبدئي للإسلام من التعدد الثقافي والعرقي ، فالإسلام يعتبر هذا التعدد من آيات الله تعالى و تعبيرا عن حكمته ، يقول تعالى : << و من آياته خلق السماوات و الأرض ، و اختلاف ألسنتكم وألوانكم ، إن في ذلك لآيات للعالمين >> ، كما يعتبر القرآن الكريم هذا التعدد عاملا يجب توظيفه في التعارف بين الأمم و الشعوب و الحضارات و إقامة علاقات تواصل حضاري خلاّق ، يقول تعالى : << يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى ، و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم >> ؛ و جعل الإسلام التقوى وحدها ــ دون غيرها من العوامل اللغوية أو العرقية أوالمادية ــ أساسا للتفاضل . و عمليا جَسّد المسلمون هذا التصور عبر انفتاحهم على كل الحضارات الإنسانية و عبر استيعاب الإسلام للغات و ثقافات الشعوب التي اعتنقته و صهرها في بوثقته حتى غدت كلها جزء لا يتجزأ من الحضارة الإسلامية و أسهموا في بناء صرحها في كل الميادين ، بما في ذلك ميدان اللغة العربية و علومها ، فهذا كتاب ابن أكرام في النحو يعتبر من أمهات كتب النحو في العربية و مؤلفه أمازيغي ، و قس على ذلك في محتلف الميادين بما في ذلك تأسيس دولة إسلامية عريقة من طرف الأسر الأمازيغية كالمرابطين و الموحدين والمرينيين والوطاسيين ، و لم يسجل قط في تاريخ المغرب الإسلامي أن الإسلام أو العرب حاولوا محو ذاكرة الأمازيغ ، إنما الذي يحاول محو هذه الذاكرة هم بعض دعاة الأمازيغية اليوم الذين يعملون على قطع الصلة بين الأمازيغ و 15 قرنا من الانتماء الإسلامي و من العطاء الواسع في ظل الحضارة الإسلامية !..

ــ بماذا تردون على دعواهم المغالية في إدانة الوجود العربي الإسلامي ؟

ــ إن دعاة الأمازيغية الذين يتبنون مثل هذه الأطروحات المغالية لا يمثلون إلا أنفسهم ، و هم نخبة مقطوعة عن جماهير الأمازيغ المعتزين بانتمائهم الإسلامي العربي الذين ضربوا و يضربون المثل في الوفاء لهذا الانتماء ، و كل ما يمكن قوله لهؤلاء هو دعوتهم للاستفادة من تجارب من سبقهم لمثل هذه الأطروحات التي انتهت كلها بالفشل من ماركسية و قومية و غيرهما ، و على هؤلاء أن يستمعوا لنبض الشعب المغربي و المغاربي الذي لم يقبل و لن يقبل بديلا عن انتمائه الإسلامي ، كما أنهم مدعوون للتصالح مع ذواتهم و الكف عن اللعب بالنار عن طريق إثارة مثل هذه الدعاوي المتطرفة خاصة و أن أول من يتضرر من مثل هذه الدعوات هي المسألة الأمازيغية نفسها ، و أؤكد لهؤلاء أن انتماءنا الديني أوْلى و أسْبق من انتمائنا الطيني ، و أننا خُلقنا لعبادة الله تعالى أوّلا و آخرا.

ــ هل يمكن الحديث عن أزمة هوية بالمغرب ؟ هل يشكلون خطرا ؟ و هل الحرب العرقية و اللغوية قادمة ؟

ــ أزماتنا بالمغرب كثيرة و متنوعة بكثرةِ و تنوعِ الظلم و الفساد والطغيان و التخبط ، و أزمة الهُوية المطروحة هي اغترابنا عن ديننا أوّلا قبل أي شيء ؛ وإذا تصالحنا مع ذواتنا و عُدنا إلى ديننا عقيدة و شريعة و معاملات و أخلاقا ففي إطار ذلك يمكننا احتواء ــ بالمعنى الإيجابي للكلمة ــ بقية الأزمات الثقافية وغيرها. و الخطر الذي يهددنا أساسا ليس دعاة الأمازيغية المتطرفين ، بل هذا الظلم السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي الذي يجسده المتنفذون و الذي وَلَدَ ويُوَلد مثل هذه القضايا ، و لذلك ندعو دائما إلى حوار وطني مؤسس لميثاق على أرضية الإسلام ليكون إطارا لبناء مغرب جديد ، مغرب كل المغاربة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق