الثلاثاء، أغسطس 17، 2010

فصـل المـقال فيمـا بيـن اللغـة العربيـة و الأمازيغيـات مـن اتصـال

بقلم : الدكتور عبـد الفتـاح الفـاتـحـي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يمكن القول أنه قلمـا نجـد تقاربا بيـنا و دالا بين اللغـة العربيـة و الأمازيغيات ، و إن يكـن عـدد مـن الباحثيـن قـد اعتبـر أن السلالـة اللغويـة للأمازيغيات منسلـة من شجـرة اللغـات الساميـة ، و بحسـب هذه الفرضيـة تكـون الأمازيغيـة أخـت شقيقـة للغـة العربيـة و للعبريـة ، غير أن هذه الفرضيـة لم تكن هي الوحيـدة ، حيث انـبرى بعـض
الباحثيـن في جعـل الأمازيغية من سلالـة اللغـة الفنيقيـة ، بل هناك مـن جعـلها من سـلالة اللغات الهندوأوربية . و الحـق أن أي فرضيـة لا يمكـن أن تـدحض سابقتها لعدم كفايـة الأدلـة إن لم نقـل انعـدامها ، و هـو ما دعا ببعـض الباحثيـن بمـن فيهـم العميـد الحالـي للمعهد الملكي للثقافـة الأمازيغيـة أحمـد بوكـوس إلى اعتبار الأمازيغيـة لغـة مستقلـة لا تنتمـي لأي سلالـة لغويـة .


و إن تحـاول الباحثـة الجزائريـة و عالمة الآثار حبيبـة رشيـد التأصيـل للأمازيغيـة مـن خـلال الحفـريات ؛ إلا أن الأدلـة تبقـى ضئيلـة ؛ و غيـر ذات تأثيـر في خلـق تصـور علمـي موحـد خاص بالأمازيغيـات ، لشفـويتها و نـدرة البحـوث بخصـوصها ، و ذاك هو مصـدر عـدم الحسـم فـي أصـلها و لا سـلالتها و لا في الحـرف الـذي اقتـرح لرسمهـا .


إن الأحـداث الكثيـرة التـي عـرفها شمـال إفـريقيا من هجـرات، و حروب، و استعمـار ، إلخ ... تـركت بصمات بارزة فـي الأمازيغيات و ثقافتها ، و لتلك السيرورة التاريخية التي عرفتها المنطقة لـم يكـن بـد مـن التفاعـل لغـويا و ثقـافيا مـع الوافـد الجديـد كـرها أو طواعيـة ، و هـو ما يعنـي تأثـر الثقافـة و اللغـات الأمازيغيـة بلغـة و ثقافـة الوافد القوي ، في وقـت لم تكـن فيـه مؤسسـات تحمـي و تـؤرخ للأمازيغية ، و هـو ما جعلها تستمـر لهجات شفـوية يصعـب التمييـز بيـن أصيـلها عـن دخيـلها ، و للأسـف استمـر ذلك حتـى بعـد الفتـح الإسـلامـي ، الـذي جاء بلغـة عربيـة اصطبغـت بالصبغـة القدسيـة باعتبـارها لغـة القـرآن الكريـم ، و تعـزز وزنهـا كـذلك بمجموعـة مـن الأحاديـث النبويـة التـي أشـادت بالتحدث بها ، و دعـت إلى تعلمهـا ، في وقـت تقبـل الأمازيـغ بحمـاسة الديـن الإسـلامي و ما ترتـب عـن ذلك من تأثـر كبيـر بلغتـه العربيـة .


و مجمـل القـول إذن و وفـق المنهجـية التاريخيـة فإن اللهجـات الأمازيغيـة نتيجـة التفاعـلات التـي عـرفها محيطـها الجغـرافي لا بـد و أن تكـون مفعمـة بمظاهـر التأثيـر على كافـة المستـويات النحويـة و التركيبيـة و المعجميـة و الصرفيـة و شديـدة التأثـر بحيث تستحيـل و الحالـة هـذه إمكانية تمييـز وضعها القديـم عـن وضعهـا المعاصر .


إن درجـة التأثـر و التداخـل اللغـوي الـذي عـرفته الأمازيغيـات أيضا مرهـون كذلك بوضـعها لهجـات شفـوية يصعـب تحديـد صـورة نموذجيـة تاريخيـة لها و لو لمـدة زمنيـة قصيـرة ، أي بما يمَكِّن من أن تشكل عينـة ضابطـة نقارنها بما هي عليه حاليا ، عكـس اللغـة العربيـة التـي نتوفر منها على نصوص تراثيـة ، لأنهـا دونت بتدوين القـرآن الكريـم ، و هو ما يسمـح للباحث في العصـر الحاضـر بأن نقيس درجـة تأثـرها و تغيـرها و تبـدل بنياتهـا علـى ضـوء نسختها التراثيـة، و هـو ما لا يتأتـى لنا كباحثين حيـن دراسـة التطـور التاريخـي للهجـات الأمازيغيـة لكونهـا كما أسلفنا استمـرت شفويـة ، و مـا ترتـب عن ذلك عدم تقعيـدها و تنظيـم مجمـوع مكونهـا اللسانـي بما يشكـل مرجعيـة للناطقيـن بها .


و هو ما جعـلها عرضـة لتغييـرات شـديدة لا يمكـن التنبـؤ بهـا ، تغيـرات في البنـاء و المعجـم بـل و علـى كافـة المستـويات ، و هو ما يرجـح حصول تغيـرات جذريـة و بنيوية ينتفـي معهـا ربـط واقع الأمازيغيـات الحاليـة بالأمازيغيـات القديمـة .


و بناء على ما سـردنها لا يتيسـر وضـع الأمازيغيـات موضـع المقارنـة أو إمكانية تأثيـرها فـي اللغة العربيـة الفصحـى لأن علمـاء العربيـة عرفوا بحساسيتهم من الدخيـل و عملـوا بمناهـج صارمة لحمايتهـا ، ذلك لأنهـم يعتبـرون المـس بصفـاء اللغـة العربيـة يستثرب عنـه الخطأ في تفسيـر النـص القرآنـي ، فاحتـرسوا أيم احتـراس من لهجات المولديـن خوفا على صفاء العربيـة ، و لذلك يستبعـد تأثيـر الأمازيغيات في اللغـة العربيـة للأمـر المومأ له ، في حين يبقى حضـور تأثيـر اللغـة العربـية فـي الأمازيغيـات بـاديا بشكـل جلـي .


و ما يمكـن استخلاصـه إذن أن تأثيـرا متبادلا قلما يمكـن الاستـدلال به من الأمازيغيـات إلى العربيـة إلا في صـور جـد نـادرة لا يعتـد بها ، و لكـن يمكـن أن نستحضـر ذلك التأثيـر في اللهجـات العربيـة العاميـة و التـي هي مستـوى متدنـي من لغة العامـة الشفـوية و هو ما يجعـلها عرضـة لأي تبـدل أو تغييـر يصعـب ضبـط ملامحـه ، و دليـل ذلك أن دارجـة أو عاميـة عشـر سنوات سابقـة نحـوا و تركيبـا و معجمـا مختلفـة عن دارجـة اليـوم ، خليـط و كـلام فـردي خاص غيـر مقعـد و لا خاضـع لنسـق ، إنها كـلام فـردي على حد تعبير عالم اللغويات فردناند دوسوسيـر .


و لذات الأسباب فعوامـل التبـادل و التأثيـر بيـن العاميات و الأمازيغيات قائمـة بقـوة و متداخلـة كأداة للتواصـل اليومـي المحـدود ، و لغـة فـرضتها عـدم إمكانيـة تعلـم جميـع الأمازيـغ للغـة العربيـة و عدم تعلـم العرب للأمازيغيـة بسبب مشكـلات تعليميـة آنـذاك ، و هـو ما استدعـى تكويـن خليـط وسط يتـراوح بيـن أن تكـون الغلبـة فيـه للعربية في لهجات المـدن والحواضـر أو أن تكـون فيه الغلبـة للأمازيغيات في بعض القـرى و المداشـر ، و هو ما يفسـر وجـود قبائـل أمازيغيـة عربـت وأخـرى عربيـة تبربرت .


و ممـا يسهـل تأكيـده إذن أن الأمازيغيـات قـد استفـادت حتمـا مـن اللغـة العربيـة نحـوا و صـرفا و تركيبـا و معجمـا تعكسـه كميـة الكلمـات العربيـة الـواردة فـي معجـم اللهجـات الأمازيغيـة ، و أكيـد أن تقعيـد اللغـة العربيـة و الدراسـات العلميـة التـي بحثتهـا لا بـد أن ترخـي بظـلالها على لغـة شفويـة ، أما بخصـوص تأثيـر الأمازيغيـة فـي اللغـة العربيـة فيبقـى ذلك محـدودا .


و أمـا علـى المستـوى الثقافـي فيمكـن القـول بأن الأمازيغيـات مـن خـلال تراثهـا الشفـوي و الذي لم يصلنا منه و للأسـف إلا النـزر القليـل لضياعه بفعل النسيان و عدم حفظـه كتابـة ، و لكـن على العمـوم أن المتوفـر يعكـس بقـوة درجـة تلاقح قـوي للثقافـة العربيـة و الإسلاميـة ، ساهـم فيه الإجمـاع المغربـي ، فلـم يسجـل أبـدا أن كان هنـاك تنافـر فيمـا بيـن الثقافـة العربيـة الإسلاميـة و الثقافـة الأمازيغيـة ، و لـم يسجـل أبـدا أن كـان هنـاك تنـازع فيمـا بيـن اللغـة العربيـة و الأمازيغيـة بل ساهمـتا جنبا إلى جنب و بتـوازي في تشكيـل الهويـة الوطنيـة المغربيـة على الـدوام .

هناك تعليقان (2):

  1. عندي ملاحظة على العنوان لكل لغة لهجات و الللهجات لا تكون الا بنات لغة، للعربية ايضا لهجات

    ردحذف
  2. العربية أصل كل اللغات فهي سليمة من كل إوجاج و تحوي كل العحروف و تاني أقدم لغة في تاريخ البشرية هي الأمازيغية لأنها الوحيدة الهي تحوي كل الحروف و هي أقدم من العبرية بكثير

    ردحذف