الأحد، أغسطس 08، 2010

مرة أخرى عن الصهيونية و اختطاف الأمازيغية

بقلم : إبراهيم بوغضن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في مقاله الذي نشره بجريدة بيان اليوم (عدد 22 فبراير 2008 ) بعنوان << الأمازيغية و الصهيونية >> ، أورد الأستاذ عصيد عدة مقولات تحتاج إلى رد و تحرير .

1) ــ ورد في مقال الأستاذ عصيد بأن الأمازيغية ترمز إلى مبادئ وقيم الحرية و
النسبية و التعدد بينما ترمز الصهيونية إلى الاحتلال و العنصرية و هذا في حد ذاته كاف لفهم التمييز الضروري بينهما . إذا كانت هذه المقدمة صحيحة ، و هي كذلـك ، فإن الأستاذ عصيد لم يصل ، و ربما لا يريد ذلك، إلى النتيجة المنطقية المترتبة عن هذه المقدمة الصحيحة و هي أن (الصهيونية) و (الأمازيغية) لا يمكن أن يجتمعا في قلب واحد . أي بتعبير أكثر وضوحا لا يمكن للأمازيغي المتشبع بالقيَم الأمازيغية أن يقدم على خطوات تطبيعية مع الصهاينة تحت أية حجة كانت . إن الصهيونية لا ترمز إلى الاحتلال والعنصرية فحسب ؛ إنها عقيدة لكيان يسمى اسرائيل اغتصبت أرضا فلسطينية ليست لها ، و أبادت إبادة كلية أزيد من خمسمائة قرية و مدشر، و شردت أزيد من أربعة ملايين و نصف مليون إنسان مشتتون في مختلف أنحاء المعمور . والحالة هذه لسنا أمام قضية سياسية تختلف عقول البشر في فك رموزها و تحليل معطياتها ، و اختلاف المواقف تجاهها ، و نحن هنا أمام مأساة شعب يباد أمام أعين العالم . و ماذا تكون المأساة سوى أنها امتحان لكل ضمير حي ، و لكل مثقف حر ، و لكل إنسان فيه ذرة من الإنسانية . و الموقف إزاءها لا يحتمل إلا أحد أمرين : أنا مع الصهيونية أو أنا ضد الصهيونية دون لف أو دوران .

2) ــ ماذا كانت اسرائيل التي تحولت فجأة إلى قبلة لبعض من الفاعلين في الحركة الأمازيغية ؟ ألم تكن سوى سلسلة من الإرهاب و المجازر و المذابح الجماعية من مذبحة دير ياسين .. إلى مجزرة صبرا و شاتيلا .. إلى مذبحة قانا .. إلى الحصار الجماعي على شعب أعزل .. إلى جدار الفصل العنصري ... و هل كانت إلا سلسلة متواصلة من القتل العمد مع سبق الإصرار و الترصد ؟

المطلوب إذن موقف واضح من دعاة التطبيع و من المهرولين إلى إسرائيل سواء أكانوا أمازيغ أم عربا أم غيرهم ، بغض النظر عن العرق أو اللون أو الجنس أو الديانة .

الواقع أن معالجة المشكل تتطلب تجاوز لغة الخلط و التغليط و عدم الهروب من الموضوع الحقيقي و هو مناقشة المحاولات الصهيونية الرامية في الآونة الأخيرة إلى اختطاف الأمازيغة ، و الانزلاق إلى التناول غير الموضوعي وغير العقلاني و غير النسبي ، و هو ما نجد في مقالة الأستاذ عصيد حينما قال ، في لغة تحريضية لا تخفى : << القومي العربي بالمغرب يتحدث تماما كالنظام السوري ، و الإسلامي المغربي أصبح ممثلا لحماس أو لحزب الله >> .

بنفس المنطق وسيرا على نهج الأستاذ عصيد في التحليل يمكن القول بأن بعض الأطراف في المغرب ( و للأسف منهم بعض المحسوبين على تيار معين من تيارات الحركة الأمازيغية ) بدأت تتحدث في الآونة الأخيرة تماما كما تتحدث الصهيونية العالمية . و هذا يصب في تكريس الخطاب و المشروع الصهيونيين .

3) ــ أما قوله بأن الحركة الأمازيغية تنطلق في موقفها من موقف إنساني واضح ، فهو كلام جميل و مقبول ... لكنه ليس هو كل شيء يا أستاذ عصيد ، المغاربة الأمازيغ ينطلقون في مساندتهم لإخوانهم في فلسطين قبل أي شيء آخر من منطلق إسلامي . فهل نسيت بأن الأمازيغ يؤمنون بأن فلسطين أرض وقف إسلامية لا يجوز التصرف فيها إلى قيام الساعة ؟.. و هل نسيت بأن الأمازيغ أسسوا أوقافا إسلامية ما زالت تابعة للمسجد الأقصى إلى اليوم ؟.. و هل نسيت بأن عددا كبيرا من أجدادنا الأمازيغ أقاموا لسنوات بجوار المسجد الأقصى يتبركون به و يستزيدون من العلم في جنباته ( مثل العلامة العبدري الحيحي ) ؟.. و هل نسيت أن الأسطول الموحدي ( نعم الدولة الموحدية التي أسسها المهدي بن تومرت الأمازيغي ) شارك في تحرير القدس أيام صلاح الدين الأيوبي ؟.

إن تجاهل الوقائع لا يعني عدم صحتها .

4) ــ يقول الأستاذ عصيد : إن مفهوم ( التطبيع ) لا ينطبق بالنسبة للأمازيغيين على العلاقات الإنسانية بل هو شأن الدول و الأنظمة . ففضلا عن التساؤل حول من له شرعية الحديث باسم الأمازيغيين ، لي على هذا التحديد للتطبيع عدد من الملاحظات :

ــ إن القول بأن التطبيع على المستوى الشعبي هو الذي سيؤدي إلى حل الصراع هو قول مردود عليه لأن جميع حركات التحرر في العالم تؤمن بأن الحصول على الحقوق هو الشرط الرئيس للتطبيع . و ما يردده الأستاذ عصيد ليس سوى الوجه الآخر لمقولة تروجها إسرائيل لأنها بعد احتلال الأرض تسعى إلى احتلال العقول و كسر الحواجز النفسية بينها و بين ضحاياها الفلسطينيين ومسانديهم من أحرار العالم .

ــ إن التطبيع و على عكس ما أورده السيد عصيد هو كل خطوة تسعى إلى ربط علاقات عادية و طبيعية مع إسرائيل دولة و مجتمعًا ما دامت على احتلالها للأراضي الفلسطينية ... لماذا ؟.. لأن دولة (إسرائيل) تتميز عن كل دول العالم بجملة أمور : أولاها أنها دولة لها مشروع تعمل على تحقيقه و هو إقامة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات ، أي أنها تسعى إلى احتلال مزيد من أراضي الغير و إبادة مزيد من الشعوب ..؛ ثانيها أنها دولة تقوم على الاستعمار الاستيطاني الإحلالي و هو أعلى أنواع الاستعمار لأنه يقوم على إبادة شعب بكامله و إحلال شعب آخر محله يؤتى به من أقاصي الدنيا ..؛ ثالثا إن المجتمع الإسرائيلي مجتمع عسكري ، الجميع فيه مسلح ، حتى إن كاتبا إسرائيليا كتب ذات مرة قائلا : << كل شعب له جيش إلا في إسرائيل فهناك جيش له شعب >> ..؛ رابعها : لا مجال للتفرقة بين الدولة و المجتمع في إسرائيل لأن مظلة الجيش يستظل بها الجميع و لأن الجيش هو العمود الفقري لهذا الكيان ..؛ خامسا : إسرائيل تسمح لأي يهودي في أي مكان من العالم أن يلتحق بإسرائيل و يتمتع بحقوقه كاملة ، غير أنها في ذات الوقت حكمت بالنفي الأبدي على مصير أربعة ملايين و نصف مليون لاجئ فلسطيني منذ سنة 1948 إلى يومنا هذا . و انطلاقا من أنه لا مجال للتفرقة بين الدولة و المجتمع في إسرائيل يصبح قول الأستاذ عصيد << العلاقات بين الامازيغيين و اليهود المغاربة من أصل امازيغي لا سبيل إلى إيقافها أو عرقلتها بأية حجة كانت >> يصبح هذا القول مردودا عليه . لأن اليهودي الذي هاجر إلى إسرائيل يتحول من مجرد يهودي عادي إلى يهودي صهيوني يحتل أرضا ليست له . و الموقف تجاهه يجب أن يكون موقفا مبدئيا لا تؤثر فيه اعتبارات العرق و النسب و إلا فمن الجائز ــ إذا أخذنا بمنطق الأستاذ عصيد - أن يقوم أي عربي من أية دولة عربية بربط علاقات إنسانية مع اليهود الصهاينة من أصول عربية .

و السؤال الجوهري الذي يجب أن يطرحه الأستاذ عصيد هو : ما موقف اليهود المغاربة المقيمين في اسرائيل من المشروع الصهيوني الاستيطاني ؟.. ما صلتهم بالحكومة الإسرائيلية الإرهابية ؟.. ما علاقتهم بالموساد الإسرائيلي وجرائمه في كل أنحاء العالم ؟.. ما هو مستوى تأثيرهم في صنع القرار داخل الدولة الإرهابية ؟.. و هي قضايا وجدنا عددا من اليهود المغاربة هنا يقفون ضدها مثلما شهدنا مؤخرا مع سيومن أسيدون في تصريح له نشرته التجديد تعليقا له على مشاركة وزير الدفاع عمير بيريتس في الأيام اليهودية المغربية بباريس .

5) ــ حاول الأستاذ عصيد في مقاله سالف الذكر أن يجد تبريرات غير مقنعة للزيارة التي قامت بها فعاليات من الحركة الأمازيغية إلى الكيان الصهيوني، و تحاشى الرد الواضح على التساؤلات المقلقة بخصوص تسارع وتيرة المحاولات الصهيونية الجارية لاختطاف " الأمازيغية " . و الحال أنه لا يمثل إلا نفسه ، و ما ورد في مقاله هو مجرد آراء شخصية له يحاول أن ينسبها قسرا إلى الحركة الأمازيغية التي هي كباقي الحركات الاجتماعية فيها المعتدلون و فيها المتطرفون، فيها العقلاء و فيها المغامرون ، فيها المتسامحون و فيها المتشددون ، فيها المتصهينون و فيها الوطنيون الشرفاء .

أخيرا مني ألف تحية لليهود المغاربة الذين رفضوا الهجرة إلى اسرائيل و بقوا في البلد الذي عاشوا فيه لعشرات القرون ، رافضين بعزم و إصرار أن يكونوا أدوات في يد الصهيونية العالمية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق