الأحد، أغسطس 22، 2010

ليس دفاعاً عن اللغة العربية


بقلم : عبد الإله بلقزيز
( 30 يونيو 2010 ــ عن موقع حركة التوحيد و الإصلاح )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ضاق أمل المؤسسة الفرنكوفونية في المغرب و عيل صبر سدنتها و كهنتها ، و انسد أمامها أفق الرجاء في العودة إلى صدارة المشهد اللساني ، ففقد البعض أعصابه و ذهب به اليأس إلى إطلاق نارٍ كلامية على اللغة العربية داعياً إلى التخلي عنها و اعتماد العامية بديلاً لسانياً . و لعل مهندس الحملة على العربية نسي أن العامية التي
" يدافع " عنها لهجة عربية أمازيغية و ليست فرعاً من الدوحة الفرنسية ، و أنها ( عامية ) تفصحت أكثر من ذي قبل و اغتنت بمفردات اللسان العالم بفعل آثار التعليم و الإعلام و الاتصال .



في كل حال ، حمل الناقمون على العربية " بشرى " إلى المغاربة أجمعين ، فلقد تذكروا أن للبلد ثروة غير مستثمرة هي اللسان العامي ، و لعلهم افترضوا أن تدوير هذا الرأسمال في الاقتصاد و الثقافة و التعليم و الإعلام سيعود على المغرب بأجزل العائدات ، فإذا كنا نعاني من ثقل معدلات مخيفة للأمية ، يكفينا أن نحول العامية إلى لغة رسمية حتى يصبح المغاربة جميعاً متعلمين و تنتهي الأمية . و إذا كنا نعاني من ضعف فادح في الإنتاج الثقافي ، يكفينا تكريس العامية حتى يمسي المغاربة جميعاً مثقفين ، و إذا كنا تحت خط الفقر العلمي ، فالعامية تكفينا لننجب علماء الذرّة و الفضاء و البيئة و الطب ،.. الخ . العربية الفصحى عنوان تخلفنا و العامية طريقنا إلى التقدم !.. و كان الله في عون العقل .



هاكم ، إذن ، نصاً في مديح الجهل ، و هو لا يشبه في غرائبيته سوى دعوة بعض الجماعات الدينية المتزمتة المسلمين إلى عدم إرسال أبنائهم إلى المدارس بدعوى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمياً . على المرء ، في الحالين معاً ، أن يقف على رأسه حتى يرى الأشياء بوضوح ، فنحن حقاً - مع مديح العامية و ذمّ العربية - أمام سؤال يعاصرنا : كيف تُخرج مدارسنا هذا النوع من " الأطر " و " الخبرات " ؟



أفهم أن يقود اليأس إلى هذا النوع من " التفكير " و لست استغربه ، لكن ذلك يصح لو أن مشكلة اليائسين هي فقط مع لغة عربية لا يفهمونها لأنهم - ربما - لم يتعلموا بها في المدارس ، و هو يصح في ما لو أنهم رأوا في العامية حقاً ضوءًا في النفق المظلم ، أما أن يكونوا ممن لا يستعملون العامية في حياتهم اليومية ( إلا حين يتحدثون إلى las indigenes !) ، و يرطنون بغيرها من لغات الأجانب ، فإن شيئاً من ذلك " الفهم " لا يصح ، و عندها يصح أن نحمل الهجوم على العربية على محملٍ آخر غير الغيرة على العامية .



وهو يصح لأن على المرء أن يكون على قدر محترم من الغباء حتى يصدق بأن أحداً من شَتَمةِ اللغة العربية مؤمن بأن العامية تملك أن تكون لغة التعليم و الإدارة و الاقتصاد ، و هو يصح لأن الذين يقدحون في العربية ليسوا شعراء زَجل أو مسرحيين يروق لهم الكتابة بلغة اليومي ، و ليس يعرف عنهم أنهم من المندمجين في أوساط الشعب ، المتلحمين به ، المشاطرين إياه لغته و محكياته . ثم إنه يصح لأن " دفاعهم " عن العامية كان من طريق الهجوم على العربية حصراً .



سنحسن الظن بالمعادين للعربية فنحسب كلامهم في جملة ما قالوه أصالة عن أنفسهم لا نيابة عن غيرهم كما اتهمهم غيُرنا ، لكننا نصارحهم بأن ما يفعلونه ليس مجرد خدشٍ في مشاعر جمهور من المتمسكين بالعربية ، و لا هو مجرد نيل من حرمة دستور المغرب و نصه على العربية لغة رسمية للبلاد ..، و إنما هو يوشك بأن يكون القفى الموضوعي لحملات أخرى يرعاها الأجانب و مؤسساتهم الثقافية العاملة في المغرب ، و قد يغري – و هو أغرى فعلاً ــ بالاشتباه في النوايا و الصلات ، و أحسب أن الذين خاضوا في سيرة اللغة العربية بالقدح و التشنيع ، من وراء حجاب العامية ، فاتهم أن يصطنعوا لقضيتهم البراءة الكافية من شُبهة مبينة ، و لو هم تأففوا ــ بعضاً قليلاً من التأفف : و لو الزائف ــ من ثقل الهيمنة اللسانية الفرنسية الرابضة على صدر البلاد و العباد ، لكان في ذلك شيء مما يرفع الحرج عن خطابهم و يعفيهم من تشكيك من شككوا فيهم .



لست في معرض من يدافع عن اللغة العربية هنا ، فهي ليست في حاجة إلى مثلي لحفظ بقائها ، أمتها تدافع عنها ، و التاريخ و الثقافة و الميراث الحضاري العظيم ..، إذ كيف للغة القرآن الكريم أن تخشى على وجودها من جمهرة من الناس العاديين بعد أن اجتازت امتحان الاغتصاب اللغوي الكولونيالي لعشرات السنين ؟.. ما لم يستطعه دهاقنة الاستعمار و حركات التبشير طيلة قرنٍ و يزيد كيف تقوى عليه جماعة صغيرة لا نعرف كثيراً عن فتوحاتها العلمية و الفكرية ؟



لست في معرض الدفاع ، لكني في معرض التنبيه إلى أن مشكلة المغاربة ليست مع العربية و الأمازيغية ، و إنما مع لغة أجنبية فُرضت على بلادنا - في عهد الاستضعاف - بالقوة و الإكراه ، و لست أعترض على هذه اللغة الأجنبية ، وأنا من المدمنين على ثقافتها و آدابها ، و إنما اعترض على سيطرتها غير المشروعة على حاضرنا و مستقبلنا ، و خاصة في زمن لم تعد تتمتع فيه بأية قيمة في العالم بعد أن تغيرت خريطة القوى و انحدرت مرتبتها إلى لغة قليلة الشأن في الاقتصاد و الثقافة و العلاقات الدولية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق