الخميس، يوليو 22، 2010

ملاحظات على محاولات صهينة المسألة الأمازيغية

بقلم : عبد الله أوباري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
عندما أعلن مجموعة من المثقفين في منتصف السنة الماضية عزمهم على تأسيس ما أسموه آنذاك جمعية الصداقة الإسرائيلية الأمازيغية ، قلنا حينها : إن هذا مجرد طيش الشباب و ردود فعل على أحداث الجامعة و الصدامات التي حدثت بين الطلبة الأمازيغيين و الطلبة الصحراويين في بعض المواقع الجامعية وما تلا ذلك من
اعتقالات في الصفين رغم أن المبادرة حضيت بتزكية بعض أقطاب الحركة الأمازيغية .. لكن قبل أن تنتهي نفس السنة بأيام قامت مجموعة من ناشطي الحركة الأمازيغية يقودها أحمد الدغرني رئيس الحزب الأمازيغي - غير المعترف به - بزيارة للكيان الصهيوني بحجة المشاركة في ندوة عالمية نظمتها منظمة الأمن و التعاون الأوروبي في تل أبيب من 17 إلى 19 دجنبر الماضي تحت شعار مناهضة عدم التسامح و الميز العنصري و إنعاش الاحترام المتبادل و التعاون بين الشعوب . الخطوة التي اعتبرت انتهاكا صارخا لإجماع المغاربة على مناهضة التطبيع مع هذا الكيان .. و قد حظي أعضاء الوفد المغربي بـ "شرف" استقبال من طرف وزيرة الخارجية الصهيونية في مقر وزارتها بالقدس ، و حظوا بضيافتها في حفل عشاء و هي التي لا تستقبل الزعماء الفلسطينيين إلا نادرا و تحت الضغط !. و قبل أن يستفيق المصدومون من هذه الخطوة و أثرها السيء على المغرب عموما و على الحركة الأمازيغية خصوصا ، تم الإعلان مؤخرا عن عقد لقاء موسع لمجموعة من الفعاليات الأمازيغية اليسارية بمدينة الحسيمة ، من أجل تدارس إمكانية تأسيس جمعية للصداقة الريفية اليهودية .. السؤال المثار هنا هو : هل هذه الخطوات مجرد أحداث عابرة تلتقي في الموضوع و لا يجمع بينها رابط ؟



سنكون بلهاء إذا أقررنا بذلك و اعتبرنا الأمر هكذا .. فلابد من تسجيل بعض الملاحظات من خلال صيرورة الأحداث:



اللقاء الذي جمع أطراف جمعوية محسوبة على الجمعيات الأمازيغية مع الملحق الثقافي بالسفارة الأمريكية في شهر مايو من السنة الماضية و هو اللقاء الذي أعقبه الإعلان عن عزم نشطاء من سوس على تأسيس جمعية للصداقة الأمازيغية الإسرائيلية .. هذا اللقاء يؤكد انخراط بعض أطراف الحركة الأمازيغية في لعبة دولية مخابراتية خطيرة . و قد اختير اسم هذه الجمعية بمكر واضح ، لتحقيق هدف أساسي هو خلخلة التمثلات الإيجابية لدى المغاربة ، و قلب الحقائق في أذهانهم . فلفظة "سوس" في المتخيل المغربي ، مقرونة بالعلم و الفقه على مدى قرون ، و هي بذلك اعتبرت قلعة لحماية الثقافة العربية الإسلامية و تخريج الفقهاء و العلماء و الأدباء طوال التاريخ المغربي . علما أن في المنطقة جمعية أمازيغية مناهضة للتطبيع ، تحمل نفس الاسم ، تأسست منذ عقدين من الزمن ، هل كان ذلك أيضا مجرد مصادفة ؟!..



الظاهرة لا يمكن فهمها إذا عزلت عن سياقاتها الموضوعية ، فهي غريبة عن تقاليد و ثقافة المجتمع المغربي ، عربا و أمازيغ ، المعروف بمواقفه التاريخية المشهودة في مناهضة الكيان الصهيوني و لا بد أيضا من فهم الخلفيات التي تحرك مثل هذه الدعوات و في هذه الظرفية بالذات..



لعل المثير حقا أن المناطق التي ينحدر منها هؤلاء ، مناطق اشتهرت تاريخيا بتشبثها بقيم مناهضة الاستعمار و الدفاع عن ثوابت الشعب المغربي ومتمسكة دائما بالإجماع الوطني . و هو ما يدعونا إلى النظر للموضوع بنظرة مختلفة بعدما أصبح يكتسي طابع الجدية .



هذه الجمعيات تؤسَس وتُقدَم لها الرعاية الكاملة لتحقيق الاختراق و خلق البلبلة و اصطناع "قضايا" على المقاس و تضخيمها .. ومن الواضح أن قيامها لا يستفز العرب المحتلين - كما يحب هؤلاء وصفهم - بل يستفز الأمازيغ أنفسهم . ففي المغرب لا داعي أن يذكرنا أحد بحقوق اليهود ، فهم يساكنوننا و يجاوروننا طيلة قرون عديدة ، و يتمتعون بكل حقوق المواطنة ولم يطرأ على هذا أي تغيير حتى الآن فما الذي طرأ حتى تقوم هذه الجهات بهذه الهبة لنجدة اليهود و تأسيس جمعيات للصداقة معهم في الوقت الذي تمر فيه القضية الفلسطينية بظروف صعبة جراء الحصار و المجازر التي ترتكبها الآلة الصهيونية الغاشمة بمشاركة الإسرائيليين من أصل مغربي طبعا.. ألم يكن الأجدى أن تؤسس جمعيات أمازيغية للتضامن مع المضطهَدين و ليس مع المضطهِِدين ؟!



وصل الأمر ببعض دعاة الصداقة مع اسرائيل أمثال العميد السابق الذي نشر مقالاً خلال العدوان على لبنان في صيف 2006 ، إلى حد التعبير عن شعور سادي حيث قال فيه ما ترجمته : << أقتلوهم كما شئتم . فنحن المغاربة والأمازيغ على وجه التحديد ، لا دخل لنا في الأمر >> !.. في الوقت الذي كانت فيه الآلة العسكرية الإسرائيلية تدك لبنان و تسقط المنازل علي المدنيين و تقتل الأطفال الأبرياء و الشيوخ و تهدم البنية التحتية لبلد كامل .. و ما فتئ الدغرني يشنّ الهجوما العنيف على كل ما هو عربي و يعلن اعتزازه بالصداقة المغربية ـ الإسرائيلية و بالقرابة مع اليهود التي تعود حسب قوله إلى ما قبل الإسلام ! و هو الناشط اليساري السابق في الحزب الشيوعي المغربي و كان من دعاة القومية العربية و الوحدة العربية ، قبل ان يهبط عليه الوحي العبري في أواسط التسعينات من القرن الماضي ، فيدعو إلى الانعزالية الأمازيغية ، و يعتبر الوجود العربي في المغرب "احتلالاً " .



اليهود الأمازيغ الذين هاجروا إلى "إسرائيل" بُعَيْد الاستقلال - بتواطئٍ مخزني - تجنسوا كلهم بالجنسية الإسرائيلية و ساهموا بقوة في بناء الكيان المغتصب . بل ساهموا في كل التشريد و الاضطهاد و القتل الذي تعرض له الشعب الفلسطيني كما كانت لهم مساهمة في كل الاحتلال و الاستيطان والنهب و التهويد الذي تعرضت له الأراضي و المقدسات بفلسطين و ما يزالون كذلك .. لن تجد إسرائيليا واحدا - من أصل مغربي - يحافظ على تعليم أبنائه اللغة الأمازيغية ، إلا إذا كان ذلك في إطار المشروع الذي انخرط فيه هؤلاء المتسامحون الجدد .. بل الأدهى أن هؤلاء يتهمون الشعب المغربي باضطهاد اليهود خلال القرون الماضية و يطالبون السلطات بالتعويض عن ممتلكاتهم التي يزعمون أنهم تركوها عند هجرتهم الجماعية و أسسوا جمعيات لذلك من أجل الضغط على الدولة المغربية .. حُكم هؤلاء هو نفس الحكم الذي يسري على كل مغتصب مهما كانت لغته و مهما كان وطنه الذي انحدر منه .. هؤلاء لا علاقة لهم باليهود المغاربة الذين رفضوا الهجرة إلى الكيان الصهيوني و تشبثوا ببلدهم و أرضهم و تاريخهم و ممتلكاتهم وأهلهم. فلهم منا كل احترام.



الفعاليات الأمازيغية التي تقود هذا الطابور الخامس تقدم نفسها بوصفها ممثلة للأمازيغ ، لا نعرف كيف اكتسبوا هذه التمثيلية و كيف ينوبون عنا ومن خوّلهم الحديث بِاسم الأمازيغ ، و في الحقيقة فإن الأهداف المادية والسياسية تتجلى في تحركاتهم بوضوح ، و لا يحضر الأمازيغ في خطابهم إلا بوصفهم سلعة و أداة للمقايضة . و قد صرح الدغرني - مثلا - أن مشاركته في ندوة "إسرائيل" هي بمثابة تضحية قدمها من أجل المغرب حتى لا تفوته الإطلالة عبر إحدى نوافذ العالم .



الخطاب الشوفيني العنصري الذي أصبح ينتشر مؤخرا في المواقع الالكترونية الأمازيغية و في أدبيات بعض المثقفين الأمازيغيين و في بلاغات بعض الجمعيات الأمازيغية حيث يلاحظ بوضوح ازدياد جرعة معاداة الإسلام ديناً و العربية لغةً و العرب قوميةً .. هذا التسامح الجديد إذن له بُعد و اتجاه واحد .. بل حتى الحركات الاحتجاجية التي تنتشر في ربوع الوطن ضد الغلاء و التهميش ، نجد من يستغلها لإثارة العنصرية في الوقت الذي لا يميز فيه الإقصاء و التهميش بين العرب و الأمازيغ..



في خضم هذه المتاهة لا بد من التمييز بين ما هو ثقافي محض ، يُمكن تفهّم مراميه باعتبار الأمازيغ جزءاً لا يتجزأ من المجتمع المغربي ، فوجب ان نميز بين الثقافة اليهودية ، كثقافة إنسانية و جزء من التراث الإنساني ، وبين الثقافة الصهيونية العنصرية كمشروع ثقافي و سياسي مضاد للإنسانية .. و لا يمكن لأحد أن يمنعنا من إحياء لغتنا و تراثنا و تقاليدنا التي تشكل غنىً وثراءً للثقافة الوطنية ، و سنبقى دوما سدًّا منيعا دون التغلغل الإسرائيلي في الملف الأمازيغي..



من المفارقات العجيبة أننا كنا - فيما سبق - ندفع تهمة العمالة للفرانكوفونية، و كنا نرد على هذه التهمة أن الاهتمام باللغة و الثقافة لأي شعب لا يعني بالضرورة التبعية لجهات خارجية ، و أن الذين ينحون هذا المنحى في التحليل إنما يعوزهم العمق و عدم استيعاب القضية في كل أبعادها وجوانبها.. فإذا بنا اليوم نجد أنفسنا أمام حقيقة ارتماء فريق منا في أحضان الصهيونية بشكل لا يشوبه غبار ، و لا يمكن الجدال فيه !..



في الأخير ، أدعو الحركة الأمازيغية الوطنية و جمعياتها و مناضليها الحقيقيين ، أن يتخذوا موقفا واضحا و صريحا من هذا التماهي مع الصهيونية ، والجرأة على المقدس ، و محاولات تهويد القضية الأمازيغية . و مطالبة أولئك بإبعاد مآسي الناس و فقر المناطق و تهميشها عن الاستغلال الإيديولوجي والسياسي و اللجوء إلى الأجنبي و إقحام الدولة العبرية في قضايانا الداخلية ، وضرورة سلوك السبل القانونية للوصول إلى الحل بسلام .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق