الأربعاء، يوليو 28، 2010

العربية و الأمن اللغوي

بقلم : فؤاد بوعلي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كثر الحديث في هذه الأيام عن الحقوق الثقافية و اللغوية للأقليات والشعوب المسماة أصيلة في ظل تساؤلات و إشكالات تطرح على الدولة الوطنية في العالم العربي . و إذا كانت بعض الدول تعاني من تعددية دينية و مذهبية أنتجت في الآونة الأخيرة جملة من الاحتقانات و النزاعات التي تصل أحيانا حد القتال مثل القبطية في مصر و التشيع
في اليمن و دول الخليج ، فإن دول الغرب الإسلامي قد احتفظت لنفسها بتعددية لغوية أنتجت خطابا عن الحق اللغوي والحق في بعث تراث عف عنه التاريخ و الحق في رفض القادم من شرق المتوسط . وفي كل مرة يثار موضوع العلاقة بين المجتمع و الجماعة تثار قضية الحق في الكلام كأحد ركائز الانتماء و أساسا من أسس الوجود الإنساني .



فقد أعلن الميثاق الدولي للحقوق المدنية و السياسية أنّ : << وجود أقليّة إثنية أو دينية أو لسانية في دولة لا يجب أن يكون خاضعا لقرار من هذه الأخيرة ، بل يجب إقامته على أساس مقاييس موضوعية >> . و قد تمّت صياغة الإعلان العالمي للحقوق اللغوية سنة 1996 ببرشلونة . و هو يكتسي راهنا شكل بروتوكول قُدِّم إلى مختلف حكومات الدول الأعضاء بهيئة الأمم المتّحدة ، من خلال المؤسسات الدولية التابعة لها ، و أيضا من خلال الجمعيات غير الحكومية المعترف بها من طرف الأمم المتحدة ، و التي تعمل من أجل الاعتراف بالحقوق اللغوية و احترامها . و تندرج الحقوق الثقافية و اللغوية ضمن الجيل الثالث لحقوق الإنسان ، و هي حقوق تعتبر حقا لكل شخص ، ليس بوصفه كائنا طبيعيا أو سياسيا لكن بوصفه عضوا في المجتمع . أي أنها حقوق أساسية مثل باقي حقوق الإنسان الأخرى ، و بالتالي فهي ضرورية للكرامة البشرية و أحد مستلزماتها.



و قراءة عرضية لهذا الإعلان تثبت الإضافة النوعية التي قام بها في سبيل الحفاظ على الحقوق اللغوية للأقليات و الشعوب من خلال حقّ اللغة في الوجود ، و حق اللغة في البقاء ، و حقّ اللغة في التطور و النماء . فكل كيان لساني له ــ بقوة القانون و التشريع ــ الحق في الانتقال من مجرد تواصل لهجي بيني فرعي إلى تواصل لغوي جماعي مبدع و مؤسس . << في هذا الإطار يمكن أن نضيف أنّ الدّول عموما تعتبر اللغات المحلية جزءً لا يتجزّأ من تراثها الثقافي . و بالتالي من حقّها أن تحافظ عليها و تطوّرها . كما أنّ المجموعات التي تتكلم هذه اللغات تستشعر حقّها في أن تنال من الدولة الاعتراف و الدعم في إطار سياسة لغوية متجانسة >> (1) . و الاعتراف بهذا الحق لا يمس الانتماء الوحدوي و لا النسيج الاجتماعي لجماعة الأصل .



بهذا التصور يمكننا أن نقرأ الدعاوى المتكررة التي يعلنها بعض الفاعلين في العمل الجمعوي الأمازيغي عندما ينظرون إلى مسارهم المتصاعد ، من حيث المطالب و ليس الوعي بالواقع و الزمن ، بكونه صراعا وجوديا ضدا على الزمن العربي القادم ضدا على الهوية الأصلية للشعب الأمازيغي و القضية الأمازيغية . واللغة الأمازيغية ، أو اللغات الأمازيغية إن صح التعبير (2) هي رأس المطالب وبعثها من رماد التاريخ هو أس الحركة بأكملها . خاصة بعد تأسيس جمعية الجامعة الصيفية بأكادير التي كانت محطة للتنسيق بين الفاعلين في الحقل الأمازيغي في صياغة شعارات محددة من بينها التنوع في الاختلاف ، و المطالبة بدسترة الأمازيغية كلغة وطنية بالدستور ثم مؤخرا كلغة رسمية و إدماجها في حقل الإعلام و التعليم و الإدارات و القضاء . و المتتبع للمسار المطلبي للحركة الأمازيغية يصل إلى أنها قد انتقلت من مجرد الاهتمام الثقافي و الحق في الوجود الرسمي إلى البحث عن موقع لها في الدستور الوطني و بعد الدسترة سنصبح ملزمين بإصدار الوثائق بلغات القبائل الأمازيغية و ربما في يوم من الأيام يكون لكل دوار لغته الخاصة بناء على مسار تجزيئي تفتيتي تبدو معالمه من شكل النضال الحقوقي الأمازيغي و شعاراته .



فإذا كانت الحقوق اللغوية الجماعية سواء المتعلقة بالمجموعات الإثنية ( وهي حقوق طبيعية و ثابتة لا يجوز المساس بها ، و كمثال على ذلك الحق في إكساب القيمة للغة الإثنية ) ، أم الحقوق المتعلقة بالمجموعات الوطنية ( و هي حقوق وضعية ينشئها المجتمع ، وبالتالي يمكن أن يلحقها التغيير حسب مشيئة الدولة بالأساس ، و كمثال على ذلك حق الدولة في إضفاء صفة اللغة الرسمية على إحدى اللغات أو جميع اللغات الموجودة على ترابها ، وأيضا حقها في إدماج لغــة أو لغات أجنبية في البرامج الدراسية ) ، فإن لكل مواطن الحق أولا و قبل كل شيء في الأمن اللغوي . و الأمن لا يتعلق بالحرية في اختيار لغة التواصل والإبداع و لكن في احترام الفضاء العام للتواصل اللغوي و تقدير الجانب الوحدوي في الاختيار . فلو تتبعنا المسار الذي أخذته المطالب الأمازيغية في فرض اللغة يقتنع أن الأمر لا يتعلق بحد معين بل بمسار لا ينتهي إلا بحرب لغوية على حد تعبير جون كالفي تزيد من الأزمات التي تحيط بالعربية و دورها الحضاري.



و إنه من الخداع أن نتصور بأن الطفل الذي لا يتعلم بلغته الأم معوّق ومحكوم عليه بالفشل في الدراسة . و لعل المثال المضاد الفاضح هو ما يجري مع عبرية إسرائيل . ففي هذا الباب اللغوي ، الذي مصدره الهجرة الكثيفة ، نجد لغات أم متعددة ، منها العربية و الروسية ، و اللغات الأوروبية ، إلخ ، مع أن العبرية هي لغة المدرسة . و معلوم أن الاسبانيكوس في الولايات المتحدة قد اختاروا ديمقراطيا تعليم أبنائهم بالإنجليزية . و كيف يمكن للغة مشكوك حتى في رسمها وفي أصلها أن تصبح لغة الإعلام و الإدارة و التقنية مادامت التقارير الدولية كتقرير المعرفة 2009 تلح على كون العربية هي المدخل الطبيعي لإنشاء مجتمع المعرفة ؟



لذا سيظل اعتقادنا راسخا أن العربية هي الوحيدة الكفيلة بتحقيق الأمن اللغوي للمواطن المغربي القائم على التفكير الوحدوي و المشترك الوطني بدل التركيز على الخصوصيات الجهوية و القبلية التي يمكن أن تجد لها مكانا في تعبيرات مختلفة دون أن تمس بالنظام اللغوي للأمة و دون أن ترهن مصير الوطن وثقافته و انسجامه بتجزيئات لغوية و ثقافية تحت مسميات شعاراتية كالحق اللغوي و الحق في التعبير و الحق في الاسم و التسمية .



و لا يتعلق مسمى الأمن اللغوي بتوطين للعربية في فضائها بل بالتركيز على احترامها تداولا و قواعد و استعمالا في مراكز القرار من خلال إجراءات حقيقية تمس الحياة الثقافية للمواطن و تعيد الاعتبار للغته الوطنية و الرسمية . ولنا في التجربة الفرنسية خير مثال من خلال المناقشات الجارية بالبرلمان الفرنسي حول ضبط الاستعمال العام للغة التي تعد قضية دولة في نظام الجمهورية الخامسة و ليست مجرد لغة تواصل عادي . هذا للاعتبار و التبصر . أفلا يحق لنا أن نطالب نحن المغاربة بأمن لغوي ، على غرار الأمن الروحي المرتكز على وحدة المذهب و العقيدة ، يتأسس على وحدة اللغة العربية و استعمالها الملزم في مراكز القرار و الإدارة دون إلغاء للتنوع الثقافي و اللغوي و الإقليمي . إن احترام قواعد اللغة العربية ــ والمقصود هنا القواعد الأساسية و ليس القواعد الخلافية والفرعية ــ يجب أن لا يقل أهمية عن احترام قوانين السير و قوانين الأحوال المدنية و قوانين الاستئجار و سائر القوانين النافذة.



هذه دعوة لاحترام الذات و ليس إقصاء لمكوناتها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ــ الدكتور عبد الهادي بوطالب الحقوق اللغوية و حق اللغة في الوجود ، والبقاء ، و التطور و النماء ، و الوحدة .
(2) ــ لنا عودة لهذا المفهوم لكي نثبت أن الأمازيغية هي لغات و ليس لغة واحدة وأن ما يؤسس الآن في دهاليز المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية هو لغة افتراضية على حد تعبير الأستاذ محمد الأوراغي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق