الأحد، يوليو 18، 2010

الأمازيغ كما أعرفهم

بقلم : عبدالله اوباري ( عضو جمعية سوس العالمة )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان والده رحمه الله ، بعد الانتهاء من ورده اليومي قبيل أّذان العشاء من كل يوم، يدعو - باللهجة السوسية - دعاءا طويلا ، من جملة ما يتذكره ، و هو حينها طفل بدأ يعي ما حوله ، أنه كان يدعو الله ، بصوت مسموع ، أن يهلك الصهاينة المعتدين و أن يحرر المسجد الأقصى و يخلصه من براثنهم .. كان دائما يتألم لأن الحجاج
المغاربة حرموا من زيارة القدس خلال رحلتهم إلى الحج خلال احتلال الصهاينة لها سنة 1967 .. حفظ من خلال أدعيته أسماء كثير من أقطاب الطريقة الدرقاوية و على رأسهم سيدي الحاج علي الدرقاوي الإلغي والد محمد المختار السوسي رحمهم الله ، و من خلال دعائه حفظ الكثير من علماء سوس وصالحيها و أسماء آبائه و أجداده . كان دعاؤه الطويل الشيق - بالأمازيغية السوسية - مدرسة حقيقية لمعرفة الرجال - يستمع إليه هو و إخوته و يستمتع به قبل غروب شفق كل يوم.



كان ينصت لأغاني الروايس أمثال الحاج بلعيد ، و الحاج محمد ألبنسير ، والحاج عمر واهروش ، و الحاج المهدي بنمبارك ، يصغي في صمت لقصائدهم التي خلدوا فيها رحلتهم إلى الحج ، يحكون فيها عن كل شيء صادفهم خلالها من أولها إلى آخرها . كانوا يتحلقون حول المذياع ( صندوق كبير) ، و كان حضرة الوالد يشرح لهم ما غمي عليهم في تلك الأغاني الرائعة من أمور الدين والمناسك و الشعائر و التاريخ و الجغرافيا و العادات و ركوب الباخرة أو الطائرة.. كان الانصات لتلك القصائد بمثابة دروس يخرج منها بفوائد جمة.. و أغاني "روايس'' آخرين كمحمد بودراع ، و الحسين جانطي ، و مبارك أوبلحسن ، و ابراهيم بيهتي، و بوبكر أنشاد ، و بوبكر أزعري ، و محمد بن إحيا وغيرهم ممن حفظ أسماءهم صغيرا و ما زال ينصت إليهم من حين لآخر..



حرص والده رحمه الله على أن يحفظوا القرآن حرصه على تعليمهم قواعد الدين و آدابه . و كذلك اللغة العربية و قواعدها ، و هكذا كانت كل العائلات في وسطهم.. و كان يجتهد في تربيتهم على ذلك ، رغم كونه أميا لم تسعفه ظروف بيئته على التعلم..



حفظ من القرآن ستة أحزاب قبل دخوله الى المدرسة العمومية و كذلك أقرانه من الأطفال .. تعلم الحرف العربي و عشقه و كان يظنه في البداية حرفا أمازيغيا لكثرة ما يكتب لهم به الفقيه أبيات العقيدة و أركان الاسلام من خلال الأرجوزات الشعرية التي كانوا يحفظونها عن ظهر قلب و كانوا يرددونها في نشوة و زهو .. و كان ذلك كله بحرف عربي و لغة أمازيغية سوسية .. كما كانوا يجتهدون في حفظ الأبيات الأولى من أرجوزة الرسموكي ( أحمد بن محمد - القرن 11 الهجري) و هي تحكي قصة رجل انطلق هو و وصيفه ( وينزار ) فى سنة جذب يجوب الديار حتى بلغ قرية اسمها (أورفان) أهلها بخلاء ، نزل عندهم ، فلم يرحبوا به و لا بصاحبه فباتوا بلا عشاء .. و الأرجوزة تتكون من 298 بيتا من الشعر العربى يختم كل بيت بكلمة أمازيغية ، وهي من أمتع ما قرأ في الطفولة..



كان الناس يهتمون بالمسجد و عمارته و الفقيه و حسن حاله و يحرصون على تعليم أبنائهم القرآن ، و كان المتعلم (أمحضار) حين يختم حفظ القرآن تقام له حفلتان (السلوكت) واحدة في المسجد في حضرة الفقيه و أخرى في البيت يحضرها الأقارب و الجيران . و كان أمحضار يزهو بذلك و يفتخرعلى أقرانه ... و لا يزال يذكر فرح أخيه الأكبر حين تحقق له ذلك..



كانت جدته تحكي لهم القصص و الحكايات ، بلهجة سوسية صافية .. تمجد كلها الأخلاق و الآداب و تستنكر سوء الخلق و سوء المعاملة . آداب وأخلاق سامية تضعها في قوالب قصصية شيقة بلغة أمازيغية رصينة لا تجد فيها حرفا دخيلا .. تحكي الكثير من قصص السيرة و الصحابة و آل البيت و قصص علماء و عالمات سوس و حكايات الصالحين و الصالحات .. و هي التي لا تحفظ من القرآن إلا الفاتحة و سور لا يخرج عددها عن عدد أصابع اليد الواحدة. و لا ينكر أن تلك الحكايات قد رسخت فيهم كثيرا من القيم التي تعجز المدارس اليوم عن تلقينها للمتعلمين..



نشأوا على حب الاسلام و حب العربية و حب فلسطين و حب آل بيت النبي صلى الله عليه و سلم . و لم يسمع بكره هذه الأركان إلا في السنوات الأخيرة التي تبجحت فيها الجرأة على الدين و علا الصوت على المقدس من بعض العرب و من بعض الأمازيغ على السواء أي من غلاة الحداثة في كلا الجانبين.



لم يتعلم العربية إلا عندما التحق بالمدرسة في السابعة من عمره ، و لم يشعر في يوم من الأيام بأي نقص و لم يجد ضيرا أن يكون أمازيغيا نشأ مسلما وتعلم العربية و تعلم بها و عشق لغته الأصلية و حافظ عليها..



في قريتهم كان حب الناس للدين قويا و كان التدين بارزا في كل تصرفات الناس و عاداتهم ، و كان من المستحيل أن تسمع أحدا يسب الدين أو ينتقص منه كما يُفعل حاليا..



كانوا يعظمون الشعائر و يحتفلون بكل الأعياد و المواسم الدينية .. يكتسب المرء قيمته بينهم بناءا على درجة تدينه و حبه للدين..



حكى له جده أن جده حج راجلا ، في الربع الثالث من القرن التاسع عشر ، و قضى في الرحلة كلها أزيد من سنة . كان يحكي لهم بافتخار و اعتزاز أنها كانت من أعز سني عمره .. لما عاد من رحلته أقيم حفل كبير نحرت فيه الدبائح حمدا لله على السلامة و على التوفيق لأداء مناسك الحج .. جاءت الوفود من المناطق المجاورة للتهنئة ، و كان حدثا بارزا مشهودا في المنطقة كلها لشهور تلت .. وكان الموضوع الرئيس في تجمعاتهم هو حكايات جده عن الحج و عن الرحلة إليه ..



كان الناس يؤرخون لأحداثهم و مناسباتهم بالتاريخ الهجري كموسم الحرث و الحصاد ، و كانو يهتمون بأحوال الهلال خلال الشهر القمري و يؤرخون به في عقودهم و مواثيقهم .. و لا يزال يحفظ أشهر السنة الهجرية بالأمازيغية كما لُقنها و هو طفل صغير ، و لم يكن أحد منهم يسمع آنذاك عن السنة الأمازيغية..



في الخمسينات من القرن الماضي تزوج أحد أخواله من فتاة من قبيلة عربية سوسية ، رغم أن جدته أمازيغية قحة ، لا تعرف أي كلمة عربية.. و كان الأمر عاديا - حسب ما حكت له والدته رحمها الله - إذ سرعان ما تعلمت زوجة خاله الأمازيغية ، حيث تم ذلك خلال شهور قليلة و تم التواصل بينهما بعد ذلك دون صعوبة تذكر .. كانت القبائل العربية بسوس محادية للقبائل الأمازيغية و لم يذكر أجداده أن قامت حرب بين الفريقين إطلاقا ، في الوقت الذي يحكون فيه عن الحروب القبلية فيما بين الأمازيغ أنفسهم .. كان لوالده صديق عربي يزورهم من حين لآخر يعرف حب والده له من بشاشة وجهه و من ترحيبه الحار أثناء الزيارة و كان دائما يذكره بخير..



هكذا عاش الأمازيغ في بلدهم ، أمازيغيون في دفاعهم عن لغتهم وتاريخهم وحضارتهم و تقاليدهم . و مسلمون في دفاعهم عن دينهم و أمتهم و مقدساتهم . لم تكن الأمازيغية لديهم هوية قائمة أو هوية بديلة بل كانت جزءا من هوية تجمعهم مع باقي المغاربة . هكذا عاش الأمازيغ في سوس و في كل شمال إفريقيا.. و باختصار فقد كانوا أمازيغ مسلمين.



نشأوا على احترام اليهود و اعتبارهم مواطنين مثلهم ، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم ، لهم عاداتهم و لليهود عاداتهم ، و لم يكن الدين سببا لأية عداوة بينهم، و لكم يكن في التربية التي تلقاها ما يدعوا إلى معاداتهم بسبب معتقداتهم فكيف يتبجح علينا أصحاب شعارالتسامح و نبذ العنصرية و نشر ثقافة الحوار والاحترام المتبادل و التفاهم؟!



كان والده رحمه الله يقاوم الاستعمار و يبغضه بشدة ، و عانى بسبب ذلك من الخونة و العملاء . و كانوا يسعدون حين يحكي لهم عن قصص الفدائيين وصراعهم المستمر مع الخونة أذناب الإستعمار.. لا أدري حقيقة ما سيحدث لهذا الأمازيغي الحر ، لو كتب له الحياة حتى الآن ليرى بعض المحسوبين على الأمازيغ يتهافتون إلى كسب ود الكيان الصهيوني الغاشم المعتدي و الاحتماء به واستعدائه على شعبنا و على بلدنا و مؤسساته . في الحقيقة ، لا أزال حائرا كيف يسمح أمازيغي ، نشأ في مثل هذه البيئة و على مثل هذه المُثل ، لنفسه أن ينحدر إلى هذا الحضيض ، بحجة أن ما يربطنا باليهودي أهم و أسمى مما يربطنا بالعربي المستعمر ! فما الذي استجد حتى يحدث لهؤلاء كل هذا الإنقلاب الجذري؟! ما الذي دهى هؤلاء حتى اعتبروا الاسلام بضاعة شرقية و نبشوا في تاريخ ما قبل الفتح و تنكروا للقرون الأربعة عشر في ظل الإسلام ، و جعلوا من الأمازيغية هوية فريدة ، و اتخذوا العربَ المغاربة أعداءً و من العربية لغة مستعمر ، و استبدلوا التاريخ الهجري بالفرعوني ..، و سموا الفتح الاسلامي غزوا !. و تنكروا لعظماء الحضارة الإسلامية الأمازيغية .. تبرؤوا من مكة واتجهوا صوب تل أبيب .. هل بعد كل هذا يستحق هؤلاء أن يوصفوا بالأمازيغ ؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق