الأربعاء، يوليو 28، 2010

الأمازيغية

بقلم : عبد الإله الزكريتي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لعل مما دفعني لأكتب في هذا الموضوع هو كوني أمازيغي ريفي أعتز بإسلامي أيّما اعتزاز ، بدونه لا معنى لحياتي . و كم كانت دهشتي كبيرة عندما سمعت زمرة من المنتسبين إلى أهل الريف و هم يهرولون لبني صهيون لإحياء ما أسموه "بالذاكرة المشتركة" مع قتلة الأنبياء . و أي ذاكرة تجمعنا معشر الأمازيغ مع قوم أحبوا إسالة
الدم و لو كان دم رضيع أو شيخ ضرير أو عجوز مقعدة.



تقديم يعتبر الموضوع الأمازيغي من الموضوعات المطروحة اليوم على الشعب المغربي بكل مكوناته من أجل إيجاد أجوبة واضحة عن مجمل الأبعاد التي يثيرها، فمند مطلع التسعينات ظهرت عدة مساهمات و مواقف و كتابات كلها تقبل بالمكون الأمازيغي ، إلا أنه تعددت أسباب القبول و الإعتراف ، فهناك من الأحزاب من سارع إلى كتابة حروف "تفناغ" على اللافتات في المهرجانات الحزبية في الانتخابات ، و اعتبر الأمازيغ بذلك كمّا انتخابيا هائلا . و هناك من رأى بأن الاعتراف بالأمازيغية قضاء حتمي على المد الأصولي الذي أصبح مصدر إزعاج للحكّام و الفئة المغربة . و كنتيجة لهذا الفهم تم الترخيص لعدد هائل من الجمعيات الأمازيغية . كما دعا الملك الراحل الحسن الثاني في خطاب صيف 1995 إلى ضرورة تدريس "اللهجات" الأمازيغية . و كتتويج لكل هذا تم تأسيس ما سمي "بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية" صيف 2001 . في مقابل كل هذا ، تمّ التضييق على الإسلاميين و نشاطاتهم مند مطلع التسعينيات ، فكانت النتيجة السجون و المعتقلات ، و عدم الترخيص للجمعيات ، و منع الصحف و التظاهر والمخيمات ... كما سارع فصيل من فصائل الإسلاميين إلى تبني المسألة الأمازيغية و اعتبارها قضية وطنية لا يمكن لأحد أن يدعي "تمزغه" (1) .



ثم كانت مساهمة الأستاذ عبد السلام ياسين في هذا المجال من خلال كتابه "حوار مع صديق أمازيغي" و الذي هو في الأصل عبارة عن رسائل متبادلة بينه وبين الأستاذ محمد شفيق أحد المدافعين عن الأمازيغية . إلا أن المقصود هو عموم الأمة أمازيغ و غيرهم كما يقول الأستاذ ياسين في بداية رده على الرسالة الأولى : << إني أرجو أن يقرأ هذه الرسالة الحوارية غيرك من الإخوان الأمازيغ وغيرهم من المسلمين ، فيكون بذلك حوارنا خصبا له مغزى يتجاوز مقاييس شخصين قال أحدهما للآخر فأجاب و انطوت الصفحة و خسرت المحاورة >> (2).



أما أهداف الأستاذ ياسين و دوافعه من الخوض في هذه المسألة فيلخصها الأستاذ عمر أمكاسو ، القيادي في جماعة العدل و الإحسان و أحد الوجوه الأمازيغية (*) ، في ندوة "الأمازيغية الآن" التي نظمتها الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي في الرباط يومي 12 و 13 دجنبر 1997 إذ يقول : << فالرجل في هذا الكتاب لا يتكلم باعتباره رجل سياسة يبحث عن المواقف السياسية و عن المواقف الانتخابية و يتصيد الأنصار كما نسمع عن السياسيين ، و لا يتكلم باعتباره رجل ثقافة يغوص في المعضلات الثقافية و في إطار نخبوي ضيق و في برج عاجي ، و لا يتعامل مع القضية باعتباره رجلا أكاديميا يستعمل الآليات الموضوعية للبحث و التنقيب عن الجديد و غيره ... و لا يطرحها باعتباره إنسانا جمعويا يبحث عن أنشطة ثقافية ، و إنما باعتباره رجل دعوة له أولويات ، له أرضية ينطلق منها و هي الإسلام ، و هي أرضية ليست لها أدنى مشكلة مع المسألة الثقافية ، بل تعايشت مع شعوب غير عربية و أثمرت هذه الشعوب وساهمت في الحضارة الإسلامية >> (3) .



و بعبارة أخرى، فإن المنهاج النبوي و مهمة الإنسان في الأرض و اقتحام العقبات الكبرى (و ليس الدفاع عن عصبية ضيقة) ثم مصير الإنسان بعد الموت كان حاضرا كذلك في الموضوع الأمازيغي كما هو الشأن في باقي كتابات الأستاذ.



ــ إذن ما هي نظرته إلى التعدد اللغوي و الثقافي ؟



ــ و كيف يرى القبيلة و الانتماء القبلي في علاقتهما بالموضوع الأمازيغي؟



ــ و ما هي ملاحظاته على التيار الذي يتصدر المسألة الأمازيغية نضالا وكتابة و إعلاما ؟



ــ ثم لماذا يتباهى التيار المتصدر بالرموز الأمازيغية الجاهلية و يعرض عن الأمازيغ الصالحين الذين صنعوا أمجاد أمة الإسلام ؟



التعدد اللغوي و الثقافي



تبين لي عند اطلاعي على العديد من القراءات و الردود على الكتاب من خلال بعض الإصدارات و كذلك عبر صفحات جريدة "اكراو أمازيغ" من طرف محسوبين على "الحركة الأمازيغية" أن هؤلاء يحاولون قدر جهدهم أن يبينوا أن الأستاذ ياسين يدعو إلى الوحدة اللغوية و الثقافية و بذلك يلتقي مع مطالب القوميين العرب ، و كذلك يدعو إلى تعريب العالم الإسلامي . لكن أي شخص يفهم و لو الشيء اليسير عن تصور الأستاذ ياسين سيخلص إلى أنه لا يمكن أن يدعو إلى التوحد و هو الذي ينشد الخلافة الثانية العالمية . هذه الخلافة التي لا يمكن أن تسود فيها لغة واحدة و ثقافة واحدة . و نحن نعلم كذلك كم من بلاد إسلامية ليست العربية لغتها الأم بل تأتي في المرتبة الثانية أو الثالثة (إيران مثلا) . لكن قبل هذه الأسباب و بعدها فإن تعدد الألسن و الأقوام آية من آيات الله سبحانه و تعالى في خلقه . قال الله تعالى في محكم كتابة : << ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم. إن في ذلك لآيات للعالمين >> ( الروم آية 21 ) .



إذن الأستاذ ياسين لا يدعو إلى الوحدة اللغوية و الثقافية ، كما يريد البعض أن يقول ، و إنما يدعو إلى التوحيد ، و الفرق شاسع بين المصطلحين أي توحيد المرجعية (المرجعية الإسلامية) ، و أن يكون المنطلق من أرضية إسلامية ما دام أبناء المغرب كلهم يدينون دين الإسلام ، أو بمعنى آخر ، فالأستاذ ينفي ويرفض تعدد المرجعيات ، و لا ينفي و لا يرفض تعدد اللغات و الثقافات. يقول الأستاذ ياسين : << لا يضر تعدد اللغات و اللهجات أمة إن كان ما يوحدها في اعتقاد الناس وفكرهم مشروع حياتهم أسمى و أشرف و أعز من الهوية الخاصة >> (4) .



و إذا استحضرنا المليار و نصف مليون و استحضرنا مواقعهم من خلال خريطة العالم لوجدنا أن دعوى تعريب العالم الإسلامي دعوى واهية و مصطنعة وهي من قبيل التمويه في الكلام من طرف البعض ليصنفوا كتابات الإسلاميين جنبا إلى جنب مع كتابات القوميين . ثم هل يحتاج أي بلد إسلامي عجمي إلى تعريبه حتى يحسن إسلامه ؟.. الجواب بالنفي طبعا ؛ فالتاريخ يشهد على أن هؤلاء الأعاجم لم يفعلوا ما فعله العرب بدينهم . يقول الأستاذ ياسين : << لو استعرضنا ما كتبه و سجله و جهر به من الكفريات أمازيغ المغرب و أعاربه لوجدنا الملحد العربي أقوى شكيمة و أكثر عددا >> (5) .



لكن رغم كل هذا فالواجب عند كل المذاهب الإسلامية أن يتعلم المرء من اللغة العربية ما يتقن به صلاته مهما تعجّم لسانه (أما الصلاة بغير العربية فقول شاذ) و لا يطلب منه أن تكون العربية لغة حديثه اليومي و لا أن يخوض في جزيئات الفقه و العلوم و البيان ، إلا إذا كانت همته عالية فالإسلام لا يمنع أحدا ، و نحن نعلم كم من أعجمي برع في هذه العلوم العربية .



و هل اللغة العربية هي المكلفة بنشر دعوة الإسلام ؟



أبدًا ، فالأمر موكول إلى الله عز و جل ، و كلف به رجال مومنون و نساء مومنات ، و الإسلام يحمل أدوات و مضامين الانتشار في ذاته مما يجعله مقبولا لدى كل الأقوام . و كم تنقلب اللغة العربية في بعض الأحيان إلى وسيلة هدم للدين و ليس وسيلة تبليغ ، خاصة عندما يكون ناطقو العربية من الذين يحملون ثقافة جاهلية مستوردة فتصبح معها "اللغة العربية الماجنة"(6) !!.. و يقول الأستاذ أيضا في هذا الصدد : << من الثقافة الأصيلة في المغرب العريق الآباء و الأجداد لا تقل ميوعة من لغة الفجور و الفسوق العربية في إذاعتنا و تلفزيوننا >> (7).



لاحظ كيف تنقلب العربية وغيرها لغة الفجور و الفسوق عندما يتغرب ناطقوها عن دينهم .



وفي المقابل يمكن لأي لغة من اللغات أن لا تحمل أوصاف عربية الإذاعات و التلفزة ، إذا كان أصحاب هذه اللغة ــ مهما كانواــ متشبثين بدينهم . << ما في الأمازيغية ما يعاب ما دام الناطقون بها متمسكون بكلمة التوحيد >> (8) . وخلاصة القول أن أي لغة مهما كانت تصبح معابة - في نظر الأستاذ ياسين - حينما تفرغ من حمولتها الدينية أو ما يسمى بـ "العربفونية" و"الامازيغوفونية". يقول الأستاذ عبد السلام ياسين: << و ها هي بين أيدينا لغة عربية عصرية لائكية في صحف الإعلام و الجرائد و المجلات المصورة و الإذاعات و التلفزيونات (...) ما بينها و بين لغة القرآن المبينة من قرابة إلا صلة اللفظ و الحلاف >> (9) .



الأمازيغية و الانتماء القبلي



أبقى الأسوة القدوة محمد صلى الله عليه و سلم على البناء القبلي كما كان أيام الجاهلية بعد أن تم توجيه هذا البناء لتقوية الدعوة المحمدية الجديدة ، فكانت تفد إليه صلى الله عليه و سلم وفود و قبائل معلنةً إسلامها فيؤَمِّر على كل قبيلة شيخها التقليدي الوافد مع قومه بعدما يأمر الكل بتقوى الله و الأخوة في الله . وبعدما تقوّت الدعوة الإسلامية و تم فتح مكة استعرض رسول الله صلى الله عليه و سلم كتائب المجاهدين كل قبيلة تحت رايته الخاصة.



و كتاب "حوار مع صديق أمازيغي" لا يخلو من هذه المعاني إذ يقول صاحبه : << قدوتنا و إمامنا و معلمنا و حبيبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم احتفظ بالوشائج القبلية السليمة ، و سخّرها لتمتين روابط الإسلام >> (10) .



و الإسلام ، كما هو معلوم ، لا ينكر على أحد انتسابه إلى قبيلة أو تكلم لغة قومه بل جعل ذلك آية من آيات الله في الكون ، و النبي صلى الله عليه و سلم لم يمنع الرعيل الأول من الصحابة رضي الله عنهم من الانتماء إلى قبائلهم وأقوامهم في الوقت الذي مُنعت فيه العصبية القبلية و العزاء بعزاء الجاهلية ، و بقيت ألقاب بعض الصحابة ــ و التي تدل على مسقط رأس كل واحد منهم ــ ملتصقة بأسمائهم فيقال مثلا : سلمان الفارسي لأنه من بلاد فارس ؛ و أبي در الغفاري لأنه من قبيلة غفار ؛ و كذلك بلال الحبشي لأنه من الحبشة . يقول الأستاذ ياسين : << لا ينكر الإسلام البناء القبلي و العرف و اللغة ما دامت لا تناقض الإسلام ، بل يشجع روابط العرف و اللغة و القوم إذا كانت تفتل في حبل القوة الإسلامية و تشد عضدها >> (11) .



و حتى الأحاديث النبوية الواردة في شأن التعصب و الانحياز لقوم ما فهمها الأستاذ في سياقها إذ يقول : << ألا و إنّ قطع حبال الجاهلية لا يعني إنكار الرجل المسلم و المرأة المسلمة لغة قومها ، لا يعني قطع رحم في الشلوح والأمازيغ و الريف >> (12) . و يقول أيضا : << لا يعني التنصل من العبية التبرؤ من انتماء المرء لشعبه و قومه بل الانتساب السليم إلى القوم و الشعب واللغة آصرةً تشُدُّ من كيان المسلمين كما تشد العبية الجاهلية من جموع جهنم وحثاها >> (13) . و العبية من العبء ، و هو الثقل ، و هو مصطلح ورد في حديثٍ (14) رواه الترمذي عن عبد الله بن عمر بسند حسن أن النبي صلى الله عليه و سلم قال في خطبة يوم فتح مكة : << يأيها الناس ، إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية و تعاظمها بأهلها . الناس رجلان : بر تقي كريم على الله عز وجل، و فاجر شقي هين على الله عز وجل >> .



يبقى الانتساب الطيني للأهل و القبيلة لا ينكره الدين الإسلامي إلاّ إذا انقلب و أصبح دعوى من دعاوي الجاهلية . و الانتماء إلى القبيلة يجب أن لا يخدش في القضية الكبرى و هي قضية إسلام المرء و إيمانه و هذه القضية ــ كما يقول الأستاذ ياسين ــ هي التي تستحق أن ندافع عنها و نحامي ، و ليس أي قضية أخرى مهما تعاظمت ؛ لذلك يقول : << لكن الانتساب الطيني السلالي لا يتعاظم في أعيننا فيعترض أفق انتمائنا للإسلام >> (15) . و هذا التعاظم هو الذي حدث بالفعل لكثير من الشباب المنتسبين إلى المناطق الأمازيغية جغرافيا حيث يصبح همهم الوحيد الدفاع عن "قضيتهم" المصيرية (الأمازيغية) و اعتبار الآخر طارئا و غازيا يجب أن يرجع من حيث جاء . و هذا هو الذي حصل للنازيين فيما يسمى "النقاء العرقي" و كذلك الصهاينة فيما يسمى بـ "شعب الله المختار" .



و ظاهرة التعصب و الانحياز لدى الشباب هو نتيجة الظلم الذي مورس على المستضعفين منذ الاستقلال المزعوم ، فتولد لدى هؤلاء الشباب نوع من السخط على الوضع الاجتماعي و السياسي حيث وجدوا في الأمازيغية و دعاتها حصنا حصينا لمقاومة الأعاريب. و إذا كان هذا التحليل صائبا فإنه يكون أكثر عندما نتحدث عن منطقة الريف و شبابها . فلازالت الذاكرة الحية تحتفظ بالشراسة و الهمجية التي عومل بها أبناء الريف إبان انتفاضة 1958 من طرف رجال مخزن مغرب "الاستقلال" . لكن الطغيان لا يعالج بطغيان مثله كما يقول الأستاذ : << منغصات الدنيا إن أصاب بعضها الأمازيغ من جراء طغيان الأعاريب فما علاجها بطغيان معاكس مماثل >> (16) . و ظلم البشر يجب أن لا نقابله بالظلم الأكبر << لكن لا يستخفنا الظلم الأصغر الذي يصيبنا به طغاة البشر فنترع بالظلم الأكبر و هو الشرك بالله و الإلحاد في دين الله و الردة عن دين الله ، وازدراء العهد و الميثاق و الصلاة و الزكاة و سائر أركان الإسلام >> (17) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ــ مصطفى المسعودي- عن موقع الأمازيغية من "مشروع الميثاق الوطني للتربية والتكوين"، جريدة حلول تربوية ص 7 دجنبر 1999.
(2) ــ عبد السلام ياسين ــ حوار مع صديق أمازيغي - ص 63 ، مطبوعات الأفق 1997 .
(*) ــ أصله من إمغران بورزازات .
(3) ــ أشغال هذه الندوة طبعت على شكل كتاب تحت عنوان "الأمازيغية الآن" ــ منشورات الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي - ص 76 .
(4) ــ عبد السلام ياسين، حوار مع صديق أمازيغي، ص 249.
(5) ــ المرجع نفسه ، ص 172.
(6) ــ المصدر نفسه ، ص 83.
(7) ــ المصدر نفسه ، ص 83.
(8) ــ المصدر نفسه ، ص 124.
(9) ــ المصدر نفسه ، ص 87.
(10) ــ المصدر نفسه ، ص 201.
(11) ــ المصدر نفسه ، ص 201.
(12) ــ المصدر نفسه، ص 201.
(13) ــ المصدر نفسه، ص 196.
(14) ــ الحديث أورده الأستاذ في نفس الكتاب ، ص 191.
(15) ــ المصدر نفسه ، ص 185.
(16) ــ المصدر نفسه ص 208.
(17) ــ المصدر نفسه ص 209.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق