الأحد، يوليو 18، 2010

عبدالكريم الخطابي و محاولات الاغتيال الجديد

بقلم : مصطفى الخلفي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد يومين تحل ذكرى مرور 82 سنة على استسلام الأمير عبد الكريم الخطابي الذي قدم تجربة فريدة في المقاومة و التحرر برغم الظروف الصعبة و الاستثنائية لمنطقة جبال الريف شمال المغرب ، كانت بدايتها مع معركة أنوال الشهيرة في أول يوليو 1921 ، و انتهت مع معركة بطولية في مواجهة حملة استعمارية فرنسية - إسبانية
انتهت في 26 مايو 1926 .


و رغم استمرار جوانب من إرث هذه الثورة التحررية لعقود تلت ، وخاصة في تجديد و دعم مشروع المقاومة للاستعمار بشمال إفريقيا ككل مع التحاق الأمير عبد الكريم الخطابي بمصر بدءا من 1947 ، و إلهام مسار الحركة الوطنية قبل ذلك ، ثم تحوله لمرجعية تاريخية بالنسبة لقطاعات من الحركات السياسية والاجتماعية في مغرب الاستقلال ، سواء منها اليسارية أو الإسلامية ، أوالأمازيغية، فإن الذكرى تحل اليوم و معها يتجدد التساؤل عما بقي من هذا الإرث ؟


قد يكون من المؤلم التصريح بأن إرث الأمير مستهدف بمحاولات اغتيال متواصلة ، لعل من أبرز مظاهرها أن هذه الذكرى تزامنت مع إقدام وجه بارز من التيار السياسي العلماني داخل الحركة الأمازيغية على اللجوء للبرلمان الإسباني بعد منع حزبه من قبل وزارة الداخلية ، لجوء اعتبرته فعالية أمازيغية إسلامية بمثابة تمهيد لنظام حماية جديد. و للعلم فقد حمل الاستعمار الإسباني و كذلك الفرنسي للمغرب اسم نظام الحماية . أيضا تأتي هذه الذكرى و قد خرج للعلن استعداد التيار نفسه للعب ورقة التطبيع مع إسرائيل و اعتبار مشكلة النزاع في فلسطين مشكلة عربية - إسرائيلية لا علاقة لها بالأمازيغ ، و ذلك بإقدام الشخصية نفسها على زيارة تل أبيب و التسويق لذلك ، في تناقض كلي مع المشروع التحرري للأمير عبدالكريم الخطابي ، لاسيما عندما نقف على تأسيس جمعية للصداقة الريفية - الإسرائيلية تحولت فيما بعد لجمعية للذاكرة المشتركة بين اليهود و الأمازيغ ، بعد الاحتجاجات الشديدة التي عرفها المغرب على سلوك من هذا النوع .


سيكون من المفيد التذكير بحقيقتين تاريخيتين في هذه الذكرى :


1) ــ أولا ، أن محاولة اختطاف الأمازيغية من قبل المشروع الصهيوني تقف على النقيض من تاريخ عميق من التضامن بين العالم الإسلامي ، ذلك أن مسلمي يافا أقدموا في يونيو 1925 ــ أي بموازاة الحملة الفرنسية-الإسبانية الأولى على جمهورية الريف ــ على تنظيم حملة تبرعات لمصلحة جرحى الريف ، و مما جاء في الرسالة التي حررها محمد توفيق مفتي يافا السابق و التي وجهها إلى رئيس جمعية تضامن العلماء في مصر : << إن نداءكم الصاعد من قبل ملؤه الإخلاص قد وصل إلى آذان الموحدين فانعطفت أفئدة الحنو على مجاهدي الريف و تشكل في بعض مدن فلسطين جمعيات لقبول الإعانات ، و قد بلغ ما وصل ليد جمعية يافا 379 جنيها و 265 مليما >> .


و الرسالة مؤرخة في 25 يوليو 1925 ، و نشرت بالأهرام المصرية في 3 أغسطس 1925 ، و ربما تُكشف لأول مرة ، حيث لم يسبق أن جرى الحديث بهذا التفصيل عن موضوع العلاقة بين الأمير عبد الكريم الخطابي و الشعب الفلسطيني ، و هي حقا رسالة لمن يتوجه اليوم من الريف إلى إسرائيل ، ظنا منه أن تلك طريق بناء الذاكرة المشتركة ، في حين أن التاريخ الحقيقي على النقيض من ذلك .


2) ــ أما الحقيقة الثانية ، فهي أن الحملة الفرنسية - الإسبانية الثانية في مايو 1926 تزامنت مع انعقاد مؤتمر الخلافة بمصر لبحث موضوع إعادة الخلافة بعد إلغائها من قبل أتاتورك في 1924 . و كان من المدعويين للمؤتمر الأمير عبد الكريم الخطابي ، بل و انتصب فريق بمصر لترشيحه لتولي هذا المنصب . و لعل من المثير الإشارة إلى أن خبر هذا الترشيح عممته الشركة التلغرافية اليهودية في فبراير 1925 ، و نشر هو الآخر في جريدة الأهرام القاهرية في عددها المؤرخ بـ 20 فبراير 1925 ، خاصة عند الأخذ بعين الاعتبار أن العالم الإسلامي لم يكن يعرف سوى أربع دول مستقلة هي تركيا التي تخلت عن حمل لواء الخلافة ، والحجاز الذي كان بصدد الخروج من حرب داخلية أنهكته ، و أفغانستان التي كانت في عزلة ، ثم الريف الذي كان نموذج المنطقة المحررة و القوية والصامدة، و هو ما لا يستبعد أن يكون هذا الخوف من عودة الخلافة و التحاق الأمير بها ، أحد أسباب التسريع بالحملة على ضوء تقارير الاستعمار الفرنسي بالمغرب والمحفوظة بأرشيفات الخارجية الفرنسية ، و التي ظهر فيها القلق الكبير إزاء تطورات التحضير لمؤتمر الخلافة و احتمالات ترشيح الأمير عبدالكريم الخطابي لها .


ربما يكون التذكير بهذه الحقائق أفضل رد على محاولات الاغتيال الجديد للذاكرة المغربية عامة و لعبد الكريم الخطابي خاصة ، اغتيال لإرثه في مقاومة الاستعمار كيفما كان و أينما كان ، اغتيال يبدأ بنفي ما هو مُشرق و إشاعة ما هو مظلم ، ليؤسس في النهاية لمنطق الحماية الجديد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق